22 نوفمبر، 2024 6:52 م
Search
Close this search box.

في (الدولة المدنية) (الجزء الرابع) تساؤلات عن الدولة المدنية

في (الدولة المدنية) (الجزء الرابع) تساؤلات عن الدولة المدنية

G. مقدسات الدولة
طالما استخدمت (الدولة الشمولية) مصطلحات حمت فيها تجاوزها على الحقوق المدنية للمواطن وتعتبرها من مقدسات الدولة وتبرر تجاوزاتها وطغيانها ومنها (المصلحة العليا للدولة ؛ هيبة الدولة؛ خصوصية وسرية بعض أجهزة الدولة ؛ هيبة الوزارة او هيبة الوزير؛ تقديس بعض أدوات الدولة ومؤسساتها) لكن (الدولة المدنية) تعتبر مصلحة المواطن هي المقدمة ولا تقديس للدولة ذاتها إذا ما تعرضت مصلحة المواطن أو مست حقوقه المدنية ولا هيبة للمفسدين او المتلاعبين بحقوق المواطن والجميع يخضع للمسائلة وتتصاعد هذه المسائلة كلما ارتفعت وعلت مسؤولية المسؤول وتقدم موقعه فمسائلة رئيس الجمهورية أعقد بكثير من مسائلة أي مواطن آخر وتتقلص حرية المسؤول كلما ازدادت مسؤولياته . وليست الدولة إلا خادمة إجتماعية غير مقدسة لذا فكل ما نبع منها لا يمكن تحميله صفة القدسية. وتبقى قوة الدولة من حصانتها الإجتماعية وقناعة الناس بها
H. هل تتبنى (الدولة المدنية) قوانين محددة ؟
(الدولة المدنية) نظام عام مبني على الشروط الخمسة (سابقة الذكر) وما هي إلا وسيلة وأداة من أدوات التغيير نحو أفضل ما يمكن وفق قناعات الناس (الأمة) لذا فهي لا تفرض (قوانين محددة) على الناس كجزء من (الدولة المدنية) بل هي غير معنية بتفاصيل القوانين والأنظمة التي يرتئيها الشعب ويختارها أو ترتئيها مؤسسات الدولة المختصة وتضع لها أنظمتها وقوانينها فليس هناك على سبيل المثال (قانون شرعي) محدد تفرضه الدولة نعم هناك أنظمة تحكم علاقات البشر فيما بينهم من (من زواج أو طلاق أو مواريث …الخ) لكن ليس (للدولة المدنية) عقيدة محددة ولا قوانين جاهزة محددة تفرض معها كما ليس من وضيفتها إختيارقانون محدد فالدولة والناس يضعون قوانينهم الشخصية التي يقتنعون بها وتتلائم مع بيئتهم ومستواهم المعاشي والثقافي بل أبعد من ذلك حيث نجد هناك تنوعاً كبيراً في القوانين الواحدة ! (فقد تجد في ولاية ما قانون لا يشبه قوانين الولايات الأخرى) المهم أن لا يكون هذا القانون مفروضاً على الموطنين وهم من إختاروه برضاهم وقناعاتهم بل وإنسجاماً مع روح (الدولة المدنية) وقاعدة حرية المواطن في إختيار دينه وعقيدته تمنح المواطنين حرية إختيار القوانين الشرعية التي تناسب قناعاتهم ولا تتعارض مع (تدينهم) كما تتيح قوانين (مدنية) تنظم العلاقات الإجتماعية بعيدة عن الدين وللمواطن حرية الإختيار .
كما ليس من واجبات (الدولة المدنية) أو وظيفتها سن القوانين العامة والخاصة بشكل مسبق وليس لها قوانين محددة مكتوبة وجاهزة تفرض مع (النظام المدني) وتكل كل ذلك إلى الشعب عبرممثليه (البرلمات) أو إلى الدوائر المختصة لتضع قوانينها الخاصة (قوانين المرور ؛ الرعاية الإجتماعية ؛ الرعاية الصحية والقوانين الطبية ؛ قوانين البيئة ؛ قوانين الوظائف العامة والخاصة والرواتب والاجور والتوظيف ؛ القوانين والضوابط المالية ؛ القوانين المهنية والتكافل الإجتماعي والتأمين …الخ) وكل تلك القوانين تنعدم فيها التاثيرات العقائدية أو الدينية وغالباً ما تختلف من دولة إلى أخرى .
L. هل العراق مؤهلاً للدولة المدنية ؟
بفعل التطور التقني وسرعة التبادل المعلوماتي وتوحد مصادرها والتداخل الإقتصادي العالمي وتطور النظم الإنسانية و وجود الأنظمة والقوانين الدولية والمنظمات الدولية (المشتركة) وتغول (العولمة) وإختراقها للدول والأنظمة وتاثيراتها على العلاقات الإجتماعية والإقتصادية مروراً بالعادات والتقاليد والثقافات العامة والمجتمعية وصولاً إلى الثقافة الشخصية الخاصة بالإنسان كل ذلك رسخ مفهوم (الدولة المدنية) واعطاها ميزة يستحيل تجاوزها (كما فعلت قبلها العولمة التي أخترقت كل مفاصل حياتنا رضينا بها او رفضناها أو تحفظنا عليها) حتى أصبحت (الدولة المدنية) حقيقة مفروضة علينا لا يمكننا إلا الإعتراف بها في النهاية مهما حاولنا القفز فوق هذه الحقيقة وما هي إلا سنوات لنسلم بها (وما هي إلا مسألة زمن) لأن حياتنا بدأت تتجه نحو المدنية بسرعة لا نكاد نتصورها (لا يمكننا العيش بلا أنترنيت وأتصالات وستلايت وكهرباء والتعاملات البنكية المتقدمة وثقافتنا الاجتماعية بشكلها العام تستند على مصادرها المدنية والحاسبات الأكترونية وخصوصاً تداخل الأنظمة الإقتصادية العالمية وتركزها في النهاية ببنوك بعدد الأصابع والتكنلوجيا المسيطرة على العالم والسعي الدؤب للحاق بالتطور التكنلوجي العالمي وفي الكثير من الأحيان بلا ضوابط ولا محددات تحت شعارات (حضارية) وأصبحت الحياة الإجتماعية لكل بلاد العالم متاحة في كل بلاد العالم وتحول العالم الواسع الذي كان مترامي الأطراف إلى قرية صغيرة تطلع البشرية على كل أحداثها في لحظة حدوثها ! وبكل بساطة فإن (الدولة المدنية) هي من ثمار الحضارة المعاصرة لذا فهي دولة المستقبل التي تلجئنا الحاجة الحضارية إليها بغية تمكيننا من التعامل مع كل مفرزات الحضارة المعاصرة وضواهرها ومنتجها .
كل هذا واشياء أخرى كثيرة تستدعي وجود نظام يستوعب هذه التطورات والتقنيات المتسارعة والثقافات الطاغية المقتحمة يمكنه أن يقنع الناس بأدنى قدر ممكن ولن
يكون هذا النظام سوى (الدولة المدنية) التي فرضت على الغرب عبر معانات وعبر تطور حضاري وعبر تقدم المدنية الغربية ؛ فهي أمر حتمي لا فكاك منه ولا مناص وثمن بقائنا (العراقيين) بعيداً عنها سيكون خسائر عظيمة في الإقتصاد العراقي والثروات وخسائر أكبر في الأرواح وضياع المستقبل وتفتت الدولة والشعب والثروات وفتك الطائفية والعرقية والتخلف والفشل والفساد (كل ذلك حدث ويحدث وسيحدث ما هو افضع)
و إذا لم يكن كذلك فلماذا يكون الشعب مؤهلأ لدولة دينية أو طائفية او قومية أو دويلات الطوائف أو العشائر والقبائل الضعيفة المتخلفة التي لا تتناسب مع روح العصر وحضارته ورقيه؟ وهي كفيلة بإضعاف العراق وتقزيمه بعد أن كان العراق عظيماً؟!
العراق بفعل إمكانياته الإقتصادية الهائلة مهيئ تماماً إلى الدولة المدنية للأستفادة من ثرواته وتسخيرها ليس في مصلحة هذا الجيل فقط بل لمصلحة الأجيال القادمة التي ستجد دولة حضارية متقدمة وشعب مرفه (حيث أن الدولة المدنية ليست دولة إستهلاكية بقدر كونها دولة تتسابق في النمو الإقتصادي والإنتاجي) …
خلاصة القول أن (الدولة المدنية) بإطارها البسيط هي الوحيدة القادرة على عبور الطائفية السياسية وتجميع الشعب العراقي بكل أديانه وطوائفه وأعراقه تحت سقفها وتسخير كل تلك الطاقات في خدمة الدولة والمجتمع وكل ما سواها محاولات ستولد ميتة كونها تنطلق من منطلقاتها الدينية أو الطائفية أو العرقية وتدورحول إنتماءات لا ترقى إلى الإنتماء الوطني المطلوب فضلاً عن تعارضها مع روح العصر ومتطلباته و للتخلص من كل الفشل والفساد الذي ساقته لنا تلك المشاريع البائسة الجاهلة في الوقت الذي يحتاج الشعب العراقي إلى رص الصف وتوحيد الجهود وإطلاق كل طاقات البناء وصولاً إلى ما يليق بالشعب العراقي من رقي وقوة وتحضر .
 [email protected]

أحدث المقالات