23 ديسمبر، 2024 3:10 م

في العراق بين النشوء و التطور…. النظرية الديمقراطية

في العراق بين النشوء و التطور…. النظرية الديمقراطية

تُعرّف الديمقراطية بأنها حكم الشعب. اذ ان الشعب يختارمن يمثله ليشكل له حكومة تدير شوؤنه اليومية عن طريق الاقتراع. وبما ان الشعوب عادة ما تتكون من شرائح مختلفة وتحمل اراء وتوجهات مختلفة من بعضها البعض فأنه من الطبيعي ان يكون هناك تباين في الاراء حول كيفية ادارة الدولة. ولذلك يصبح من الطبيعي ان تتجه الاغلبية الانتخابية في اي شعب الى تشكيل حكومات أغلبية سياسية وتسعى الاقلية الى الرقابة وتدوين الاخطاء على تلك الحكومات. وأذا اخطأت الحكومات المنتخبة في ادراة الدولة تسعى المعارضة الى تغير قناعات الناخب اتجاه تلك الحكومات. وبتالي يغير الشعب وجهة نظره فينتخب المعارضة وتصبح هي ألاغلبية السياسية بفضل الناخب نفسه وعلى هذا المنوال تسير الامور ويصبح رضا الشعب هو السلم الوحيد للوصل الى دفة الحكم. لهذا اذا نظرنا الى اي دولة ديمقراطية في العالم لوجدنا هذا الحالة متجلية بصورة واضحة.
يُذكر انه بعد جلاء الاحتلال البريطاني من الهند أتفق قادة الطوائف والقوميات الهنود على ان تمر الهند بمرحلة انتقالية تقودها حكومة انتقالية مكونة من التكنوقراط (من ذوي الاختصاصات) لعدة سنين لتهيئت الشعب للانتخابات. واتفقوا على انه خلال تلك المرحلة الانتقالية  تقوم الحكومة باطلاق برنامج لتوعية المواطن بأهمية الانتخابات لبناء الدولة وخطورتها متى ما أسيء استخدامها. وأول من ركز عليهم البرنامج الهندي هم أبناء طبقة الفلاحين والفقراء لان غالبيتهم كانوا غير متعلمين و لانهم اسهل الشرائح التي يمكن استغلالها من قبل ضعاف النفوس الذين يريدون ان يتسلقوا الى سدة الحكم من خلال شراء الاصوات مستغلين حاجة الناس وعوزهم وقلت خبرتهم. وفعلا نجح البرنامج الهندي واليوم تعتبر الديمقراطية الهندية من ارقى الديمقراطيات في العالم وحتى ارقى من ديمقراطيات الغرب. (هذا الهندي ألي ماتارس عيونه)
أما في العراق فيوجد نمط جديد للديمقراطية, وبما اننا عراقيون ومعروف عنى انا شعب ذو حضارة تمتد الى سبعة الاف سنة والتي لمن نتعلم منها شيئ, اخذنا المعنى المعروف عن الديمقراطية وطورناه الى أنموذج جديد. وهذا الانموذج الجديد يدمج بين الثقافة الهجينة ، ثقافة الرئي الواحد والقائد الاوحد، التي علمنا اياها ابوعداي وبين مفهوم الديمقراطية. اخذنا ثقافة البعث التي فرضت علينا ((العراقي بعثي وان لم ينتمي)) كما كان يقول (صكر البيدة) ومزجناها مع الديمقراطية التي جائنا بها العم سام وانتجنا فكرة ومفهوم جديدين أجدر بأن يسمى عراقراطية (عراق- راطية).  والعراقراطية هي ديمقراطية من تفصال عراقي بحت ((دك النجف)) مثل مايكول المثل العراقي، وعذرا لاستخدام مصطلح ((دك النجف)) على العراقراطية لان ((دك النجف)) عبارة كانت تشير الى السلعة المصنوعة بشكل جيد والقصد هنا انها انتاج محلي صرف.
لنتأمل في هذه الفكرة الفريدة من نوعها و مضامينها ونقارنها مع العنصر الاساسي قبل ان ينشاء ويتطور.
في الديمقراطية يختار الناخب من يمثله من خلال برنامج عمل يطرحهُ المرشح للناخب ويأمل ان ينال هذا البرنامج استحسان الناخب فيمهد له الطريق للوصول الى سدة الحكم ليحقق تطلاعت شعبه. اما في العراقراطية يقوم المرشح ببالورة و اصدار فتاوى فكرية تجلد ضمير الناخب وترغمه على ان يختار ذلك المرشح من خلال اللعب على مشاعره وعاطفته وقلت خبرته مستعيننا بوسائل الاعلام الرخيصة والكثيرة في عراق اليوم. المرشح الديني يصور للناخب ان عدم التصويت له هو خيانة للمذهب و الطائفة اوالدين, و المرشح العلماني يصور للناخب ان عدم التصويت له يعد خيانة للمبادئ المدنية البعيدة عن نير الحكم الديني المغلق, والقومي يصور للناخب ان عدم التصويت له يعد خيانة للقومية وللقضية.. والخ. ومن هنا تجد ان الناخب قد وضع في قفص الاتهام وعليه ان يثبت برائته وحسن نيته للمرشح وليس العكس. ويصبح المرشح غير مطالب ببرنامج اومشروع انتخابي لان المواطن او الناخب هو اساسا مشغول في تبرئت نفسه واثبات انه (خوش أدمي). ولهذا لم يسبق وان حدث في العراق منذ قيام العراقراطية ان قدم المرشح خطة عمل او روئيا لما يجب ان يتوقعه المواطن من الحكومة وكل مايتحدث عنه المرشحون هو ظلم النظام السابق لشريحتهم الاجتماعية وانهم المنقذ الذي يريد أنقاذ الوطن من “الذل والهاوان”. ولكن كيف؟ لاحد يعلم.
في الديقراطية، الاغلبية السياسية تحكم و الاقلية السياسية تعارض والمسؤول الفاشل يستقيل او يطرد من منصبه اما في العراقرطية فالكل يحكم والكل يعارض. العيراقراطية تضع القطب السالب على القطب الموجب ويبقى الشرار متطايرا يحرق الشعب ليلا و نهار. الكل يرفض ان يكون في خانت المراقب والكل يرفض ان يكون في خانت المنفذ وفي حال الفشل يوجهون اصابع الاتهام لبعضهم البعض ويبدء التشهير ولاترى احد يستقيل او يطرد. فبرلماننا هو المشرع والقاضي وهوالحكومة ((وحاط)) روحة بكل صغيرة وكبيرة. والحكومة لاتعرف رأسها من قدميها وعليها ان ترجع الى البرلمان الغير متفق في كل شي وحتى يتوصلوا الى اتفاق على مشروع ما ((فجيب ليل واخذ عتابة))
في الديمقراطية يختار الرئيس او رئيس الوزراء فريق عمله ليشكل حكومة تعمل بخطة عمل هو مسؤول عنها وعن نتائجها حاله في ذلك حال مدرب فريق كرة القدم الذي يختار من يعلب في صفوف فريقه وهو مسؤول عن النتائج. اما في العراقراطية فرئيس الوزراء لايحق له ان يختار بل الكتل السياسية هي التي تفرض وزرائها تبعا لولائهم للكتلة. وعلى رئيس الوزراء ان يعمل معهم بغض النظر عن اهمية التناغم الفكري بين الوزير ورئيسه للوصول الى الغاية المرجوة وهي خدمة المواطن. ولهذا تجد ان وزراء في الحكومة يعملون فيها ويصفون رئيسها بانه ديكتاتور لانه لم ينزل عنذ رغبتهم الفئوية. والوزير حينما يتسلم وزارة تصبح هذه الوزارة ملك له ولكتله ولطائفته ويبدء بتعيين الاقارب ومنتسبي الكتلة وهذا خلق لنا وزارات صدرية و كردية وسنية ودعوجية وبدرية …الخ. وأصبح خريجف مرحلة متوسطة وبعد ان ارتدى قميص ورباط وزير للثقافة اوالصناعة او الزراعة او الدفاع والداخلية وهو ((مثل الاطرش بالزفة)).  ومن هنا ترى ان الوزراء في الحكومة العراقية كل يغني على ليلاه وغير قادرين على ان يستوعبوا متطلبات مناصبهم وهمهم الاول والاخير هو جمع الثروة والسرقة وتمجيد زعيم القائمة. وهذا هو السبب الرئيسي لفشل ملف الخدمات وفشل كل شيء يعتمد على عمل الحكومة وبما ان الحكومة تعمل ضمن مبدء الرجل الغير مناسب في المكان الغير مناسب لك ان تتصور حجم الضياع والفشل في وزراتنا وبالنتيجة في بلادنا عموما وكمية الهدر في المال العام.
في الدول الديمقراطية الرئيس ينتخب من قبل الشعب عن طريق الاقتراع المباشر وعادتا ما تحدد مرحلة الحكم الرئاسية بدورة او دورتين لتقليل فرص نشوء دكتاتورية. اما في النظام البرلماني الديمقراطي فلا تحدد عدد الدورات التي يحكم فيها رئيس الوزراء لانه وصل الى سدة الحكم عن طريق الترشيح البرلماني من قبل ممثلي الشعب وبما ان البرلمان يمثل الشعب فاذا أرتئى البرلمان ان ريئس الوزراء شخص مناسب يعاد تجديد دوراته من قبل الاغلبية السياسية التي رشحته وتنتفي الحاجة لتحديد الدورات لانه لا يمكن لرئيس الوزراء ان يجدد دورته من غير الحصول على الاصوات الكافية داخل البرلمان.. اما في النظام العراقراطي فالكتل التي لم تحصل على اصوات كافية في الانتخابات وبدافع الغيض تريد ان تحدد دورات رئيس الوزراء خوفا من الدكتاتورية مفتعلة لتنافي بذلك كل الاعراف الانتخابية المتعارف عليها في العالم. ومع ذلك نقول ان هذا طرح لابئس به ولكن يجب علينا ان نحدد عدد الدورات التي يسمح فيها للبرلماني بالحصول على عضوية البرلمان خوفا من الدكتاتورية البرلمانية لفئة معينة ولاشخاص معينين ولفسح المجال امام الاخرين. وان يكون القانون الذي يسن, يسن لخدمت البلد لالرغبات كتلة معينة نكاية بكتل اخرى من مبدئ (( على عنادك)).
في الدول الديمقراطية يعمل الجميع, الحكومة والمعارضة من اجل بناء الوطن. فاذا نجحت الحكومة في عملها تقول المعارضة ان رقابتها نجحت في توجيه الحكومة في الطريق الصحيح وبالنهاية يكون الجميع سعداء لانهم خدموا وطنهم كل حسب مسؤولياته واذا اخفقت الحكومة فأنها تحاسب حسابا عسيرا وتسحب منها الثقة وتبدء انتخابات مبكرة. اما في العراقراطية فانه لاتوجد معارضه لتقيم وتراقب بال يوجد وزراء يكرهون بعضهم البعض ويسعى بعضهم الى افشال الاخرلأنهم لايريدون ان يتم تحقيق شيء في عهد ((فلان)) خوفا من ان يزيد النجاح من رصيده الانتخابي. لهذا اننا لانرى اي نجاح يذكر. اذا سعى رئيس الحكومة او أحد وزرائها في مشروع ما, اتهمه اعضاء الكتل الاخرى و وزرائها بالفساد والفشل والحقيقة انهم كلهم فاشلون  ويتربصون ببعضهم الدوائر ليسقطوا بعضهم البعض مهنيا و خُلقيا. الكل يصرخ بان الحكومة فاسدة وكلهم مشتركون في تلك الحكومة. وأذى اختلفوا في شيئ اتجهوا الى التراضي تحت عرف التوافقات. سوف نكتفي بهذا القدر من اوجه المقارنة لكي لايطول المقال.
 ومن هنا تجد ان بلدنا العراق لم يتقدم خطوة ولم يحدث اي تحسن في الخدمات منذ سقوط الطاغية لان القائمين بالامرمشغولين في الكيد لبعضهم البعض والنهب. ومن هنا اصبح لزاما على المواطن ان ينظف نفسه وبلده من هذه الثقافة التي سوف تزيده تخلفا وتعيد عجلت الوطن الى الوراء. اننا متى ما اردنا ان نصبح في مصاف الشعوب التي تقدمت يجب ان يكون لدينا رؤية واضحة لما نريد.
 هل نريد دولة مدنية علمانية ام دولة دينية؟ هل نريد نظام برلماني ام رئاسي؟ هل نريد فدرالية ام كونفدرالية ، مركزية او لامركزية؟ ان بلدنا تتلاطمه الامواج مع غياب الروئيا الواضحة والمستفيد الوحيد هم الفاسدون الجالسون في البرلمان والمنظرون لهم (من معممون وأفندية) والذين يعملون مثل المنشار ((صاعد واكل ونازل واكل)). الذين و متى ما اقترب وقت الانخابات بدئوا يهرجون ويعزفون على شتى الاوتار ليبقوا في اماكنهم ليزدادوا ثراء وسلطة ويبقى المواطن المسكين المضحوك عليه باسم الطائفة والقومية فقيرا يستجدي عطف المسؤول و العضو البرلماني الفاشل في حين يجب ان يكون الامر بالعكس. ومن المثير للزدراء، يقال ان السياسين في لبنان والصومال، حذروا انفسهم من العرقنة ((الاحتذاء بالانموذج العراقي)) في عمليتهم السياسية. واذا الصومال الذي يعيش في القرن السادس قبل الميلاد خائف من انموذجنا للحكم فللقارئ والمواطن الكريم ان يتصور حجم الفشل الذي وصلنا اليه.
ومن هنا تقع المسؤولية الكاملة على المواطن الذي ينتخب هؤلاء المهرجين (أصح من نومك ينايم يلي مغطي راسك ورجليك بالشمس). وأذا مافعل مرة اخرى فلا يحق له ان يتذمر من غياب الخدمات لانه وضع اناس غيرمناسبين ليسيروا اموره. ومثل مايكول المثل (( ال مايعرف تدابيره، حنطة تاكل شعيرة)) “أذا صح التعبير، حبيبي”