يشهد العراق اليوم مرحلة دقيقة وحاسمة من الصراع على السلطة والشرعية حيث تتقاطع عدة عوامل رئيسية منها انخفاض المشاركة الشعبية في الانتخابات بشكل غير مسبوق وتصنيف فصائل مسلحة شيعية موالية لإيران كمنظمات إرهابية دولياً وتصاعد دور المرجعية الدينية في النجف كموازن داخلي ضد النفوذ الإيراني ويطرح هذا المشهد سؤالاً مصيرياً حول مستقبل العراق هل ستسقط الدولة تحت هيمنة المليشيات أم ستدخل في فوضى شاملة أم يمكن للمرجعية الوطنية والقوى الوطنية إعادة الدولة إلى مسارها الصحيح بدأت الفجوة بين المليشيات والشعب تتسع منذ أن انطلقت هذه الفصائل تحت شعار مقاومة الاحتلال الأمريكي وتحولت تدريجياً إلى أذرع إيرانية تعمل وفق مصالح خارجية أكثر من مصالح العراق في الوقت نفسه فإن امتلاكها للسلاح المنفلت والسيطرة على مؤسسات الدولة والاقتصاد بما في ذلك المنافذ الحدودية والعقود النفطية والقمع الدموي للاحتجاجات الشعبية مثل انتفاضة تشرين 2019 جعل الشعب يشعر بأن إرادته مسلوبة وأن هذه الفصائل ليست ممثلة له بشكل حقيقي وأدى ذلك إلى عزوف واسع عن الانتخابات وأدى إلى أزمة شرعية حقيقية أمام أي حكومة مقبلة ويمكن تصور مستقبل العراق عبر ثلاثة سيناريوهات رئيسية السيناريو الأول هو حكومة مليشيات موالية لإيران تستند على القوة والسلاح وتسيطر على القرار السياسي والاقتصادي ويحقق استقراراً شكلياً قصير المدى لكنه على متوسط المدى يعاني من عزلة دولية وضعف اقتصادي وتصاعد الاحتقان الشعبي وعلى المدى البعيد يمكن أن ينفجر الوضع في فوضى أو انتفاضة واسعة السيناريو الثاني هو حكومة توافقية بضغط دولي تضم القوى الشيعية والسنية والكردية لكنها ضعيفة القرار ومقسمة مما يؤدي في قصير المدى إلى تهدئة نسبية وفي متوسط المدى إلى شلل إداري وتشريعي وعلى المدى البعيد استمرار العراق ساحة صراع إقليمي دون بناء مؤسسات قوية أما السيناريو الثالث فهو الإصلاح التدريجي بدعم شعبي ودولي حيث تظهر تيارات وطنية وشبابية مدعومة بالضغط الدولي لتقليص نفوذ المليشيات ويؤدي هذا في قصير المدى إلى حكومة انتقالية تفتح باب الإصلاح وفي متوسط المدى إلى دمج الفصائل المسلحة وتقليص نفوذها وبعيد المدى إلى بناء دولة مؤسساتية قوية اقتصادياً وإدارياً وثقة شعبية متجددة ويبرز في هذا السياق دور السيد مقتدى الصدر والقوى الوطنية كأداة حاسمة في تحجيم نفوذ المليشيات فالصدر يمتلك جمهوراً واسعاً وميليشيا منظمة بينما القوى الوطنية توفر غطاءً شعبياً وأخلاقياً أما المرجعية الوطنية فتقدم غطاءً شرعياً يضاعف قوة التحالف داخلياً وخارجياً ويعتمد نجاح هذا التحالف على جدية الصدر في دعم الدولة وليس مصالحه الشخصية وتوحيد خطاب القوى الوطنية والغطاء المرجعي ووجود قبول إقليمي ودولي لدعم استقلالية العراق أما فيما يتعلق بالمرجعية الوطنية مقابل ولاية الفقيه فإن حوزة النجف لا تقر نظرية ولاية الفقيه فهي ترى أن دور الفقيه إرشادي وأخلاقي وليس حكماً مطلقاً للدولة كما هو مطبق في إيران وتحرص النجف على حماية سيادة الدولة العراقية ومنع العراق من أن يصبح امتداداً سياسياً لإيران وتُعتبر المرجعية في النجف خطاً موازياً مضاداً لنفوذ قم حيث تعمل على توجيه القوى الوطنية والشارع العراقي دون أن تتحول إلى أداة سياسية معلنة وتؤكد المرجعية أن التدخل يتم فقط عند الأزمات الكبرى للحفاظ على الدولة والمجتمع المدني ويُنظر إلى المرجعية من قبل المجتمع الدولي كقوة معتدلة يمكن البناء عليها لتقليص النفوذ الإيراني وتدعيم الدولة الوطنية دون المساس باستقلاليتها وسياسياً فإن المرجعية توفر غطاءً أخلاقياً يتيح للقوى الوطنية والصدريين التحرك في الشارع والسياسة دون فقدان الشرعية الدينية ويشير السيناريو التصاعدي للأزمة إلى أن مظاهرات شعبية واسعة ستندلع ضد الفساد وسيطرة المليشيات وقد تشمل المدن الكبرى بغداد والبصرة والناصرية ويطالب المتظاهرون بوقف النفوذ الإيراني ومحاربة الفساد واستعادة الدولة المدنية ستلجأ المليشيات إلى القمع الدموي باستخدام الرصاص الحي والاعتقالات في محاولة لكسر زخم الاحتجاجات لكن هذا سيؤدي إلى تصعيد أكبر وغضب شعبي متزايد وسيكون السيد مقتدى الصدر وميليشياه جاهزين للتدخل لحماية المحتجين أو لموازنة القمع وتوفير النجف غطاءً شرعياً وأخلاقياً مما يعزز قوة الصدر ويكسبه شرعية إضافية في التحرك السياسي والعسكري في المقابل ستدعم إيران مليشياتها عسكرياً ومالياً للحفاظ على نفوذها وسياسة الهيمنة في العراق بينما قد تتدخل الولايات المتحدة لدعم الشرعية العراقية وإرادة الشعب عبر دعم لوجستي ومعلوماتي وربما ضربات جوية محدودة إذا تطور الصراع إلى مواجهة واسعة وتتصاعد الأزمة إلى مواجهات شاملة بين الفصائل المسلحة المدعومة إيرانياً وأنصار الاحتجاجات المدعومة شعبياً والدعم المرجعي والدولي قد يخلق معادلة رادعة تمنع هيمنة طرف على الآخر بالكامل ويضع العراق على حافة مواجهة شاملة بين المليشيات الموالية لإيران والشعب المحتج المدعوم جزئياً من السيد الصدر والمرجعية والمجتمع الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة لضمان إرادة الشعب ويُظهر هذا السيناريو أن مستقبل الدولة يعتمد على قدرة المرجعية والقوى الوطنية على الحفاظ على توازن يحد من النفوذ الإيراني ويضمن خروج العراق من فخ دولة المليشيات والفوضى القادمة ويعطي الانتباه إلى أن أي خيار قصير المدى للدولة المليشياوية سيواجه بالاحتجاج الشعبي والتدخل الدولي وسيشكل اختباراً حقيقياً لقدرة العراق على بناء دولة مؤسساتية مستقلة وسيستمر تأثير المرجعية والشارع والمجتمع الدولي كعوامل حاسمة في تحديد مسار البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي .