الوقت هو الساعة السابعة ألا ربع صباحا ، المكان أشارة المرور (ترفك لايت) البياع / حيث تجمع خط سيارات الكيا ( خط بياع / الباب الشرقي ، خط بياع/ باب المعظم) ، المكان مزدحم كالعادة ، فوضى وصياح وطلاب وموظفين وكسبة وناس من كل أطياف الشعب العراقي وكلمن رايح على دربه وشغله كبار زغار شباب نسوان بنات ، خبصةوهوسة والملاحظ الكل مستعجلين ما أدري ليش؟ ، يعني المواطن الياباني اللي معروفين بتقديسهم للوقت مو مثل العراقي هلكد مستعجل ومخبوص!، واللي يزيد الخبصة والهوسة طبعا هم رجال المرور! ، فهم لا يحرصون على تنظيم وقوف سيارات الكيا وتنظيمالسير بقدر ما يعتبرون هذا التجمع وهذه الخطوط ، وهذه الفوضىوالخبصة هي رزقهم الذي يعتاشون عليه يوميا!0 المهم ركبنا سيارة الكيا ( خط البياع/ باب المعظم) ، وما أن تحركت السيارة بدأ السائق بتشغيل (القرآن وبصوت عال) ، وسط كل هذه الفوضى وضوضاء الشارع وهورنات السواقين وزعيقهم وتعليقاتهم ومزاحهم الثقيل غير المؤدب وشتائم بعضهم على بعض غير آبهين بجرح وخدش وجدان الناس وأحترام شعورهم ، بكل ما يخرج من ألسنتهم من بذاءة الكلامومعروفة للجميع أخلاقية غالبية السواقين! 0 ولا بد أن نذكر ونؤكد هنا ، على أن لقطة تشغيل القرآن من قبل السائق لا تنم عن تقواه وخشوعه أو من أحترام أو محبة في سماع القرآن! ، بل لأن هذه اللقطةأصبحت عادة لدى الكثير من السواقين ، ليست لها أية علاقة بالأيمانأو بالأخلاق أو بالخوف من الله بقدر ما هي نوع من الرياء والنفاق الواضح ! ، وأيضا أؤكد ماصار معروفا للجميع وأقول ذلك بألم شديد يعصر القلب ، أنه في عراق اليوم وتحديدا بعد الغزو الأمريكي والبريطاني الغاشم للعراق ، الذي عمل وبمنهجية مدروسة على تدمير البنية الأخلاقية للأنسان العراقي ، لم يعد الأستهتار وقلة الأدب وقلة الذوق عيبا ، بل أصبح قوة ومهابة للشخص! ، فالعيب والحياء أصبح من ذكريات الماضي الجميل! 0 نعود لنكمل طريقنا مع سائق الكيا ، فما أن وصلنا الى منطقة علاوي الحلة المعروفة بزحامها الشديد وعقدتها المرورية ، وأذا بالسائق يبدل سي دي القرآن بسي دي القراءة الحسينية (اللطمية)! ولا أدري ما مناسبة ذلك؟ ، ومن الطبيعي أن أجواء القرآن واللطمية وبهذا الصوت العالي ويه هذه الفوضى والأزعاجات وبلا أية أنصات للقرآن ولا للقراءة الحسينية ، المهم أكو سي دي قرآن أو لطمية ولازم نسمع!؟ ، زادت من حالة الكآبة التي يعيشها المواطن العراقي أصلا! ، بسبب ما يعانيه من وضع نفسي ومزاج سيء من كثرة الأزمات والمشاكل والأخبار المزعجة والمدمرة لفكره وعقله حيث لعب الأعلام والفضائيات دورا كبيرا في ( خبالوهستيريا العراقيين!!) ، تلك الأزمات والمشاكل التي تحيط به أينما ولى وجهه ، وبعد أن أصابه اليأس من أيجاد حل لها ، لا من قبلهشخصيا ولا من قبل الدولة ، فالكثير من العراقيين يعيشون بدوامة من البؤس والشقاء والمعاناة والخوف منذ أكثر من 40 عاما ولحد الان ،فالمواطن العراقي تراه ، بائس يائس فاقد الثقة بكل شيء حوله ، لا أمل لديه في حياة أفضل ينتظرها لا في يومها ولا في غدها ،المضحك المبكي في مصيبة العراقيين واللي زيد قهرهم! هو ( من شافوا قطر بعد أن أستضافة كأس العالم ، الذي كان على أعلى مستوى من الجمال والروعة والأنبهار ، خلتهم يسبون ويشتمون بكل الحكومات والأحزاب التي قادت العراق من بعد 2003 ويكفرون بالسياسة وبالسياسيين !) ، وفي الحقيقة أن قطر بأنجازها الكبير والعظيم بأستضافة كأس العالم وما حققته من نجاح سيبقى في ذاكرة العالم لعشرات السنين ، كأنها (عرت وخزت)! ، الكثير منالزعامات العربية ، أمام شعوبهم بعد أن بينت وأوضحت للعالم أجمع ،كيف يكون العمل من أجل الوطن ومن أجل الشعب وكيف تكون الوطنية الحقيقية والصادقة!0 نعود لنكمل مشوارنا مع سائق الكيا ،ساد الوجوم والضجر جميع الركاب ووياها تسمع اللدردم ! بعد تشغيل سي دي (اللطمية) ، وكأننا شعرنا بأننا ذاهبين لحظور عزاء أو عائدين من دفنة ميت! ، وفاتني أن أذكر هنا أنه وبنص هاية الهوسة كان هناك نقاش حاد بين أثنين من الركاب عن الأوضاع السياسية والأقتصادية بالبلاد! ، وتحديدا موضوع الدولار وأسباب أرتفاعه وهل سيعود الى سعره القديم ، ووصل بيهم النقاش الى الحرب الروسية الأوكرانية، وتعال وأسمع هالخريط! ، وما أدري ليش العراقيين من يحجون ألا بصوت عال تحس هسه راح يتعاركون منعرف نحجي بهدوء أبد!!؟0 وبنص هايه الأجواء أنتابني شيء من الفضول ولا أدري لماذا؟ ، فأنتبهت للسائق الذي يصر أن يتلاعب بأعصابنا وبوضعنا النفسي حسب مزاجه! ، فلم أجد في وجهه أية سحنة من الأيمان والخير والطيبة ! ( كان حاف وجهه ولحيته حف رهيب ، وخاصة حواجبه صايرات خيط! ، البنية متسويها وشعره يلمع من كثرة الجل اللي مخلي)! ، وكان يلتفت يمنه ويسرة ، ولا تفوته شاردة ولا واردة ألا وعلق عليها بكلام غير مؤدب وخاصة أذا صادف عبور فتاة! من أمام السيارة ، المصيبة أنه كان يشارك معه سائق آخر في التعليق! عند التوقف في الأزدحامات ، وكل ذلك يجري ( والسي دي، مال اللطمية) لا زال ينعر بصوت عال حتى أن السائق لا يسمع صوت من يطلب النزول من الركاب ألا بعد أكثر من مرتين أو ثلاث! 0 أقول حاشا لله فأننا لسنا ضد سماع القرآن ولا ضد سماع القراءات الحسينية المؤلمة ، ولكن هل نحن مجبرون أن نسمع ذلك صباحا بعد أن فرضه هذاالسائق علينا بلا ذوق وبلا أدب ؟، يبدو أن تلك الأجواء بكل تفاصيلهاأصبحت عادة وتعليقة لدى الكثيرين ، لمسايرة واقع الحياة العراقية بكل صورها وأشكالها بعد أن لبس الكثير من العراقيين ومنهم هذا السائق ، ثوب الدين بكل زيف وخداع ورياء!0 أخيرا نقول : أن من يريد سماع القرآن أو القراءات الحسينية عليه أن يسمع ذلك في البيت ووسط أجواء هادئة نقية صافية فيها شيء من الأيمان الحقيقي والصادق وفيها الكثير من الأجر والثواب حتى يعي ويفقه ما يسمع أحتراما للقرآن والقراءات الحسينية أولا ولنفسه ثانية بعيدا عن أجواء الكذب والرياء أمام الناس0 قال الله في محكم كتابه ( أذا قريء القرآن فأنصتوا له) وبالتالي نقول لهذا وأمثاله ، كفانا ركوب هذه الموجة الدينية الكاذبة التي لم نجن منها غير الخراب والدمار والفرقةوأنتشار الفساد ، (فأن أساس الدين هو الأخلاق) 0 ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم0