هذه المقالة وأخريات من نفس الطابع بين يديّ منذ عدّة أشهر تواصلاً مع سلسلة لمقالات كتبتها منذ عدّة سنوات نشرتها في مواقع “التعقيب المباشر” تدّعي الإسلام أغلق أغلبها بعد افتضاح مموّلوها
لا تحتاج أدلّة .. كلمة “نبيّ” .. فهي تسمية مشاعة قبل ظهور من أسموه العرب بعد الإسلام “محمّد” وإلاّ لما أطلق القرآن مصطلح “نبيّ” أصلاً لو لم يكن مشاعاً يتداوله العرب فالقرآن يستحيل أن يخاطب قوماً لا يفهمون ما يقول لذا فلا داعي لنا يستوجب تقديس المفهوم أو المعلوم .. وعليه فلا أجد داعي لأنّ نضفي الغموض على الموروث الغير مقدّس في أصله بغية تقديسه ! ..
تقديس الغموض كما هو معلوم طبيعة بدائيّة موروثة من الصعب التغلّب عليها تماماً خاصّةً وسط مجتمعات “متديّنة” ككلمة نبيّ الّتي باتت مقدّسة هي والكثير لدى عامّة المسلمين في القرون الأخيرة ( هو دليل إفلاس فكري لفّ غالبيّة المسلمون لا يستطيع إيفاء الواقع المستجدّ حقّه فأخذ متصدّروه نتيجة هذا العجز يزوّقون ما مضى تحت شعار القرآن صالح لكلّ زمان ومكان ) بعد أن عاد الجهل وانتشر فأضفى هذا “المومياء” أو هذا المقدّس وغيره للجهلة أو من هو ملتاع أو يشكو من وجع ما , أن يجدوا فيه “أمل” يتواصلون معه مثلما ينتظمون بغيره بما لا يحصى يبرّرون وجودهم به , في الكون وعبره حتّى وإن كان المعبود أو الأمل “صنم يصنع ثمّ يُأكل” هضموا وجودهم لكلّ ما يطمئن جدوى وجودهم بهذا أو ذاك أو بتلك أو بهذه ولغاية يومنا هذا جاري البحث ! لأنّ القرآن “نزل بلسان عربيّ مبين” من بينها “نبيّ” أخذ القرآن يستخدم لغة العرب بتحدّي متنوّع للعرب أنفسهم يشمل مكوّنهم اللغويّ كلّه آخذاً بعين الاعتبار مخاطبة قوم يتلذّذون بالمفرد من الكلم وبتشكيلاتها “الجُمَليّة” البسيطة التركيب العميقة الدلالة مولعون بها دون حاجتهم “للتعبير الفنّي” بأدوات الرسم أو النحت في التعبير أو بالنوتة الموسيقيّة لاعتقادهم الموضوعيّ العميق “باعتبارهم أقوام رُحّل يحملون في حلّهم وترحالهم ما خفّ وزنه وخلاصة فائدته” المستوحى من البيئة الرمليّة المتحرّكة ( أنّ كلّ مجسّد قابل للفناء إلاّ ما استقرّ في الذهن ) وما استقرّ في الذهن هو “الخلود” وهو “الاسم” وهو معتقد “جلجامشيّ” رافدينيّ بامتياز .. ألمـ .. كهيعص .. ن .. حمـ .. عربون تواصل وتودّد ما بين “الخطيب” وما بين المُخاطب تكون مقدّمة “تحدّي” موجّه للمخاطبين انتصاره في التكوين اللغوي الجديد دعوة “للخاسر” أو “العاجز” بعد المنازلة اللغويّة للانتظام في التوحيد وعبادات وتشريع ..
الكعبة أو بيت الله أو “بيت الإيل” والوصف أو التسمية الأخيرة أو الأخير هي أو هو الأصل , وأقول هو أو هي لأنّ ( العراقيّون القدماء ) هم أوّل من أطلق تصّور لإله ؛ “آلهة” .. لأنّ الإله بتصوّرهم “أنثى” , أُم لكلّ البشر يعني .. انتقل هذا المفهوم للإغريق فلا غرابة أن ينتسب المتهوّدون باليهوديّة للأمّ وليس للأبّ على اعتبار أنّ الأم غير اليهوديّة لا يمكن الوثوق بها في التربية بينما اليهوديّة تعرف من بين عشرة رجال من أيّ أب “هو” , على العموم إنّها ثقافة وتقاليد لا شكّ مأخوذ عن العراقيين القدماء أثناء السبيّ البابلي ؛ ( وأزواجه أمّهاتهم ) تأثير ذلك واضحاً على “محمّد” ذو الأصول العراقيّة هو وجميع من عرفوا بسادة مكّة وأشرافهم والكثير من القبائل العربيّة في الجزيرة لذا سارع كالريح أمير المؤمنين عليّ بنقل عاصمة دولته إلى الكوفة في العراق موطن أجداده ما أنّ أشار عليه بذلك المغيرة بن شعبة “”كي تكون قريباً من معاوية يا أمير المؤمنين!”” .. وهي , أي التسمية “بيت الإيل” من ستقود ويجد ضالّته بها من يبحث عن أسباب بناء الكعبة وعن الجهات الأصليّة الّتي أمرت وقتها ببناء هذا المعبد ودُرس فيما بعد ليرفعه ثانيةً إبراهيم “من القواعد” بعد ذلك ! , خاصّةً إذا ما علمنا أنّ البناء تمّ اوّل الأمر قبل إبراهيم وسط بيئة كانت “ذي زرع” وليست “غير ذي زرع” كالّتي أعاد بنائها على آثار “أساسات قديمة” إبراهيم وامتدّت زمن الرسول زإلى يومنا هذا ومن هنا نبدأ كسر المقدّس متمثّلاً “بجهل لا بدّ ويجب أن يبقى عند من يهمّه أمر بقائه يجب أن يُلَحّف بالغموض” حفظاً على للمقدّس كي تبقى “الطبقة الخالدة” الكهنة ورموز الحكم غامضون في أعين رعيّتهم كي يحافظوا على مكانة قداستهم الاجتماعيّة والماليّة المستمدّة من قداسة “البيت” أوّلاً ومن الجهل ثانيّاً ومن “ممنوع السؤال” ثالثاً ومن عزوفهم عن الظهور أمام الأتباع رابعاً وبتقويم هجري خالد خلود القمر خامساً !
أنا لديّ في أحاديثي المشتركة أو في بعض من كتاباتي الّتي تدور في هذا المنحى هي بمجموعها , استنتاجات واستنباطات من معلومات لقراءات سابقة وليس بالضرورة معالجتها بأسانيد منهجيّة إلاّ عند الضرورة , عدّة محاولات للتلميح وأحياناً الإجهار بها علانيةً بين الجلساء كثيراً ما أجد نفسي إلاّ وقد وقعت بين من يغضب بشدّة ! أو من ينتفض كمن لدغته عقرب أو نحلة وكأنّه سمع ما لم يكن بحسبانه إطلاقاً وهذا وحده يدفع بالمرء إلى التعوّد على توقّع ما لم تحمد عقباه لذا وجب التريّث قدر الإمكان لحين قنص الفرصة المناسبة لطرح ما هو صعب تقبّله أو هضمه خاصّةً من طروحات يتحسّس منها الكثير منها ما طرحته حول بناء الكعبة عندما نسبت بناءه إلى سلطة الدولة السومريّة بطرزها المعماريّة الدينيّة المستمدّة بدورها من ما سبقها من دويلات نشأت وتجمّعت على أرض العراق .. كما ويجب هنا أن نبيّن أنّ الكعبة المعروفة الّتي في أصلها ليست متساوية الأضلاع .. يعني ليست مكعّبة ! .. كما وهي لم تكن وحدها في جزيرة العرب بل هنالك الكثير من الكعبات “ودور العبادة” ذكرت بعض المصادر أنّ عددها كان 21 كعبة ! وكانت تغرق بالسيول وتهدم وفي مرّة سُرق حجرها الأسود من قبل بعض الأباضيّة واستقرّ عندهم في عُمان عشرون عاماً قبل أن يُعاد ! يعني ليست مقدّسة يعني تأكل وتشرب مثل باقي المخلوقات وتنام ! .. ومن بين الكعبات الّتي كانت منتشرة في جزيرة العرب “كعبة اللاّت” بالطائف و “كعبة غطفان” و “كعبة نجران” و “كعبة شدّاد الأيادي” و”كعبة رئام” ولعلّ أشهرها “الكعبة الشاميّة” أي الكعبة المعروفة اليوم .. وكانت العرب تنذر النذور لتلك البيوت وتزورها وتطوف بها وتستقسم عندها بالأزلام لاستكناه ما يخبّئه الغيب الخ .. وهناك عدّة أدلّة منطقيّة على مثل هذا الطرح .. بل ومنهم من وصل بأبحاثه بأدلّة تتوافق ومنطق الطرح لباحث مصري في رسالة له نال بها درجة الماجستير 1993 أو أبعد على ما أظنّ إذ يقول في رسالته “كان هنالك قبل الإسلام ألف وثمانمائة كعبة” ! لكلّ قبيلة كعبة خاصّة بها ولذا انتشر بنائها بعدد قبائل الجزيرة أو النسبة الأكبر منها على الأرجح ..
تقديس المقدّس وفتح المجال أمامه من جهة واحدة لا تسمح بالخروج ! إلاّ من يدخل منها تتوالى على حياة المجتمعات بالمزيد من المقدّسات وجوده بيننا هو الفارق بين ما نحن فيه من “انفصام” في رؤية حقيقة الواقع الّذي يجب أن نعيشه عيشة ملائمة لا يقبل الجنوح عنه وبعكسه ندخل في صراع معه نجنح غصباً عنه عن الواقع فيجد فسحة الفراغ الّذي نتركه ( من يملأه ) كمبرّر “واقعي” و ( مورث مشاع تركه أهله ) ورحلوا إلى المجهول وما بين من جعل المقدّس باباً لفهم الماضي فهماً حقيقيّاً وواقعيّاً هو مستعدّ لأن يملأ الفراغ الّذي يتركه كلّ من لا زال يعتقد أنّه دائم الارتباط بمواعيد مع الماضي ..
بناء الكعبة يبدو تمّ في عهود بشريّة موغلة في القِدم , والمصادر الموثوقة تشير إلى انّ الصابئة هم أوّل من بنى الكعبة بشكلها هذا ويعدّونها أحد البيوت السبعة المعظّمة .. كانت مساحة جغرافية حكم تلك العهود مترامية الأطراف وتتحكّم بـ “العالم القديم” لذا فهي من دون أدنى شكّ حضارات وادي الرافدين الأولى “سلالات” يوم كانت صحراء جزيرة العرب وجميع اليابسة الّتي تحيط بجبال اليمن وتحيط بجبال نجد والحجاز وجبال عُمان كلّها تقع من ضمن المحيط الهادي الّذي كان يقف عند تخوم تلك التضاريس ليصل إلى ما يُعرف ببحر النجف وبالبحر المتوسّط ولا مجال هنا للغوص أكثر ما دام التصوّر عن حدود امبراطوريّة العهود القديمة لحدّ الآن مقبولاً كانت تلك التضاريس ملئا بالأنهر وببحيرات ذات مياه غزيرة وعذبة ومساحات خصبة وخضراء شاسعة ملئا بالغابات وبالأحراش قبل أن تجفّ تلك الأنهر وتجفّ من حولها الخضرة لتصبح بقع واحات وسط صحراء فيما بعد وتبتعد أكثر فيما بينها كلّما زحف التصحّر وتتيبّس تلك المروج لتصبح أراضي غالبيّتها بيئة قاسية غير ذي زرع في عهود متاخمة للعهد الّذي ظهر فيه تلميذ كتاتيب معبد “الزقّورة” إبراهيم ثمّ لتخلو الصحراء بعدها من أيّ مورد مائي إلاّ تلك الواحات المتباعدة مئات الأميال أحياناً بين واحتين فكلّما تصحّرت الجزيرة وانحسرت المروج كلّما ازدادت مشقّة الرعي وشقّت المسافات وابتعدت عن “طالبي الماء”, عرب بالعبرانيّة , فتكوّنت ظاهرة ما عرفوا بعدها اليوم بالبدو ! لترحّلهم “التدريجي” من بسيط بين واحة وواحة إلى أبعد ثمّ أبعد ليجدوا انفسهم مع مرور الحقب وابتعاد الواحات فيما بينها مئات الأميال إلاّ وأطلق عليهم “بدو رُحّل” ..