29 ديسمبر، 2024 4:08 م

في الدين ــ 4 .. حديث رمضان 1434هـ .. “المْجَدّي” ومن يُعطِه .. كلاهما مُجَرَّمَين بنصّ القرآن

في الدين ــ 4 .. حديث رمضان 1434هـ .. “المْجَدّي” ومن يُعطِه .. كلاهما مُجَرَّمَين بنصّ القرآن

عنوان هذا المقال طابعه حاد بعض الشيء ممكن يكون حالة اعتراض متوتّر لشخص رافض مثلي أن يصل بلده إلى ترسيخ العشوائيّة في التكافل بعد أن انتظم قبل آلاف السنين ببيت مال وقوانين صارمة لا أن يرجع “مثل بـ..!” قبل أن ينتظم اقتصاده مرّةً أخرى ببيت مال قبل 1400 عام رقّقت سلوك العراقي في تداوله اليومي بعضه مع بعض سواء في تغذية خزينة دولته لتقوى كي تستطيع ضبط الاقتصاد ليشمل الجميع ؛ أو الترقّق سلوكيّاً مع الآخر .. مجتمع انعدمت فيه يوماً شريحة “المجادي” قبل أن تعود في القرون الأخيرة لتصبح علامة بارزة من علامات التسيّب الاجتماعي وتفكّكه فتنتظم بأعراف جاهليّة مرّةً أخرى سبق لها وأن شاعت قبل الإسلام بين عامّة الناس ثمّ ولتصبح اليوم وكأنّها قوانين منافسة لقوانين الدولة ولقوانين الدين الاسلامي نفسه وبإجماع شعبي لا يستند على قاعدة اجتماعيّة قانونيّة صحيحة يتّفق على أنّ “من يستجدي المال هو محتاج له وأنّ كلّ من يعطي للمحتاج مالاً فله الأجر والثواب عند الله” , كما درج على ترديد ذلك المنبريّون “الفلس بعشرة فلوس” .. أيّ الحسنة بعشر أمثالها ! حتّى أصبحت الحسنة منفّرة بدل أن تؤدّي وضيفتها بالشكل الصحيح وهي بلا شكّ من التحريفات الّتي شوّهت الرسالة المحمّديّة استمرّت على مدى قرون كما وهو سلوك في غير موضعه الإسلامي وغير صحيح وعقوبة من يعطي المال بهذه الطريقة عند الله المحاسبة على تبديدهم المال الخاصّ والّذي هو ( جرعة ماليّة مقنّنة ) من مال عام للديمومة الحياتيّة المتوازنة لمجتمع إسلامي ناضج لا مجتمع كيفي “منثّر” سلوكه الاقتصادي مبني على العويل واللطم وعلى ارتصاف جمود عقلي وفكري .. لذا فالفقير .. نوعيّته يمكن تلخيصها بما متعارف عليها قديماً والتقطتها مجتمعات العشوائيّة اليوم ؛ “هو ذلك الكائن البشري الّذي لم يجد عملاً أو غير مؤهّل له فيسعى جاهداً للحصول على لقمة يشبع بها معدته” .. لذا نجد أنّ جميع ما سمّيت “بالديانات السماويّة” وغير السماويّة أيضاً متّفقون على ضرورة إطعام مثل هذا الجائع ..
اشتهرت من بين أدبيّات الفضائل الّتي وصلتنا من عهد صدر الإسلام الأوّل والّتي شاعت بين المسلمين فيما بعد حوادث لمثل هذا النوع من الإنفاق نظّمت على أنّها “صدقات” في إحدى مراحل التنظيم الاسلامي في يثرب والإسلام  لازال في طور التأسيس اشتهر بها بعض من العوائل أو من الخاصّة وأسباب الشهرة متعدّدة منها التضحية والإيثار في الظروف الصعبة ولعلّ “آل البيت” , ويتّفق في ذلك السنّة والشيعة لهم الحصّة الأكبر من التداول الشعبي بهذا الخصوص .. والمشكلة في عصرنا ليست في ذلك ! .. بل المشكلة تكمن في الفهم العقيم والمخزي لهذه الأجيال “الإسلاميّة” الّتي تعيش بين ظهرانينا لمسيرة الإسلام المتدرّجة “الناسخ والمنسوخ” في إحكام الضوابط والّتي استغرقت وقتاً طويلاً قبل أن تكتمل ؛ ( اليوم أكملت لكم دينكم ) جاءت مثل تلك “الحوادث” من الّتي نتأسّى بها اليوم وهي في طور النضوج لم تكتمل بعد ؟ إذ عندما كانت تجري مجريات حوادث السخاء تلك , كانت دولة الإسلام في حينها أقرب للعشوائيّة وتحت ضغوط مخاض عسير ترمى فيها نصوص سماويّة “اقتصاديّة” تستبدل بأخرى وباستمرار ولغاية ما وصلت إلى نموذج “بيت المال” الّذي انعدمت تقريباً تحت ظلّه ظواهر التسوّل وعلا شأن الحكم والدولة ..
 
مع التخلّف الاجتماعي تطفو ظواهر اجتماعيّة سيّئة فوق سطحه تنبأ ما في قاعه ! .. وأساس التخلّف فقدان وعي أفراد المجتمع بما يدور من حولهم بعد أن يتّكئون على القوى الغيبيّة بحجّة “الله” الّذي يعلم ما لا نعلم فتكثر على ضوء ألله من هذا النوع قصص وحكايات من خيالات مريضة راكدة أذكى من فيها من يستطيع استدرار عطف الناس بمادّة تلك القصص الغيبيّة الدسمة فيصبح غنيّاً وذا سطوة ! .. وبما أنّ الإحسان والتصدّق والتزكية وفعل الخير كوامن طاقة بشريّة متوازنة مع كوامن الشرّ وفوق الغريزيّة فإنّها “يجب” أن ينفّس عنها الكائن البشري في وقت ملائم كما يُفترض .. والإنسان السوي يعرف أين تنفع أفعاله الخيريّة ويعرف جغرافية تحرّكها الصحيح المبني على جغرافية المكان المجتمعي الّذي تصبّ فيه مصبّات الخير لتنفع الجميع من دون أن تكتنز في جِيَحْ ماليّة أو مستنقعات تركد فيها تلك الأموال لتصبح مصدر أمراض وضرر بدل أن تخزّن بين “سدود” ماليّة “بيت المال أو خزينة الدولة” تلبّي احتياجات المجتمع .. لذلك حرصت آيات القرآن “الاقتصاديّة” على إخفاء ظواهر العوًز والفاقة قدر الإمكان “وحجرها بمصحّات ماليّة” إن صحّ التعبير إذا ما ظهرت في المجتمع لأسباب شتّى كي “لاتتعوّد عليها العين” ! فتصبح عدوى بصريّة تقلّل من صدمة “المفاجأة” الاجتماعيّة فتجابه بردّة فعل تترك أثراً في المجتمع لتصبح “حكاية” من الممكن بعدها أن تصبح ظاهرة ! لذلك جاء العلاج القرآني :ـ ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم .. ) ! .. ( ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منّاً ولا أذىً لهم أجرهم .. ) ! .. وزيادة في ضبط ورصد حالة العوَز قبل أن تتفاقم وتصبح حالة استجداء مرضيّة علنيّة أطلق القرآن معيار ( التعفّف ) لكلّ من يسهم في حصر حالة العوًز بأضيق نطاق ممكن وله أجره العظيم يوم القيامة ؛ ( يحسبهم الجاهلون أغنياء ! من التعفّف ! تعرفهم بسيماهم ) ! .. يعني نفهم من هذه الآيات الواضحات “المجدّي” كائن مذنب ووقح جعل من كسب المال مهنة توصله للثراء باسم الله وباسم آل البيت ! كائن يمتلأ شرّاً وإن تلوّى ألماً أمامك في سبيل استدرار عطفك عليه , و”أجرك” كأجره إن شجّعته بفلس واحد حرام! ليس في وجه هذا الكائن الشرّير قطرة من سيماء التعفّف أو الغنى كالّذي سيسكن الجنّة بتعفّفه وحصره لشرّ الفقر كي لا ينتشر ولا هناك من سيماء سوى البلاهة “والاحتيال على الله” كلّ من يشجّع مثل هذا المخلوق بمال ! .. نعم .. فالجنّة سكنتها أناس من المفترض قد تخلّصوا بجهدهم وبعقولهم وبصبرهم من الأدران الّتي حملوها في دواخلهم مع يوم ولادتهم في الدنيا زكّتهم بعدها الدنيا بجهودهم صابرون أنيقون واعون صريحون متكافلون نظيفون غير منافقون ولا نمّامون غير ثرثارون يسمعون كثيراً ويتكلّمون قليلاً مؤتمنون وغير كذّابون ولا يقولون ما لا يفعلون رحيمون بموضوعيّة صادقون غير متزلّفون ولا متصنّعو تديّن يغشّون بمظهرهم السذّج والبلهاء رشيقون يلائمون ورشاقة الحور العين ( كواعب أتراباً ) ! لا مكرّشون من المال الحرام .. كيف يتوالمون ؟! .. نشاز ..
 
هذا هو إسلام حقّ وصحيح كما فهمناه ويُدخل أصحابه الجنّة تجري ورائهم بصدق لا طمعاً بمال أجمل نساء العالمين في الدنيا قبل الآخرة ! .. لأنّ الجنّة سكّانها متجانسون بأرقى الطبائع “كما هو متعارف عليه” قوّموها في الدنيا بفهم عميق وبوعي وبإخلاص نيّة قبل موتهم قدر ما استطاعوا بعقولهم الّتي منحهم إياها الخالق ليصبحوا عيّنة من أهل الجنّة تمشي على الأرض ! لا طبائع صيغت بالاجتهادات المرفوضة ثمّ يدخل أصحابها الجنّة “بواسطة” أو بتوصية فكيف يجتمعون في الجنّة مع أولو الألباب ! .. ولكي نقرّب استحالة اجتماع النقيضين بمكان واحد بمثل بَصَري أسوقه عن شارع “الشانزلازيه” بباريس مثلاً  الشارع الأشهر عالميّاً في ظهريّة صيف على سبيل المثال! يتجوّل بين حشوده المزيّون بأزياء أرقى الماركات العالميّة وبأعلى الأثمان “وبأقلّها حشمة!” وأشدّها إغراءً بَدْوْ أعراب أو من أواسط آسيا بزيّهم البدوي أو من أرياف القوقاز يتجوّلون بكامل عاداتهم وطبائعهم بينهم !  قد يستمرّ هذا الحال “الشاذ” على طقوس هذا الشارع الكرنفاليّ العريق فترة وجيزة من الوقت منظرهم يثير الانتباه أوّل الأمر ولكن سرعان يصبح حالة طارئة لا تستقيم وتقاليد هذا الشارع الجميل ويجب اجتثاثها كما يجتثّون “النقاب” اليوم ! ..