19 ديسمبر، 2024 12:42 ص

في الشمعة السادسة والعشرين ….

في الشمعة السادسة والعشرين ….

الشاعر مصطفى عبد الله و قصيدة (الحصان )
في مثل هذا اليوم ، أختطف الغراب ، في المغرب العربي ،شاعرنا البصري العراقي مصطفى عبدالله / 1/ 11/ 1989..بعيدا عن عائلته البصرية وعن أفياء ابي الخصيب التي زادت رقته طراوة وأنبجست في قصائده الأنيقة ، هو مصطفى الأجنبي الجميل الذي تحيّر بين قميصه والظلام الخفيف ، وهو الذي تعثر بالحاضرين وقام إلى المائدة على قدم واحدة ، وهو مصطفى الذي رتّب له وطناً من
علبة للسكائر وهو مَن تعلم أن ينتظر ويصنع له وطنا في جواز السفر ..وهو من يستعيد جلاّب الخصيب ليلوذ بشجرته (أم العصافير).. بتويعاتها المائية :
*ماءٌ للعطش
*ماءٌ للوضوء
*ماءٌ للبكاء
وهو مصطفى الذي يعرف من مصر البطولة (متولي عطية لحمل السلاح بعد انتهاء القتال ) ومصطفى يعرف جيدا ،السادة الثلاثة (سيدي الصمت) (سيدي الخوف ) (سيدي الزمان ) وهو الذي يعرف : السُكّر عند الخبّاز والماء في ضرع البقرة ويعرف جيدا : الخضرة في ثوب العيد والحسرة ُ في الشجرة ..وذات يوم حَلِم َ الشاعر مصطفى وأخبرنا (أحلم أن أبي طاسة بلور يكسرها شبح أسود.) ثم راح يسألنا ..(كيف ستشرب أّمي الماء…؟)..وهويقول لنا دائما : عندما يفكّر الأبطال بالمستقبل ،بينما ينشغل العشاق بالماضي ، فإنهم جميعا يفكرون بشيء مشترك ،هو
الجانب الجميل في الحياة ،وهم معا يحتجّون على الهواء الفاسد والعتمة المتفشية , وحين نسأله من أنت يامصطفى عبدالله حسين ؟ ينفث ضجره ودخان سيكارته ..ثم بهدوء نسيم الفجر وهو يمشط فارعات اليوكالبتوس على كورنيش شط العرب.. .يقول :
(أنا الرجل العادي
المعروف مثل كل الجرائم
افكّر بالاشياء التي تليق بي
ليس بين يديّ غير الرغيف الذي اشتهيته هذا الصباح
لكنهم، هؤلاء المجهولين ، أمسكوني بأسنانهم
حتى سقط الرغيف ، تاركا بصماتي مفتوحة ً عليه
كرأس فوق مقصلة )…
ونقترض من مصطفى ونخاطب تلك السنوات الخازوق :
(أيها الرجل
ماذا بقي منك حتى تعترض
وهواؤك الذي جمعته في فمك
كل هذه السنوات
حوّلك إلى فقاعة على رأس خنجر
أو اسم على طرف اللسان )
وهو مصطفى الذي يرثي أقرب الناس إليه صائحا :
(ياعبدالله بن الملا حسين
لاتخلع نعليك َ، فأنت أتيت َ إلى الدنيا
محمولا فوق َ يديك )
………………………
هاهو الشاعر مصطفى عبد الله يوقد من قصائده وعطر حضوره الأجمل
الشمعات العشر الأولى
الشمعات العشر الثانية
و الشمعات الست على الشاطئين
(*)
للحصان مكانة واسعة في القص والقصيدة العراقية ، وأرى هذا الكائن النصي له علاقة نصية وثيقة بحصان تيشخوف في قصة (الشقاء)… والحصان في قصيدة مصطفى يتوزع بين زمنين :
الأمس / الآن
بالنسبة إلى زمن الآن ،يتجسد في الأسطر التالية
(فالحصان
وقعت عنقه واستكان )
(فالزجاج تكسّر
مَن ينحني
كي يلم الحصان )
وهنا التساؤل هل الحصان تحفة زجاجية ؟
هل الحصان هنا إستعارة عن شيء آخر؟
تبدأ القصيدة بالسطر التالي
(أيها الأمس
كن طيبا)!! والتساؤل هنا كيف يمكن ان نوجه خطابنا الى زمن آفل؟ ونطالبه بالطيبة !! لايمكن ان يكون ذلك إلاّ حين يعني الماضي كذاكرة وفيّة ، التي تخلى عنها المتكلم بمؤثرية الزمان
(أتاني زماني وحرّضني
فشطبت ُ على أمسنا
ومحوت ُ الزمان القديم ../38)
وبسبب هذا التخلي عن (أمسنا) سيخذله الزمان نفسه :
(ولكنه قبل أن ألتفت
بصنّي
وأخرجني من لساني
وكبلني بأكف الجنود ../ 38) ..
وهناك الزمان الرتيب الثابت والمتحرك في ثبوتيته بقوة البشري :
(اليوم يتكرر مثل دفّتين على باب / 73- الشراع – )
وهناك دورة عكسية للزمان ،تستفز الحساسية المرهفة لدى الذات الشاعرة
(لاشيء أورثني هذا العداء
مثل اليوم الذي يبدأ من آخره
وتجره الأشجار إلى خضرتها مثل عربة / 80 – المرأة والرجل )
وهناك نصف يوم يضطر الشاعر إلى عدم الكشف عنه
(أخفيت ُ نهاري في المقهى /177- غرفة خارج الوطن )
وهناك زمن محدد الإقامة ،له حركات سجين في زنزانة :
(ليل نهار
وطني في الغرفة يجري
أتركه يعرَق فوق فراشي
ليل نهار
مثل النهر../ 178- غرفة خارج الوطن )
وثمة حركة ذاتية برانية خارقة لحركية الزمان
(أنا الطالع مثل رمح إلى حلبة الليل والنهار / 63- أغنية الخط المستقيم )
نعود إلى قصيدة (الحصان ) سنلاحظ أن..الطيبة مشروطة بضعف عضوي
(فالحصان
وقعت عنقه واستكان )..
وهناك مايشبه الحصان في قوته
(والريح مثل الحصان
دخلت غرفة النوم
وأخذت تصهل هناك فوق المخدة / 73 – الشراع )
ضعف الحصان يتفاعل بتضاد اتصالي مع قوة طبيعية تمثله الشمس ..
(كانت الشمس
تضرب في الطين
والعين
والرمل في الطين
والعين
والرمل فوق اللسان )
هذا المقطع يشتغل على صورة شعرية محتدمة متشابكة العناصر
ولتوضيح الاحتدام سنعمل الى هذه الخطاطة :
*الشمس ————— الطين +العين
*الرمل —————– الطين +العين +اللسان
فعل الشمس فعل عنيف : تضرب
الرمل إنوجاده قار في الطين والعين ..إذن الشمس كانت تضرب الرمل من خلال ضربها للطين ،يبقى الجزء غير المضروب من الرمل هو : الذي فوق اللسان وهذا الرمل الفوق..اللسان سيفعّل عنفا مع الكائن ..مفردة ( الأمس) في المقطع الثاني، ستنتقل من كمونها في المقطع الاول الى برانيتها في المقطع التالي :
(منذ زمان
كانت الأرض لاتنتهي
تحت رجل الحصان
كانت الريح لاتهتدي
لصهيل الحصان
كان ظل الحصان على الرمل
سقفا لأهل المكان )
في هذا المقطع،نكون في الزمن الخاص بقوة الحصان، من خلال قوته التسخيرية لقوى الغير،والغير هنا هي الأشياء التي كانت تأتيه، بفعل قوته الحصانية :
*الأرض..
*الريح
*الظل / السقف
والظل هناك ليس ذاك المنافق كما في أحدى قصائد الشاعر.. فالظل يعني حضورية الحصان في المكان، هنا نكون أمام اعذب صورة شعرية مركبة فالحصان بشموغه لانرى منه سوى ظله الواسع / المرتفع كسقف : (ظل الحصان سقف المكان )!!..ان الاحالة التكرارية لمفردة :(الرمل) أغنت المفردة دلاليا وهيأت لي كقارىء فاعلية تأويلية حين أنسب الرمل الى الصحراء العربية،وأنسب الحصان الى فتوحات الإسلام ،ويمكن ان تحيلني شبه الجملة من المضاف والمضاف إليه ( سقف المكان ) الى الفيء كمفردة تتشققت من حوافر سيوف الفتح الاسلامي..، حين أربطها ب( ظل الحصان )
(*)
الحصان
ايها الأمس
كن طيبا ،فالحصان
وقعت عنقه واستكان
كانت الشمس
تضرب في الطين
والعين
والرمل في الطين
والعين
والرمل فوق اللسان .
* * *
منذ زمان
كانت الأرض لا تنتهي
تحت رجل الحصان
كانت الريح لا تهتدي
لصهيل الحصان
كان ظل الحصان على الرمل
سقفا لاهل المكان
* * *
ايها الامس
كن طيبا ،فالزوج تكسر
من ينحني
كي يلم الحصان…؟./ ص35
*مصطفى عبدالله / الأجنبي الجميل / دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد /