قصتي مع (أغاني الدرويش )
في الثامن من حزيران عام 2001 رحل الشاعر العراقي ” عزيز السماوي ” الذي يعد واحداً من أبرز الشعراء المجددين في بنية القصيدة الشعبية العراقية ومناضلا تميزت سيرته النضالية بالصلابة والعناد المؤسس على اليقين ، وترك لنا إرثاً مفعماً بالخلق والابداع والجمال ، وقد كانت لنا مع الراحل محطات مازالت عالقة في الذاكرة تعكس رقة هذا الشاعر وطيبته ، نتوقف عند جانب منها وفاءاً لذكراه الثالثة عشر .
في عام 1972 شارك الشاعر “عزيز السماوي ” مع نخبة من كبار الشعراء العراقيين والعرب في مهرجان السماوة للشعر الشعبي الذي كان مقررا عقده في الديوانية ولظروف سياسية تم نقله الى مدينة السماوة ، وفي ذلك المهرجان أنشد ” السماوي ” ولأول مرة قصيدته الذائعة الصيت ” أغاني الدرويش ” التي كانت مفاجئة لجمهور الشعر عندما تخلل القاء القصيدة بكاء الشاعر بشكل ملفت للنظر حيث كنت حاضراً تلك اللحظات وشهدت تفاعل الجمهور وتعاطفه مع محنة الشاعر في الرموز التي انطوت عليها قصيدته ، وبعد اشهر قليلة من ذلك الحدث وتحديداً مطلع عام 1973 أصدر الشاعر ديوانه البكر وتوج عنوانه بإسم القصيدة المذكورة ( أغاني الدرويش ) ، وقد كلفني الصديق الشاعر ” السماوي ” بتصريفـــ ( 10) نسخ من الديوان في المدرسة ، حيث كنت حينها طالبا في إعدادية الديوانية ، وفي نفس اليوم انهيت المهمة بنجاح حيث سارعت الى توزيع النسخ على أصدقائي الطلبة واستيفاء اثمانها بسرية تامة اشبه بتوزيع المنشور السري ، لكنني في اليوم الثاني فوجئت برئيس االلجنة الاتحادية ـ واجهة الحزب الحاكم ـ في الاعدادية وعدد من اعضائها يدخل الصف وبيده نسخة من ” اغاني الدرويش ” ، ولسوء حظي فان أحد الطلبة ومن الاصدقاء الذين اقتنوا الديوان قبل ان يعرف الغرض من دخول هذا المسؤول الى الصف ومعه الديوان استعجل وانبرى قائلا( مانحتاج كلنا اشترينا الديوان ) معتقدا انه جاء لبيعه مرة ثانية ، في حين كان هذا ينوي معرفة المصدر الذي سرّب الديوان الى الاعدادية ، وعندما سأله رئيس اللجنة الطلابية عن الشخص الذي باعه الديوان ، أشار ـ بحسن نية طبعا ـ الي ّ ، عندها طلب مني المسؤول مرافقته الى اللجنة وهناك جرى ماجرى وانتهت الجولة بفصلي اسبوع من المدرسة جراء قيامي ببيع ديوان” أغاني الدرويش ” . ولماّ علم الشاعر ” عزيز السماوي ” بما جرى لي أبدى أسفه وتأثره الكبيرين وظل يشعر بالذنب مما لحق بي ومهتما بآثار العقوبة التي طالتني ، وهو ما يعكس انسانيته العالية وشعوره المرهف بالظلم الذي يقع على الاخرين ، لقد جسد “السماوي”في الكثير من أشعاره صدق مشاعره ونقاء سريرته :
روحي الك أصفه نهر .. وبمايه أسيسّ لك شمع
ياريت أعاشركم عمر … حبكم بساتين وزرع
وكان بحق النهر الصافي الذي حملت امواجه مراكب ذكرياتنا الجميلة .