18 ديسمبر، 2024 6:10 م

في (الدولة المدنية)

في (الدولة المدنية)

(الجزء الثاني) تساؤلات عن الدولة المدنية
A. لماذا (الدولة المدنية) في العراق ؟
لعل العراق بأمس الحاجة إلى (الدولة المدنية) أكثر من غيره من دول المنطقة المحيطة به للإسباب الآتية :ــ
1. خصوصية المجتمع العراقي القائم ليس على تعدد الأعراق والقوميات والأديان والطوائف فحسب بل للتداخل الطائفي والعرقي مجتمعياً وعشائرياً وأسرياً وإقتصادياً ؛ ولإستحالة تغليب قومية أو طائفة على أخرى لذا فإن (الدولة المدنية) يمكنها أن تحل هذه الإشكالية وتجمع الجميع تحت مظلتها دون تميز على أساس العرق أو الدين أو الجنس .
2. بعد أن ترسخ المفهوم (الطائفي القومي) للسلطة عبر المشاريع الطائفية والذي أثمر فشلاً ذريعاً على مستوى الدولة لأنه أغفل مفهوم دولة القانون والمؤسسات وأهمل الكفاءات والخبرات اللازمة لإدارة الدولة وبنائها ؛ كما أثمر على صعيد المجتمع الصراع الطائفي الدموي المتخلف وهو يهدد بـِ [إثارت النزعات القومية المتعصبة] ؛ ولإجل الوقوف بوجه (الطائفية السياسية الفاشلة والطائفية المجتمعية التي دمرت المجتمع العراقي ومزقته) فإن البديل لكل هذا هو (الدولة المدنية) التي يعيش فيها الجميع في مجتمع مدني واحد يعمل على ترصين المجتمع وتعزيز وحدته على أساس المساواة بين (المواطنين) في الحقوق والواجبات بغض النظر عن إنتمائاتهم وأعراقهم وطوائفهم ولكي تنقذ ما يمكن أنقاذه وتجنب العراق من الدمار.
3. حاجة العراق (المدمر) إلى (حكم مدني) يكون همه الأول إعادة البناء المجتمعي والحضري يعتمد الكفاءة والخبرة والمقدرة على إدارة الدولة والنهوض بالواقع الإقتصادي والعلمي والمجتمعي والبيئي للعراق ولاعلاقة له بالصارعات السياسية والعقائدية والطائفية وتحشد كل الإمكانيات المجتمعية والإقتصادية بإتجاه بناء الدولة والمجتمع . وتنهي المحاصصات الحزبية والسياسية والأسرية.
4. في ظل ثقافة العولمة والتوسع الكبير في الإتصالات و وسائل التواصل الحضاري الذي يتيح عرض نماذج النجاح والتقدم والرفاهية الحضارية في العالم ودول الجوار والذي يساهم في إيجاد ثقافة مجتمعية جديدة تناقض ما هو سائد الآن ؛ وفي ظل الفشل السياسي للتجربة العراقية على مدار الحكومات المتلاحقة وبعد سقوط (الدولة الدينية) في مستنقع الفساد والفشل وعجز (الإسلاميين) عن تقديم (مشروع سياسي سني شيعي لإدارة الدولة) يجمع
جناحي المجتمع العراقي؛ وتحت ضغط الإرهاب الديني (الشيعي السني) فإن فكرة (الدولة المدنية) بمعناها (المبسط) ستفرض نفسها على المجتمع عاجلاً أم آجلاً ويبدو أن الطريق أصبح ممهداً لها بل أنها بدأت بالتشكل كفكر جمعي (عقل جمعي لا إرادي) كبديل للعقل الجمعي الطائفي السائد الآن . لذا لا يمكن البقاء في القارب المثقوب وتحمل وزر فشله وفشل وفساد قادته ولابد من القفز المبكرعنه وتبني فكرة (الدولة المدنية) أو(الدولة المدنية الخلوقة) أو(الدولة المدنية العراقية)… والتي ستلقى مقبولية كبيرة لدى الشعب العراقي.
5. (المقبولية الدولية) : الوضع السياسي الدولي العام وبفعل ما قدمنا من تأثيرات العولمة وسياسة الأقطاب المؤثرة في القرار السياسي الدولي بشكل عام والعراقي بشكل خاص فأنها تدفع بشكل حاسم (في شرقنا الأوسط) نحو (الدولة المدنية) وتروج لها مقابل (الدولة الدينية) بشكلها العام التي ترفضها وتحاربها (ولذلك مبحث مستقل) أو كبديل نوعي (لولاية الفقيه) الدينية الخاضعة عقائدياً وعملياً للولي الفقيه .؛ وفي ظل معطيات الصراع السياسي في العراق القائم على التوازنات الدولية والإقليمية ولكي تتمايز الصفوف أكثر لابد من تبني (الدولة المدنية) بشكل واضح وصريح لتقليل من النفوذ الخارجي في الشأن العراقي ومن نافلة القول إن (الدولة المدنية) لها مقبولية رسمية (عربياً وإقليمياً ودولياً) طبعاً.
6. بقي أن نسأل هل هناك (بديل) يمكن تبنيه (حالياً) كمشروع سياسي للدولة؟ . بل أن فكرة (الدولة المدنية) تقفز بنا الكثير من المعوقات والصراعات والمعارك العقائدية الجانبية وتركز جهدنا بدل ذلك في الصراع السياسي الحقوقي وتوسع قاعدة التمثيل حتى تشمل كل الطوائف والإعراق والأديان والثقافات.
7. الدولة المدنية ضرورة حضارية تتلائم مع التطورات الحضارية في مختلف المجالات وهي جزء من العولمة التي فرضت نفسها شئنا او ابينا وستفرض الدولة المدنية نفسها على مجتمعاتنا شئنا أم أبينا واقصى ما نستطيع فعله هو ترشيد (الدولة المدنية) بالقدر الذي يناسب تطور مجتمعاتنا وخصوصيتها ودون أن يتعارض مع روح العصر و مستلزمات الحضارة .
8. لن نكن بدعاً في هذا الطرح فقد ذهبت إليه (النهضة التونسية) بعيداً بقيادة (الغنوشي ومورو) وهناك شبيهاً لهم في (المغرب) وسبقهم في ذلك مهاتير محمد في ماليزيا ولعل (التجربة التركية) المعاصرة (محاولة أسلمة العولمة) أكثرهم جرأة وتحدياً .
B. هل الولاء للحزب أو الدولة ؟
واحد من أهم الأسباب الدافعة نحو التحول إلى (مدنية الدولة) هو فكرة التفاضل بين الولاء والخبرة ؛ ولقد أعتمد طيلة الفترة الحالية وخصوصاً بعد 2006م (وحتى فترة حزب البعث قبلها وبالخصوص في الفترة الأولى لإستلامهم الحكم 1968م) على تقديم الولاء (للحزب) على الخبرة تحت زعماً خاطئاً إن الخبير(المستقل) يمكن أن يطعن بولائه وهم يقصدون الولاء (للحزب) وفي بعض الإحيان يستخدمون برقع الطائفة أو العقيدة التي يتبناها الحزب والتي تتجاوزحدود الوطن أو تستبدله بمسمى آخر (الدولة الإسلامية ؛ دولة ولاية الفقيه ؛ دولة كردستان) وبهذا يمتد الوطن وياخذ ابعاده الفكرية والعقائدية والنفسية التي تتجاوز المعنى السياسي للوطن وتبعا لذلك يكون الولاء إلى هذه العقيدة او تلك أو هذا الحلم أو ذاك دون الولاء للوطن ولا غرابة أن نرى أن هؤلاء العقائدين يحملون السلاح في وجه جيشهم الوطني في بعض الأحيان أو يعتبرون الوطنية (وثنية)! . في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة للخبرة قبل أي شيء أخر. ولا تحارب (الدولة المدنية) هذا الفكر العقائدي فللمواطن كل الحق بأعتناق أي عقيدة يختارها ويقتنع بها ومن غير المسموح (للدولة المدنية) أن تختار أو أن تتدخل بعقائد الناس وثقافاتهم وأختياراتهم فهي حرية شخصية تكفلها (وبشكل كامل) (الدولة المدنية) فقط و(لا تكفلها الدول العقائدية أو القومية إلا ضمن حدود القومية أو الدين أو العقيدة أو الحزب) ؛ لكنها تقدم الخبرة والكفاءة والموهبة والنزاهة في كل المناصب والوظائف الحكومية ؛ الامر الثاني أن (الدولة المدنية) لا تجعل عقيدة الإنسان مهما سمت مقياساً لحقوق المواطنة أو ذريعة لتمييز مواطن عن آخر بل هي تعتمد الكفاءة والخبرة والامانة والإلتزام بالقوانين كمقياس للمواطنة . لذا تتيح (الدولة المدنية) الفرصة المتكافئة للجميع المواطنين في خدمة وطنهم والحصول على الوظائف والمناصب بما يخدم الوظيفة او المنصب بل وتبني (الدولة المدنية) للمبدعين منهم وتقديم الكفوئين والقادرين على تقديم خدمة أفضل (للوطن) بغض النظرعن عقائدهم وأديانهم وأجناسهم وجذورهم الأصلية (ويمكن لمهاجرين سابقين وخلال سنوات أن يتبوئوا أعلى المناصب وأهمها في الدولة بمجرد أن يتحولوا إلى مواطنين حيث لا يوجد تمييز بين مواطن أصيل ومواطن دخيل!) يحدث ذلك دون الإنتقاص من حقوق المواطنة الأصلية لبقية المواطنين الضعفاء أو محدودي الكفاءة والخبرة بل وتقديم رعاية خاصة للمعوقين أو المرضى من المواطنين بما يحقق لهم الحياة الكريمة في (وطنهم) فتلك حقوق أصيلة لهم . …يتبع
[email protected]