العمل الصحفي في جوهره هو ارادة و اختيار و فن وتحقيق وبحث . يعتمد الصحفي في مهنته على وسائل التقصي الحر والتعبير عن الحقيقة والمعلومات الدقيقة. لكن الصحافة في بلدان الشرق الاوسط من السودان الى البحرين مرورا بدمشق والقاهرة تعاني من استبداد المستبدين، الكبار والصغار، الساعين إلى تضليل الرأي العام .
الصحافة العراقية في الزمان الديمقراطي الحالي في بلادنا – العراق – تواجه اشكالاً متعددة من اساليب القهر و القمع بقصد جعلها تجربة ظاهرها حر وجوهرها بعيد عن طاقة الحرية.
الحكوميون من الوزراء والمدراء والمسؤولين في مؤسسات الدولة ،جميعاً، ليس لهم اصول في مغزى الحياة الصحفية الحرة. يسمعون ولا يستحون من غلق اسماعهم. يقرؤون ولا يتورعون عن الدفاع عن اخطائهم وممارساتهم بوسائل تكبت روح الحرية. تراثهم الثقافي والديني والسياسي، العنصري أو الطائفي، يرقى بهم الى صراع مع الصحافة والصحفيين ، إلى عداء للصحفيين الاحرار وللصحافة الحرة . تاريخ 14 سنة ماضية اثبت تعدد اساليب العداء، تمّ فيها انجاز اختطاف الصحفيين وقتلهم حتى بلغ عددهم الى اكثر من 300 صحفي وصحفية بدءا من اختطاف وقتل اطوار بهجت مروراً باغتيال نقيب الصحفيين شهاب التميمي والصحفي المثقف كامل شياع والصحفي الميداني هادي المهدي وغيرهم ، اخرها اختطاف الصحفية افراح شوقي لإسكات صوتها بساحة التحرير.
اقل اشكال المعاناة التي يواجهها الصحفيون التقدميون هو وضعهم امام القضاء العراقي ومطالبتهم بغرامات تصل الى مئات الالاف من الدولارات كما فعلوا ويفعلون مع الصحفي اللامع المحرر في جريدة المدى البغدادية (علي حسين) او كما اختزلوا اسلوبهم بمعاقبة الصحفي المناضل صادق الصائغ وهو الصحفي العراقي الذي اكتسب سيولة العمل الصحفي التقدمي منذ اكثر من نصف قرن في ميادين الاذاعة والتلفزيون والتحرير الورقي وفنون التصميم الصحفي وبرهن خلال عمره الصحفي كله على خصوصية صحفية في الشعر والنثر بتركيبات الصحافة اليومية وقد عوقب على احداثياته، كلها، بحرمانه من حقوقه التقاعدية.
كما تتعدد وتتنوع وسائل معاداة الصحفيين الى ممارسة الفصل والنقل والعطالة ووضع انواع مختلفة من المصاعب امام الصحفيين ليغلقوا جميع الافاق امام حياتهم المهنية وفتحها امام صحفيي الاسلام السياسي، مخالفين ابسط اشكال المنطق في التاريخ الصحافي العراقي.
الحكوميون بمختلف انواعهم واصنافهم ومناصبهم (وزراء، مدراء، محافظون) لا يريدون تدبر الحاضر والمستقبل في ما يتعلق بحقوق المواطنين العراقيين.. لذلك يضيقون المسرى والمجرى على الصحفيين المدافعين عن الحرية والديمقراطية.. يمنعون على الصحفيين معاصرة الحاضر من المعلومات والمصادر ، يمنعون دورهم في كشف حقيقة الاحداث اليومية الصعبة الجارية في الدولة والمجتمع، واضعين مسافة وموانع بين الحقيقة وما لها وما عليها.
الشيء المؤسف ان مصادفة التاريخ الصحفي العراقي بعد نيسان 2003 اوجدت معطيات نقابة صحافية لا تمثل واقع ومطالب حقيقة الصحفيين العراقيين الاحرار ، نقابة ليس لها موقف صريح واضح ضد الانحراف الحكومي.
المفترض بــ(اليوم العالمي لحرية الصحافة) المصادف هذا اليوم ان يبتغي متابعة حقيقية لمعاناة وجود وعمل وواقع الصحفيين العراقيين، المبتلى بالتهديد دائما وبالتحكم السلطوي بمستقبله عن طريق الاختطاف والقتل والمقاضاة والعطالة.
المفترض في (اليوم العالمي لحرية الصحافة) ان لا يتعذر على الصحف العراقية الحرة ، كافة، بما فيها الصحافة التلفزيونية الفضائية ، مواصلة النضال اليومي من اجل حرية الصحافة، حرية المعرفة الصحفية، حرية النقابات الصحفية ، حرية الضمير الصحفي، حرية الموقف الصحفي النبيل. إذ لا تلتمس طاقة الحرية إلاّ بطاقة الصحافة المعرفية، صحافة المشروعية المهنية والمشروعية الاخلاقية.