23 ديسمبر، 2024 4:46 ص

في العراق .. حزبان فقط !

في العراق .. حزبان فقط !

قطعاً إنهما ليسا الحزب الديمقراطي الكردستاني و الأتحاد الوطني الكردستاني , فهما ” على الأقل ” لا يمثلان كلّ العراق وهما يرتكزان على الأساس العرقي الفريد , بجانب انهما يختلفان عن كلّ احزاب القارّات ! فكلّ منهما يجب أن يمتلك محافظة او اكثر مع مساحةٍ جغرافيةٍ , وأنّ بقاءهما على قيد الحياة يعتمد على كمية ونوعية الأسلحة التي تُهدى وتتدفّق عليهم من دولٍ ذات عقدةٍ نفسيّةٍ من العراق – على الأقل – , ونحن هنا لسنا بصدد كلّ ذلك , وكان القصد عدم الخلط في فهم معنى العنوان .

الأحزاب الدينية الحاكمة او احزاب الأسلام السياسي والتي تمثل المفهوم الثيوقراطي – THEOCRACY الذي يقوده رجال الدين CLERGYMEN والتي جميعها تستند وتتعكّز وترتكز على ” المذهب الواحد ” , ممّا يفقدها مبررات ومسوغات تعددها وتنوعها ويحيطها بأسلاكٍ من علائم الإستفهام والأبهام جرّاء نهجها وتبنّيها للمذهب فوق كلّ الأعتبارات والمتطلبات , فهي او هُنَّ بالتالي حزبٌ واحد لايختلف في الأيديولوجية والستراتيجية عن غيره من هذه الأحزاب , وما تعددّهم إلاّ لملأ كراسي وزوايا السلطة واقتسام الكعكة ولتضخيم حجمهم السياسي تحت ذرائعٍ مبتكرة تتعلق بالتأريخ ! وقد كشفوا سادة او قادة هذه الأحزاب عن ضرورة إظهار انفسهم بصورٍ مختلفة عبر الإدّعاء عمّا يسمى ” بالتحالف الوطني ” , فعن ماذا ولماذا يتحالفون طالما هم من ذات النهج وهم يمسكون بجلباب السلطة , ثمّ أنّ تسمية تحالفهم بِ < الوطني > ليست في مكانها وليس لها مكاناً من الإعراب , فالمفهوم الديني يتجاوز كلّ الإعتبارات الوطنية والقومية وهو كما الصواريخ العابرة للقارات والمحيطات . كما تقتضي الإشارة هنا بأنّ ” الحزب الأسلامي ” المتفرع من حركة الأخوان المسلمين المنبوذه على الصعيد العربي , فهذا الحزب يندرج ضمن توليفة تلك الأحزاب المذهبية مهما كان دوره شكلياً ورمزياً لذرّ اكبر كمية من الرماد والغبار في الأعيُن , وإذن ولغاية الآن فيمكن القول بأننا انتهينا من مسألةِ حزبٍ من هذين الحزبين في العراق .

ما شهدته الإنتخابات الأخيرة وبمشاركة العشرات من المرشحين والقوائم والأحزاب والتي ناهز عددها نحو المئة < وتستثنى منها تنظيمات او فصائل السلطة > , وما تميّزت به من ارتفاع نسبة الأكاديميين ورجال القانون , والأعلاميين والأدباء المرشحين , بالأضافة الى ازدياد نسبة المرشحات من بنات حواء او من الجنس اللطيف ومع ما يتمتعن به من تخصصات كالطب والهندسة وعلوم التكنولوجيا الأخرى , وهي الأنتخابات التي تميزت عن سابقاتها من كلتا الناحيتين النوعية والكمية , فبغضّ النظر عن الأهداف الذاتية والتكتيكية للمرشحين , فأنها بمجملها تمثّل الحركة المدنية الجماهيرية ضد الأحزاب الدينية , وقد عبّرت تظاهرات المحافظات والعاصمة عن العديد من هذه الصور بالضدّ من حزب السلطة الحاكم , كما عكست ذلك الشعارات التي رفعوها المتظاهرون والتي تجاوزت الخدمات العامة الى تغيير الوضع السياسي برمّته وإعادة الحياة المدنية الى العراقيين .

إستشعرَ قادة احزاب هذا الأسلام السياسي بشدة ودينامية هذا الحراك الجماهيري منذ انخفاض نسبة المصوتين في صناديق الأنتخابات والتي بلغت حدّها الأدنى او الأدنى من الأدنى , ولم يجرِ الأعلان عن الرقم الحقيقي لنسبة المصوتين والتي اعتبرته بعض المصادر الإخبارية بعدم تجاوزه % 10 او حتى لو كان اكثر من ذلك او حتى لو %25 , ولذلك كان التحرّك السريع لحرق اعداد كبيرة للغاية من صناديق الأقتراع مع محاولاتٍ اخرى لتكسيرها وتخريبها , حتى تكشّفت وتعرّت عمليات تزوير سجلات الأنتخابات , والى أن باتت روائحها تزكم الأنوف والحواس الأخرى . ولم يكن عبثاً من الناحية السيكولوجية ظهور حالة الأنفعال لدى اجهزة السلطة في اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وقُتِلوا من قُتلوا واُصيبوا من اصيبوا , كما لم يكن عبثاً استبيان واستقراء مديات العنف والتعذيب التي تعرّض لها المتظاهرون المعتقلون على ايدي الأجهزة الأمنية ودونما مبرراتٍ لذلك ! ولا أحد يدري ماذا سيجري بعد , وتظاهرات المحافظات ” المتفوّقة على العاصمة ” آخذة بالنموّ والتكاثر , بل انها بلغت مرحلة < الأنتشار وإعادة الإنتشار – REDEPLOYMENT > وفق المصطلح العسكري المعروف .

الخلاصة التي لا تتطلّب أيّ استخلاصٍ , والقراءة التي لا تحتاجُ الى استقراء , فكلّ جماهير الشعب العراقي غدت كحزبٍ واحد في وضمن الهدف السياسي الموحد , والذي تدعو وتصرخ اولى طلائعه المتقدمة على حتمية ضرورة تغيير نظام الحكم السائد , وقد بلغت حالة الغليان الجماهيري تعكس رغباتها وبصورٍ مختلفة بأنها تتمنى قيام حكومة عسكرية في العراق او نظام حكمٍ دكتاتوري بدلاً من الوضع الراهن , وهذا هو حديث الشارع العراقي المسموع حتى في وسائط النقل او الأمكنة العامة .. ومن المفارقات أنّ احزاب الأسلام السياسي الحاكمة ” والتي نسميها بحزبٍ واحد ” قد لعبت دوراً حيوياً في المساعدة والأسراع في توحيد الصف الجماهيري جرّاء ممارساتها القمعية وإنغماسها وغطسها في الفساد المالي والتعدّي على الحريات الشخصية والعامة .! , ودون إغفال الأرتباطات الخارجية لأحزاب السلطة المتسلطة , بالأضافة الى السذاجة السياسية المفرطة لدى معظم قياديي السلطة , وسيّما جهلهم بسوسيولوجية المجتمع العراقي , وتواجدهم خلف الحدود لنحو ربع قرنٍ من الزمن , ويعزز ذلك إفتقادهم لتجربة إشغال ادنى الدرجات الوظيفية البسيطة في دوائر الدولة , فَمَن يخرج منْ شقوق القاع محال أن يفترش القمة الى أبدٍ مؤبّد .! , وسيغدو ” الصبح ” العراقيّ قريباً مهما ابتعد , وأنّ المؤثرات الأقليمية باتت آيلة الآن في الترنّح وصولاً الى السقوط .!