23 ديسمبر، 2024 12:49 ص

في الدين والدولة – قراءة سريعة

في الدين والدولة – قراءة سريعة

ليس القصد من هذا النص الولوج في متاهات واشكالات علاقة الدين بالدولة او فصل الدين عن الدولة بشكل عام. القصد هنا  هو استعراض سريع لعناوين أشكاليات علاقة الدين وعراق اليوم وتبعاتها على وحدة الشعب العراقي. علاقة الدين بالدولةفي المجتمعات العربية عامة موضوع شائك وحساس. لعل أهم أسباب ذلك هي طبيعة مجتمعاتنا التقليدية المحافظة,  وضعف الثقافة والممارسة الديمقراطية وسطوة طبقة رجال دين, اضافة الى ىسوء الفهم الذي يلف هذا الموضوع.التحول الديمقراطي والانتقالالمتدرج نحو الديمقراطية يستلزم, عدا المؤسسات السياسية الديمقراطية وأليات عملها, احترام حقوق الإنسان وحرية التعبيرعن الرأي وحرية  ألاعتقاد والتعددية.وهنا أود ان ابدأ وأقول أن كل هذا لايتناقض مع منظور ألآسلام أذيقول الله تعالى(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ)  و ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ)  وقال سبحانه (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَأَحْسَنُ) وغير ذلك من ألآيات الكريمة. كما أن  فصل الدين عن الدولة لايعني بأي حال عدم استلهام القيم الدينية في تشريع بعض القوانين الوضعية مع رعاية حقوق الافراد والجماعات السياسية والثقافية و الآجتماعية. 
سوف اطرح بعض الآشكالأت التي تلف هذا الموضوعالتي قد تستحق التطويروالنقاش:
علينا أن نعيأولا بنزوع رجال الدين الدائم الى التأثير بالساحة السياسيةبشكل مباشر وغير مباشر وممارسة سلطةليس فيها أي مكان للآخر. وألآخر ممكن ان يعني هنا المذهب ألآخر او الدين ألآخر ناهيك عن ألآيديولوجيات السياسية. ألآشكالية في هذا الموضوع هو ألاعتقاد الراسخ لهذه الطبقة من رجال الدين بأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة وهم ايضأ حماتها. أضافة ألى ذلك فقد كتب في المادة 2 من الدستور العراقي الحالي بأن “الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع”. السؤال الذي لايقبل ان يختفي هو أي مذهب من مذاهب ألاسلام يأخذ به ويعتبر مصدرأ أساسيأ للتشريع؟ السؤال لم يكن مطروحأ في السابق ولكنه يكتسب اكثر مشروعية  في المرحلة الراهنة بسبب تفاقم ألاستقطاب الطائفي. صياغة الفقرة اعلاه ذكية أذ كتب المشرع “مصدرٌ اساس للتشريع” بدلآ من “المصدرٌ الآساسي للتشريع” ومع ذلك فأن هذه القاعدة الدستورية تعطي مجالآ لايستهان بهلامكانية تدخل رجال الدين بعملية التشريع بحجة ان بعض القواعد القانونية في هذا القانون او ذاك ليست متجانسة بما يكفي مع المبادئ الدينية حسب تفسيراتهم الخاصة ومااكثرها. كما أن بأمكانها دعم سياسات ونشاطات معينة وأضفاء الشرعية الدينية عليهاأو افشالها لالسبب ألا لآنها لا تنسجم مع تصوراتهم و مصالحهم.
أضافة الى ماتقدم فأن من عواقب زج الدين بالسياسة في عراق اليوم هي فوضى الاحزاب الاسلامية وتأثيرها على وحدة النسيج الاجتماعي العراقي. فمثلآ البيت الشيعي ممثلا بعشرات الاحزاب والكتل الكبيرة وهو امر لايفقهه عاقلآ الا أذا ربط هذه الظاهرة بعدد المرجعيات الدينية المتنفذه. أذ لايمكن ان تكون ألاختلافات الفقهية  داخل المذهب الواحد بهذا الحجم والعمق والتي تصل أحيانا الى حد ألآقتتال.  فكل مرجعيقود حزبأ أو كتلة بشكل مباشر او من وراء الكواليس لآسباب مصلحية  أو لها صلة بأشكالية التنافس والدسائس المعقدة بين هذه المرجعيات. ,الامر يختلف بالنسبة للجانب السني لكن تأسيس أحزاب على أساس ديني ومذهبي وتزايد نفوذ رجال الدين السنة المتزايدة ودورهمفي ادارة دفة ألازمات في المناطق السنية, بسبب غياب قادة سياسيون مؤثرون لديهم قواعد جماهيرية عريضة, أدى الى نفس النتيجة. والنتيجة هي بطبيعة الحال تمزيق المجتمع العربي العراقي وتقسيمه الى مجرد شيعة وسنة, بل وحصول تشرذم اكثر ضمن هذين المذهبين. ولكي أزيل بعض من سوء الفهم أقول أن لا الدين ولا المذاهب هي المشكلة. وأنمالب ألمشكلة هي أستغلال رجال الدين ومايسمى برجال السياسة للدين لتحقيق مأربهم الخاصة والعامة في ظل تفشي الفقر والجهل وسياسة التجهيل وانعدام الامن و و والقائمة تطول. وخلاصة القول هو ان تحاشي جعل المذاهب أو ألديانات الهوية الاولى هو الحجر الاساس للسلم وألتآلف الاجتماعي والتطور الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة.
ألآساس في النضم السياسية الديمقراطية هو ان الشعوب ,لاغيرها, هي المرجعية ألاولى كما ان “السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها” (المادة 5 من الدستو العراقي الحالي). لكن الحقبقة هي ان السيادة ليست للقانون في العراق ,والشعب بعيدأ كل البعد من ان يكون مصدرأ للسلطات وشرعيتها كما ان المرجعية السياسية هي ليس الشعب العراقي بل المرجعيات الدينية. ألامر الذي يؤسس عمليأ لنظام ولاية الفقيه الذي ينكروجوده الكثير مع انه واضح كوضوح الشمس. فمعظم الآحزاب السياسية والكتل المتنفذة والمسيطرة على السلطة هي احزاب مرتبطة بمرجعيات دينية معينة لها مبدئيأ وعمليأ الكلمة الاخيرة في الامور الاساسية.
مسألة التمييز بين ما هو عام و ما هو خاص وترك حيزأكافيأ للحرية الشخصية واحترامحرية الاعتقاد والتدين مبادءأ جوهرية في المجتمعات الحديثة لايمكن القفز فوقها.أدارة دفة البلاد وايجاد الحلول الناجعة للمشاكل الاجتماعية والنهوض بالمجتمع وتطويره يجب ان تخضع أيضأ للأسس العقلانية والعلميةواجتناب خضوع الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت تأثير القوى الدينية والمذهبية. بدون ذلك لن يكون لنا فقط اي حضوظ في بناء دولة عصرية وأنما حضوضنا معدومة حتى بالبقاء كشعب واحد ووطن واحد.