22 ديسمبر، 2024 10:18 م

في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر ” علي الشباني ” : كسوف القصيدة

في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر ” علي الشباني ” : كسوف القصيدة

من الصعب على النسيان ، أن يطوي تجربة شعرية ونضالية وانسانية مثل التي كانت عليه تجربة الشاعر الراحل ” علي الشباني ”  ، ذلك انهـا تجربة مضيئة ، حافلة بالعطاء والتضحيات والألم ، فمع تباشيرفجر الشباب وعنفوانه ، وجد الشباني نفسه مبهورا بألق الشعر واشراقة الوعي الوطني اليساري الذي تبلور عنده ، وهذا ما دفعه مبكراً للانتماء بصدق لهذا المشهد الحياتي الشامل :

بچة ابدمي العراق وترس بّي الليل

                    سكت بّيه الضمير ودنڰت وحشه..

وهظيمة الخيل      

ورغم الكتابات التي قيلت في تجربة هذا الشاعر ، الا انها تجربة تبقى تحتمل وتستحق المزيد من الدراسة والاهتمام ، لما فيها من خصوصية فنية وفكرية اشتملت على مقومات ابداعية تمكنت ان تفرض حضورها المميز في الساحة الشعرية في الوقت الذي كانت التجارب الشعرية الكبيرة تقف عائقاً في طريق انتشار العديد من المحاولات الشابة . ولكن قصيدة الشباني استطاعت ان تتخطى هذا التابو وان تنفرد بهويتها الخاصة وتقف بثبات وثقة الى جانب الكبار ، حيث جاءت تجربة حقيقية لاهثة بالصدق والضوء ومجد الوطن ، فقد كتب للانسان وحريته وكان مخلصا لقناعاته فلم يخضع للاغراءات المذلة ولم ينحن يوما الاّ سلطة القلب :

أموتن من تصل بيه المذلة …

                                             وما أصيحن لا

يقول في أحد الحوارات  ( حكموا عليّ بالموت رمياً بالرصاص الأسود ، مازلت أذكر ذلك في قفص المجلس العرفي العراقي الأول عام 1964 ثم أجلوا الحكم لصغر السن .. يالرحمتهم )

فأمام هذا الرعب ، الذي فرضته السلطات الفاشية على الوطنيين التقدميين ، الاعتقال ، التهديد بالموت ، مصادرة الحرية ، في محاولة للنيل من ارادة الشاعر ، الاّ انه واجه هذا بكل عزيمة و صلابة وايمان :

                    يمه والعباس ماينزع ولد عندڇ الغيره

                    يوگف الطاري المراجل بيرغ ابيض

                                            روحه ديره 

سنة مرتّ على رحيل صاحب ملحمة الريادة والابداع ( خسارة ) القصيدة التي عدّها الشاعر الكبير يوسف الصائغ مساراً جديداً ومختلفاً من الانشاءات الشعرية المتواجدة انذاك ، وماتزال ذكراه عطرة في قلوب من عرفوه عن قرب .

سنة مرت ّ على رحيل صاحب ملحمة ( آلة الطابعة ) ، المغامرة الجريئة والشجاعة لصبي لم يتعد السادسة عشر من عمره يسطو على مطبعة المدرسة ويقوم بكتابة وطبع وتوزيع بيانات تندد بفاشية سلطة 1963 ، هي بلا شك بطولة اسطورية تحتاج الى ارادة وطنية عالية ، عامرة بالصدق والايمان الراسخ بقيم الوطنية والتحرر ، وهذا ماكان عليه الراحل ” علي الشباني ” .

سنة مرت ّ على رحيل أصغر سجين سياسي عرفته معتقلات السلطة البعثية في ستينيات القرن الماضي حيث زج بها وهو ابن السادسة عشر من عمره فكان يسخر من جلاديه :

     احنه ويه الحزب مثل العشب والماي

                        ننحر كل جرف من يهدر الطوفان

سنة مرتّ على رحيل صاحب المواقف النبيلة التي جسد فيها اجمل صور الوفاء لأقرانه الشعراء ، على الأقل فيما عرفته عنه وشهدته في اربعينة الشاعر ” لطيف حسين ” عام 1971حين تكفل الشباني ـ وسط ظروف امنية بالغة الخطورة ـ بدعوة كبار الشعراء الى الديوانية من أجل احياء اربعينية صديقه ،  وقرأ في ذلك التأبين قصيدته الجريئة ” تاريخك عشب محروك ” متحدياً رجالات الأمن الذين انتشروا في قاعة الحفل :

                   هذا ورد الڱاع الاحمر….

دم أهلنه الماتوا بكل دهر مهظومين

جبنا الصبح لبيوت القهر …

والنايمه اعله الجوع وتفرهد

 وكذلك ماحدث لأربعينة الشاعر ” طارق ياسين ” عام 1975يوم تنكرت جهات عديدة من تبنيها بينما هو أصر على احيائها والاعداد لها حيث تكفل بدعوة الشعراء والأدباء الى بيت ” طارق ” فكانت بحق تظاهرة ثقافية كبيرة حضرتها اسماء مهمة في الثقافة العراقية . وكان عريف الحفل التأبيني الشاعر والناقد ” عبد الرحمن طهمازي “

اننا عندما نستذكر هذه المواقف الانسانية الكبيرة لهذه القامة الابداعية نأسف ونحزن  لما لحق بها من حيف وانتكاسات بسبب المرض اللعين وخيبات الزمن الرديء  الذي حاول تشويه جمال هذه الفسيفساء ، ولكن من عرف الشباني يجد فيه حق قوله :

وآهيس مامش ابدنياي .. بس الملح والطيبات

والسكته التشب بالليل حنيه

 عيب اتطيح يابيرغ نصب بالروح صارية 

بعد هذا السفر الطويل المكتنز بالعطاء والابداع  للشاعر الراحل ” علي الشباني ” أجد في رحيله كسوف القصيدة وخسارة حقيقية للثقافة عموما ً .