18 ديسمبر، 2024 11:25 م

في اليوم العالمي للأب رحم الله آباءنا وآباءكم

في اليوم العالمي للأب رحم الله آباءنا وآباءكم

امل الياسري
لقد توفي أبي منذ ساعة!
وجدتُ نفسي وحدي مع مجموعة من الملائكة، وآخرين لاأعرف مَنْ هم، توسلتهم أن يعيدونني إلى الحياة، لأجل زوجي الذي لاأزال أشتاق إليه، وولديّ اللذين لم يرا النور، ليواجها الحياة عقب تخرجهما من الجامعة، مرت عدة دقائق أخرى، جاء أحد الملائكة يحمل شيئاً يشبه شاشة التلفاز، أخبرني أن التوقيت بين الدنيا والآخرة يختلف كثيراً، الدقائق هنا تعادل كثيراً من الأيام هناك،وقال:”تستطيعين أن تطمئني عليهم من هنا”قام بتشغيل الشاشة فظهر زوجي يحمل إناءً فيه بقايا طفلين بائسين!
الصورة كانت مسرعة جداً، والزمن يتغير كل دقيقة، وإبناي يكبران ويكبران، وغيَّر زوجي الأثاث، وإستطاع أن يحصل على مرتبي التقاعدي، دخل ولداي للمدرسة، تزوج إخوتي الواحد تلو الآخر، أصبح لكل منهم حياته الخاصة، فمرت حوادث كثيرة، وفي زحمة الحركة والصورة المشوشة، لاحظتُ شيئاً ثابتاً في الخلف يبدو كالظل الأسود، مرت دقائق كثيرة، ولا يزال الظل ذاته في جميع الصور، كانت تمر هنالك السنوات والظل يصغر ويخفت، فناديتُ على أحد الملائكة.
توسلتُه أن يقرب الظل حتى أراه جيداً، لقد كان ملاكا عطوفاً، لم يقم فقط بتقريب الصورة، بل عرض المشهد بذات التوقيت الأرضي، ولاأزال قابعة في مكاني منذ خمسة أعوام، أشاهد هذا الظل يبكي فأبكي، ولم يكن هذا الظل سوى أبي، فلوالدي وجوه جميلة، وروائح عبقة تصادر ألمنا منذ ساعات الصباح الأولى، فأشعر بالغبطة وأروي لصديقاتي كيف أوصلني لهذا الإبداع، لقد كان يُحضِر لي الصحف الثلاثة يومياً، ومجلة ألف باء أسبوعياً، وكنت أجمع معها تأريخ والدي.
(الزمن الحقيقي ليس الذي نراه على الساعة، بل الزمن الفعلي هو أن نعيشه في أذهاننا، ليطول في حالة الحزن، ويقصر في الفرح)،فرغم أن الساعات الأولى لرحيل أبي، عن هذه الدنيا كانت مؤلمة، إلا أننا إقتنعنا أن التابوت الذي حفظ جسده، يعرف عن الحنان مالا يعرفه البشر، فجمعنا كنا نريد الرحيل إليه، لكنهم يرفضون ذهابنا معه، فما كان علاجنا وعزاؤنا إلا القرآن، فهو شفاء لمَنْ كسرت الحياة قلوبهم، والذين من حولنا يقولون:(أعظم كنز لدينا هو الصبر!).
يقدر العلماء ألم طلوع الروح بـ (300) ضربة بالسيف، ونحن كنا نتمنى أن يضربونا أضعافها، ليكون والدي معنا على الدوام، ولكن (كل نفس ذائقة الموت)، فوالدي ليس كلمات نستطيع محوها بمرور الأيام، فظله يرافقنا أينما كنا، وإن تبدلت ألوان غرفنا، وكُثر عدد أولادنا، وتعددت مصادر متاعبنا وهمومنا، إلا إن ذلك الملاك يحضر بيننا، ومعه الشاشة الصغيرة لكي يطمئن عليَّ، وعلى إخوتي، وأمي التي تحاول صياغة البيت من جديد، ولكنها عبثاً تحاول فملامح الزمن نالت منها.
مشاعر الشوق واللوعة تنادي صرخات المغتسل، وهم يقلبون أعضاء جسده، وأنا لا أصدق ما تشاهده عيني، فأبكي كثيراً، وأصلي قليلاً، وأراقب عدالة السماء، وكنت أود أن يبتسم أبي، حتى لو بكت الحياة كلها، فروح والدي كانت تطوف حولنا لحظتها، ولم تكن تحتاج لأجنحة، فالملاك الذي عرج بها، أحضر معه الشاشة الصغيرة وخاطبني بلطف:صحيح أن والدكِ غادر الحياة، إلا أنه يستطيع الإطمنئان عليكم وسأحضره بنفسي، ولأجل هذه الرؤيا كتبتُ لكَ، فلكأنه قد توفي أبي قبل ساعة!