ننشر روايته عن عذاباته في سجون النظام البائد وشهادته عن وطنيةوانسانية عبد الرحمن البزاز
الكلمات التي ترد في هذه المقالة لا تتعلق بتاريخ عاشه كاتب المقالة ، وإنما هي من مذكرات المرحوم الصحفيوالسياسي المخضرم خضر آل يوسف ألعبيدي ، وهو من الشخصيات العراقية التي عاصرت الحكم الجمهوري وتبوأ مناصب سياسية وإعلامية مهمة وحسب على الاتحاد الاشتراكي العربي ومن الناصريين وهم أنصار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولم تشوب مسيرته شائبة ، بل انه اعتقل ظلما وعدوانا ، وفي روايته الواقعية ستتعرفون عليه أكثر وفيها العديد من الحقائق التي من الممكن الاستدلال من خلالها على بعض أحداث المرحلة السياسية في ستينيات القرن الماضي وما يمكن الاستفادة من تجاربها ، فهناك مشكلات وأزمات ومواقف تبدو وكأنها موروثة أو مزمنة من الحقب الماضية وتتناقل عدواها جيلا بعد جيل ، نتمنى لكم متعة القراءة لما سيرد لأنها تمت صياغتها بتعابير وطنية ومهنية بعيدة كل البعد عن الغايات الشخصية ، ولان المقالة قد قمنا بصياغتها بلغة المتحدث فان ( المتحدث ) هنا هو صاحب القضية والأحداث الصحفي خضر آل يوسف ألعبيدي الذي تمر ذكرى رحيله السنوية هذه الأيام :
لم أكن يوما أفكر بأنني سألتقي بالراحل الدكتور عبدالرحمن البزاز في زنزانته لكنه وكما يبدو كأنه توقيت قدريأملاه علينا ظرف صعب في حقبة مريرة للأسف الشديد ،ليجعلنا نلتقي بعد أحداث عصفت بنا جميعاً في منعطفيلفه الغموض وتتحكم به الظروف القاهرة ، ولكي ألوحلموضوعنا مباشرة فلابد من أن أوضح بأنني كنت علىصلة جيدة بالراحل البزاز بحكم صلتي بالمغفور له الرئيسالسابق عبد الرحمن محمد عارف لاسيما بعد تسنمه الحكمعلى أثر وفاة شقيقه المرحوم عبد السلام عارف في حادثةالمروحية ودعوته للرموز الوطنية والقومية المعروفةبأصالتها ومواقفها النضالية وإخلاصها للوطن والشعبالعراقي العظيم لتبادل الرأي ، وكنت واحدا من مائة منالرموز المنتقاة الذين أوكل إليهم مهمة وضع خطوطهألأساسية لتطوير الحكم وتحديث مفاهيم برامجه وتنظيراتهوخطوطه البيانية وملامحه الديمقراطية والتي من ولولياتهاإقامة تنظيم شعبي يؤسس للخطوة الأولى من اجل اعتمادالتعددية والانتخابات والحياة البرلمانية وإطلاق الحرياتالعامة وفتح الحوارات الجادة مع كافة الأطراف الوطنيةللانضمام إلى العملية السياسية وإشاعة هامش من الثقةخطوة خطوة من اجل لململة الصفوف الوطنية والانتقال إلىحالة ممارسة الحريات العامة والتي تتيح للجميع فرصمتساوية ضمن عمل وطني كبير يتم الانتقال إليه بشكلتدريجي وعن طريق الحوارات الوطنية الموسعة المبنية علىالنيات الصادقة والإخلاص للشعب والوطن ، ولكن الحركةالانقلابية التي قام بها عميد الجو عارف عبد الرزاق أبطأتالخطوة بعض الشيء إلى أن تمكن الرئيس عارف حواليالساعة التاسعة مساءً من إعلان بشرى القضاء على ( المؤامرة ) واعتقال قائدها في الموصل مع أربعة منالانقلابيين ، وفي حينها اصدر كل من عبد الرحمن عارفوالدكتور عبد الرحمن البزاز بيانيين أعلنا فيهما انتهاءحركة التمرد والقضاء عليها وعلى رأسهم عارف عبد الرزاقوحثاً فيهما الشعب على التواصل بشكل حثيث لرصالصفوف الوطنية .
كما أعلن الرئيس عارف القبض على بقية الانقلابيين وفيمقدمتهم يونس محضر باش وعارف عبد الرزاق من قبلالعقيد عبد الكريم فيصل معاون قائد الفرقة الرابعة بأوامرعبد الرحمن عارف وحينها بدأت البرقيات تنهال علىالرئيس عارف ، فيما أعلن راديو بغداد بيانا بإسم رئيسالوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز بمنع التجول في بغدادوضواحيها ، وكان عارف عبد الرزاق قد قام قبل ذلك بحركةانقلابية ضد المشير عبد السلام عارف وتم القبض عليهأيضا وبعد وفاة عبد السلام بادر عبد الرحمن عارف بإطلاقسراح الضباط الصغار وأصدر عفواً عن الآخرين ، يذكر إنعبد الرحمن عارف قد تعرض إلى محاولة اغتيال محكمة منقبل جنود يلبسون الملابس العسكرية تظاهروا بالولاء له ثمأطلقوا النار عليه في محطة إذاعة بغداد أثناء توجهه لإذاعةبيان القضاء على المحاولة الانقلابية ، وأكد البزاز حينها إنالشعب والجيش لم يستجيبوا للانقلابين وان المحلولةأحبطت وان المتآمرين لم يقوموا بالمحاولة كما زعموا مناجل العراق بل من اجل أنانيتهم ومصالحهم لذلك وصفتاللقاء المفاجئ مع الدكتور البزاز بأنه قدري ومفاجئ بعد أنعشنا جميعا الكثير من الأحداث الصاخبة ومررنا بظروفقاسية محرجة.
التغيير الجديد أسهم فيه الأكراد
وعلى أثر ما حدث وبعد القضاء على المحاولة الانقلابيةأجرى كما قلت سابقاً الرئيس عبد الرحمن عارف اتصالاتواسعة النطاق بالشخصيات الوطنية من اجل إعادة رسمالمستقبل العراقي والقيام بحركة تغيير أساسية تم فيهاقبول استقالة الدكتور عبد الرحمن البزاز من منصبهوتشكيل حكومة جديدة وضعت على عاتقها بناء صروحجديدة للدولة وإقامة تنظيم شعبي جديد ، وقد حضرتالاجتماع التحضيري لتشكيل هذا التنظيم شخصيات كرديةمرموقة من بينها” السيد جلال الطالباني” الذي حضربصحبة السيد غربي الحاج احمد والدكتور عبد الرزاقمحي الدين وطاهر يحيى وشهد عملية انتخاب اللجنةالعليا للتنظيم الذي أطلق عليه اسم “الاتحاد الاشتراكي” والذي كنت احد أعضائه وخلال عملية توزيع المهام الرئيسيةأسندت لي مهمة الإشراف على الإعلام وعلى برامج الإذاعةوالتلفزيون و الإشراف على جريدة” الثورة العربية” الناطقة بإسم التنظيم كما تمت الموافقة على استحداثبرنامج تلفزيوني باسم ” حوار مفتوح” ، حيث توليت مهمةإعداد حلقاته وتقديمها بأسلوب عصري جديد ، وقد لاقىالبرنامج ترحيبا واسعا من قبل المواطنين لجرأته وصراحتهومعالجته الجدية ، وقد أبدى الرئيس عبد الرحمن عارفرغبته في زيارة كردستان والالتقاء بعدد من قادة الحركةالكردية حيث لاقت زيارته ترحيباً واسعا واصداءا كبيرةحينما أعلن عن إصراره على الانفتاح التام مع الإخوة الكردوالتجاذب معهم والتعاون في كافة المجالات مواصلاً بذلك مابدأه الدكتور البزاز ومجدداً العهد بأن يستمر هذا النهجبشكل متواصل حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية الملحةوالهامة.
عودة إلى الدكتور البزاز
وفي الليلتين الأوليتين التي قضيتها في الزنزانة رقم ( 1 ) في قصر النهاية ، أوضح لي الدكتور البزاز كل خطواتهالوطنية وشرح الصعوبات التي لاقته وأكد بان هناك مناتهمه بأنه فرط بحقوق العراق والعراقيين من خلال توقيعهوثيقة الحقوق الكردية وقالوا له انك تسرعت بالاتفاق مع الملاالذي كان سيموت وتحل المشكلة من دون التزامات وأكد ليبأن المشكلة الكردية كانت أهم مشكلة في التاريخ العراقي بلوأقدم مشكلة ظلت من دون حل لذلك صمم على حلهاوإنصاف الأكراد الذين هم شركاء الوطن والذين تتهمالدعايات بأنهم انفصاليون وأصحاب نزعة شوفونيةويريدون تأسيس دولة ، وأكد بأن الملا كان يحمل نفساًعراقية لذلك لم يؤيد الانفصال ولا يريد إلا الحقوق القوميةوالإنصاف ولذلك أنصفت الأكراد وكانت حركة عارف عبدالرزاق هي الرد على إعطاء الأكراد حقوقهم رغم أنهم أعلنوافي بيان لهم إنهم سيلتزمون بالبرنامج الذي أعلنهوبسياسة الحكومة ، وأكد البزاز انه حينما أعطى الأكرادحقوقهم كان أكراد إيران وتركيا وسوريا يحسدون أكرادالعراق وأكد بان التعدد القومي لا يستدرجنا إلى تقسيمالعراق ونحن لن نسمح بذلك لأننا كنا نعلم أن الأكراد طيبونوبسطاء وليس لديهم طموح انفصالي ، وأكد بأن كل مافعلناه إننا ساوينا ما بين الجميع في ظل وطن واحد ودولةواحدة مشتركة ، كما أكد بأنه كان قد شرع فعلاً بإعادةالحياة المدنية في أنحاء العراق وفرض سيادة القانون وشرعالدستور الدائم الذي يشكل اكبر ضمانة للأكراد لتأمينمستقبلهم الزاهر ولكي يعيشوا حياة طبيعية مع أخوانهمالآخرين من القوميات الأخرى ، كما انه عمل على تجريدالمقاتلين كافة من السلاح وان يصبح الجميع أخوة متحابينفي وطن يتسع للجميع كما شرع بأعمار كافة المصايفالشمالية واصدر العفو العام وخصص ميزانية لكردستان .
كان من المعجبين ببرنامجي التلفزيوني
وأكد الدكتور البزاز بأنه كان معجباً ببرنامجي التلفزيوني” حوار مفتوح” الذي كان بنفس ديمقراطي وكذلك بما كانتتكتبه جريدة الثورة العربية من المواضيع الهادفة التيتهدف إلى التواصل في النهج الديمقراطي الأصيل ، وهناسألني عن التهمة الموجهة لي التي أتت بي إلى هذا المكانفأخبرته لم اعرف لحد الآن لماذا أنا هنا بعد أن أخبرنويبأنني سأكون ضمن وفد صحفي يسافر إلى الاتحادالسوفيتي ووجدت نفسي في هذه الزنزانة ، وفي ذات الليلةالتي بقينا فيها إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليلتتبادل الأحاديث وفجأة فتحت باب الزنزانة الساعة الثانيةصباحا ودخل إليها ثلاثة من الحراس طلبوا مني النهوضبصمت حيث اصطحبوني إلى ” القصر الثاني” الذييشرف عليه “مدير الأمن” المعروف بـ( أبو حرب) وأسمه ( ناظم كزار ) والذي بيني وبينه ذيول مشكلة عابرة منذ أن كنافي الثانوية ندرس للتحضير للامتحانات في الحدائقالعامة وكنا خلال الفسح نلعب ” كرة القدم” فشاءت الصدفأن يسدد أحد زملائي الكرة فارتطمت ” بناظم كزار” الذيراح يوجه لنا الشتائم البذيئة وحينما حاولت الاعتذار منهبالنيابة عن زميلي الذي لم يكن يقصده وجه لي لكمة لكننيتحاشيتها ووجهت إليه لكمة مقابلة إلى انفه الذي بدأبالنزف الشديد فأصطحبه الزملاء إلى مستشفى الطوارئفي شارع الشيخ عمر الذي كان قريب من المكان الذي ندرسفيه وعالجوه وانتهى الأمر ، وبعد أن أصبح ناظم كزارمديراً للأمن زار بيت شقيقته في منطقة أسكان غربي بغدادوالمقابل لبيت والدي فشاهدني اخرج من البيت ، وفي اليومالثاني تم القبض علي في شارع 14 رمضان المنطقة المقابلةلثانوية الصناعة في الوشاش من قبل عناصر تستقلسيارتين نوع مرسيدس سوداء ، فسألوني أنت فلان الفلانيقلت لهم نعم ، قالوا لقد ذهبنا إلى بيتك فأخبرونا بأنكخرجت باتجاه ثانوية الصناعة فلحقنا بك من أجل أمرمستعجل ، قلت لهم ما هو الأمر المستعجل ؟ قالوا لقد تماختيارك ضمن وفد صحفي إلى الاتحاد السوفيتي فجئنانأخذك من أجل التنسيق مع المسؤولين عن السفرة ثم نقودكلبيتك لتتدبر تحضير حقيبة للسفر بشكل سريع ثم فتحوالي الباب الخلفية وبعد مسافة قصيرة وعند وصولنا إلىشارع المطار الخلفي توقفوا وفتحوا صندوق السيارةالخلفي ورموني فيه وها أنا بينكم ضيفا وهنا اطرقالدكتور البزاز رأسه مليا وقال ” الله الستار“
متهم بالتآمر على الثورة
وحينما وصلنا إلى ” القصر الثاني” أوقفني الحرس أمامقاعة ودخلوا ثم أدخلوني إلى القاعة ففوجئت بعشرات ( البلوجكترات ) شديدة الضياء والوهج موجهة باتجاهيبحيث لم أتمكن من رؤية احد أمامي وهنا سألني احدالأشخاص أنت فلان قلت له نعم ، قال لي هل لازلت تلعب كرةالقدم ؟ تعجبت لهذا السؤال وقلت كلا ، وسكت وهنااستذكرت ببديهية سريعة قضية “ناظم كزار” وعرفت عندهابأنني سوف لن اخرج من القاعة سليما ، قال محدثي هلتعرف شيء عن ” التنظيم الشعبي” قلت له أي تنظيم قاللي : الذي تزعمته و تتولى فيه إدارة الاجتماعات السريةقلت له لا اعرف عم تتحدث..؟ فأجابني على الفور ، أصحابكفي التنظيم ضيوف لدينا واخذ يردد بعض الأسماء ثم قالما رأيك هل تريد أن نجلبهم لكي يعترفوا عليك؟ قلت له هؤلاءزملاء وأصدقاء لي وليس لدينا أي تنظيم؟ قال و ما هيعلاقتك بجمال عبد الناصر؟ قلت له: ليس لي علاقة بالرجلقال.. انك رأس التآمر ضد الحكم وتقول لا علاقة لي .. ثم أمرحراسه بطرحي على الأرض فطرحوني أرضاً وربطوا أقداميويداي وشرعوا يضربونني بكيبلات محشوة بالأسلاك علىأقدامي ثم يبتعدون عني ، وناظم كزار يكرر علي سؤاله مرةو مرتين إلى أن أدموها ففقدت الوعي ، على وجهي وبعد أنأفقت بدأ يوجه لي أسئلة مشابهة وهم يضربوني أكثر فأكثرإلى أن فقدت وعي تماماً ، ووجدت نفسي أرمى في الزنزانةرقم ( 1 ) ببطانية ثم أقفلوا الزنزانة بعد أن تركوني في جثةهامدة ، فأسرع الدكتور عبد الرحمن البزاز والنزلاء الآخرونفي الزنزانة ( إسماعيل شاهين) الملقب ” أبو معتز” وهوتاجر من أهالي الموصل ، والمدعو( قادر عبد الله) وهو مواطنكردي من أهالي ” قلعة دزه” وبدأوا يجسون نبضي للتأكدمن وجود نبض عندي أم لا وعندها سارع الدكتور البزاز ومنمعه لإعداد فراش لي وتغطيتي بالبطانيات للحفاظ علىحرارة جسمي ، وعندما حاول( قادر عبد الله) أن يسقينيبعض الماء منعه الدكتور البزاز وأكد له مخاطبا إن ذلكسيقتله وبدأ بتبليل قطعة قماش صغيرة بالماء واخذ يرطببها شفتي وأنا اصرخ من شدة الألم ومن الحرارة التي كانتتخرج من أقدامي إلى أن أشرقت الشمس وجاء الحراسالذين فوجئوا بحسب زعمهم ، ثم بدأ الموقوفون في معتقل ( المشتل ) يتقاطرون على الزنزانة في فترة خروجهم إلىالمغاسل ومنهم ( إبراهيم فيصل الأنصاري ومدحت الحاجسري وعبد الرحيم الفيلي وإبراهيم الزويني والشيخخريبط أبو ريشة وفوزي ألجميلي وثابت الالوسي واحمدأبو الجبن ) وآخرون لم أعرفهم ممن تعاطفوا معي وحزنوا لماألم بي وحينما زار الزنزانة احد ضباط الموقف سألني عمنعذبني وآذاني فأجبته بأنني لا اعرف وسألته هل أنت تعرفه؟ وعندها طلب منه الدكتور البزاز سرعة معالجتي وإلا فأنالخطورة قد تؤدي إلى الوفاة فلم يستجيب لا هو ولا غيره ،وهنا كتب الدكتور البزاز قائمة طلبات من عائلته تشملأدوية وعصائر وفواكه وأرسلها بيد المراسل المخصص لهحيث كانوا يسمحوا له بطلب كل ما يريده من الأدويةوالطعام بصفته ” رئيس وزراء سابق” ووصلت الطلبيةبنفس اليوم و المواد المطلوبة فبادر الدكتور البزاز بزرقيببعض الإبر وأعطاني بعض المضادات الحيوية كما بدأبإطعامي لمدة تقارب الشهر قبل أن نفترق حيث تم نقلنا منموقف” المشتل” إلى موقف “الحديقة” بعد أن امتلأتمواقف” القصر الأول” و “القصر الثاني” بالمعتقلين الأكرادالذين ضجت بهم الزنزانات ، وخلال ذلك بدأ المسئول عنالقصر الأول بتفتيش الموقف الذي نقلنا إليه وتوجيهالأسئلة للموقوفين عن أحوالهم وعندما اطلعوا على حالتيوورم أقدامي وسيقاني وعدم تمكن من الوقوف أو المشيأمروا بنقلي إلى مستشفى اليرموك لإجراء عملية إخراجالدماء الفاسدة لكي لا أصاب بالكنكري فاصطحبنيحراس” القصر الأول” إلى مستشفى الكرامة التي امتنعالأطباء عن معالجتي خوفا من ” وفاتي” ولكن الضابطالمسؤول أقنعهم بأجراء عملية سحب الدم الفساد والقيحعلى مسؤوليته الخاصة ، فأحضروا ” تنكة” كبيرةووضعوها أسفل قدماي وبدأوا بفتح فتحات في أقداميبمشارط من دون أي مخدر أو بنج وأنا اصرخ من الألم المميتفيما كانت الدماء تخرج من أقدامي وهي تشبه مادة الدبسالمخلوط باللبن ببطء كاد ينهي حياتي ويقتلني ، وبعدهازرقي ببعض المضادات وتضميد الجروح المشروطة نقلونيبكرسي متحرك وبعدها إلى السيارة التي جلبوني بها ثمإلى موقف “الحديقة” الذي زاره صدفة عدد من المسؤولينلتسجيل ملاحظات وأمور الموقوفين فتعرف علي احدهم بعدأن استغرب وصعق بوجودي في الموقف وعندها سألنيعمن جاء بي إلى الموقف فقصصت له قصتي فطلب آمرالموقف ثم قال له بالنص هل تعرف هذا الشخص فأجابهقائلا موقوف ، فقال هذا الشخص أقدم صحفي ومن الساسةالمعروفين فمن جلبه ومن عذبه فأجابه قائلا سيدي أبو حرب ،فأمره بأن يذهب إلى الآمرية ويطلب جلب طبيبان لمعالجتيعلى الفور وان يخرجوني من الزنزانة يوميا للتشمس وانيوفروا لي كافة طلباتي ، وبعد يومين كرر هذا الشخصزيارتي وأكد بأنه أوصل قضيتي إلى الجهات العليا وشرحلهم حالتي المؤسفة فامتعضوا من تصرفات أبو حرب وقررواإطلاق سراحي فورا ولكن بعد شفائي ، وأكد بأنهم بحثوا عنملفي الخاص فلم يعثروا على شيء وان الأمر يبدو وكأنهانتقام محبوك ومدبر ، وبعد معاناة لمدة سنة وشهرينوعذابات وآلام مريرة سمحوا لي بالتحدث إلى عائلتيوالطلب منهم ما أريده ، واخبروني بأنهم سيطلقون سراحيولكنهم يطلبون بأن اخبر عائلتي بأن لا تثير أية شوشرةوان يكون رجوعي إليهم طبيعيا ، وهكذا تم إرجاعي إلىبيتي بعد تكميم فمي لكي اسكت طوعا ، وقبل خروجي منالاعتقال علمت من بعض الموقوفين بأن الدكتور عبد الرحمنالبزاز وجماعته قد أحيلوا إلى المحكمة وتم إصدار الأحكامضدهم لكنني لم أتمكن من معرفة التفاصيل الأخرى بسببعدم وجود مصدر ناقل قريب من الدكتور البزاز ثم علمت بعدخروجي من الاعتقال بسنوات بأنه قد توفي بعد معاناة منالمرض .