كشفت وثيقة صادرة من محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية شمول أحد المتهمين بسرقة القرن النائب السابق في البرلمان هيثم الجبوري بقانون العفو العام الذي أقره البرلمان العراقي مؤخراً.
خبر الإفراج لم يصدم العراقيين كثيراً عندما مر على مسامعهم كما تمر أي حكاية من حكايات بلدهم المنهوب، لأن صغيرهم قبل كبيرهم يُدرك حد اليقين إن أبطال هذه السرقة بدءً من زعيمهم نور زهير الهارب خارج البلد سيتم إطلاق سراحهم ولو بعد حين، وسيعودون لمزاولة نشاطهم السياسي والتجاري وربما الترشح للدورة البرلمانية القادمة لكسب الحصانة البرلمانية التي تمنحهم حق الإستيلاء على كل شيء في هذا البلد وتعاد دورة الحياة في الفساد.
لا ندري من هي الجهة السياسية التي إقترحت فقرة التصويت على إخراج الفاسدين من السجون وماهي الصفقة التي جرى إعدادها لتبرئة السُرّاق، وبعد ذلك كيف يمكن أن نثق أو يأتمن الشعب مقدراته وثرواته عند مجموعة أباحت للفاسدين نهب البلاد والعباد.
من نلوم أيُّها السادة في وطننا المثلوم، أمريكا التي إنتشلتهم من الأزقة المظلمة والشوارع الخلفية والحارات القذرة ليتحكموا بمصير شعب خدعته شعارات الطائفة والمذهب والخلاص من الديكتاتورية إلى قاعٍ صفصف من الحكم الجديد، أم الشعب الذي يتفرج على مصيبته دون حل، أم زمن الردائة الذي أوصل الحال لما عليه.
سرقة القرن التي باتت عنواناً يُشتهر به العراق بدلاً من بلاد الرافدين تتلخص بسيناريو هوليودي وهو خروج مبلغ “بسيط” يُقدّر 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة العراقية في وضح النهار عن طريق شاحنات ذهبت به إلى أرض المجهول، تم سحب تلك الأموال بواسطة 250 شيكاً من حساب الضمان المخصص لتغطية الإلتزامات السنوية بالحسابات لضرائب الشركات.
المصيبة إن الخزينة العراقية مطالبة بتسديد ذلك المبلغ المنهوب من قوت الجياع والفقراء الذين يبحثون عن ما يُشبع جوعهم في مواقع الطمر الصحي.
سرقة القرن إشترك بها سياسيين ورؤساء أحزاب ومؤسسات حكومية ومصارف وحتى إعلاميين.
هل يمكن أن ينجح نظام سياسي تُديره مجموعة من المافيا السياسية؟.
حتى المافيات الدولية لاتتجرأ على فعل كهذا.
أقوى درس نتعلمه من إطلاق سراح الفاسدين هو إن الفساد أصبح كالهواء الذي نتنفسه، وإن الواقع السياسي هو الذي يُشرعن الفساد وربما له حصة من ذلك الفساد.
دائماً ما كنا نسمع في البلدان التي تحمل الديمقراطية شعاراً حقيقياً وليس مزيفاً مثل بلدنا أن السياسي الفاسد الذي يستغل سلطته في مصالحه الشخصية دائماً ما يُقاد إلى المحاكم مثل أسماء كبيرة منها سيلفيو برلسكوني في إيطاليا، وجاك شيراك في فرنسا، وألبيرتو فوجيموري في بيرو قد سُجن البعض منهم، لكن الوضع العراقي مختلف حين وضِع الفاسدين بمرتبة الآلهة.
آجلاً أو عاجلاً سيُسدل الستار عن سرقة القرن وسيُطلق سراح المتهمين بها والعفو عنهم ليس لأنها سرقة صغيرة لا يستحق الحديث عنها، بل لأن العراق يضم بين حكاياه عشرات القصص المشابهة لسرقة القرن، حتى أن بلداً مثل العراق هو نفسه المسروق.
لاتوجد دولة في العالم تُشرعن الفساد بصورة مكشوفة من خلال قوانين نافذة.
أيُّها الفاسدون نعترف أنكم دائماً تكسبون الجولة وإن معارك الفساد معكم دائماً ما نتكبد خسائرها حسرةً وحزناً على بلد ضاع في متاهات الإنحطاط السياسي والفساد، لكن لابد لكل شيء من نهاية.