c. هل تتيح (الدولة المدنية) فرصة لتغيير نمطها والتخلي عن مدنيتها إلى دولة عقائدية أو عنصرية ؟ أو غير مدنية؟
نعم إذا ما قرر (المواطنين) ذلك بأغلبية دستورية محددة فليس هناك (دستور مدني) جاهز و (موحد) أو مقدس وغالباً ما تتعدل الدساتير أو تتغير نتيجة حاجات المواطنين ورؤيتهم الإقتصادية والثقافية والفكرية فقد يضعون قيوداً جديدة على العمل السياسي أو يلغون بعض القيود أو يعدلونها بمقتضى مصلحة (الوطن والمواطنين) والذي يقرر ذلك ممثلي الشعب وعبر المؤسسات الدستورية المنتخبة وليس هذا فقط بل (حق المواطن) في إختيار ما يناسبه لا يسقط ولا ينتهي بإختيار ممثليه بل (حقه في الإختيار) ما يناسبه عبر التصويت الجماهيري الدستوري وعبر حقه في التعبير عن رأيه المباشر عبر التظاهر وعبر كل وسائل التواصل الإجتماعي التي تكفل إيصال رأي الغالبية من الناس إلى البرلمان وإلى الحكومة ويبقى حقهم في رفض ممثليهم الذين إختاروهم وإستبدالهم بمن هم أفضل إذا ما فشلوا في التعبيرعنهم وعن مصالحهم فإختيارهم معقود بتحقيق مصلحتهم ورأي الشعب محترم دوماً ؛ لذا تجد بعض الأحزاب العنصرية أو المتعصبة أو الدينية المختلفة داخل (الجسم السياسي للدولة المدنية) وتشارك في كل نشاطاتها بحرية ومنها الإنتخابات التي يجب أن يخضع الجميع لقوانينها فإذا ما حاز حزب عقائدي أو قومي أو حتى عنصري على أغلبية برلمانية وتمكن بموجب القوانين الحاكمة والآليات الدستورية المدنية من تغيير الدستور وعبر قناعات (الغالبية العظمى) من المواطنين والتوجه نحو نمط آخر للدولة فيمكنه ذلك (مع الأسف) بما يحقق تلك القناعة والرغبة للمواطنين ؛ وتلك هي (الدولة المدنية) التي تستمد قوتها عبر قناعات الناس بها ورضاهم عن إنجازها وعبر كونها تؤسس لدولة ناجحة قوية لا يمكن للمواطن إلا أن يتمسك بها كونها تحقق راحته ومصلحته واستقراره فضلاً عن أمانه ولا يمكن ان يحدث شيئاً مهما كان ما لم يكن بقناعات الغالبية العظمى من المواطنين وبرضاء الشعب وقناعته التي لا يمكن تجاوزها بأي حال أو فرض وصاية على رأي الشعب وإختياراتهم وقناعاتهم.
D. هل يمكن للدولة المدنية أن تكون دولة فاشلة أو فاسدة؟
(الدولة المدنية) تعتمد بشكل اساسي على قناعة الناس ورضاهم والذي تتيح لهم رقابة صارمة على الدولة و(في بعض الإحيان جائرة) على مسؤوليها وحكامها فهي غالباً
ما تفرض عليهم قيود لا تفرضها على غيرهم من المواطنين عبر قوانين شخصية صارمة ؛ كما تتيح (الدولة المدنية) حرية الرأي بشكل كامل وتكفل للمواطنين ممارستهم لذلك الحق ولا كاتم لصوتهم لذا فإن (الرقابة الشعبية) تمارس باعلى صورها فبقدر ما تكون حرية المواطن (مطلقة) بقدر ما حرية المسؤول (مقيدة) وبما يحققه وقبل ذلك بنزاهته. وللدولة كما للمواطنين مؤسسات رقابية متعددة (رقابة قانونية ورقابة مالية) وكذلك تنشط وسائل الإعلام المختلفة والصحافة المدنية (الأهلية) التي لها تاثيرها الكبير على إستمرار أي مسؤول في الدولة في الحكم بل وتسقطه لإدنى خطاء ممكن أن يرتكبه (حتى وإن كان ذلك الخطاء تصرف شخصي لا يمس وظيفته بشكل مباشر) وهو معرض للمسائلة لأبسط الممارسات اليومية .
ومن أهم مميزات (الدولة المدنية) (الشفافية العالية) فلا شيء محضور على المواطن (إلا بحدود ضيقة جداً) والمعلومات متاحة لكل المواطنين عبر وسائل متعددة ويفرض القانون في الغالب في الدول المتقدمة وضع بيانات عمل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة تحت تناول المواطنين العاديين (لا يوجد مواطن بسيط في مفهوم (الدولة المدنية) فهو قوي دوماً كون الدولة تسعى لتمثيله وهي أجيرة عنده مكفولة برضاه!) ؛ ولا توجد مؤسسة من مؤسسات الدولة بما فيها الوزارات والأجهزة الآمنية والقادة العسكريين والحكام والرؤساء خارج نطاق المسائلة والرقابة الحقيقة بموجب قوانين رقابية صارمة جداً وأجهزة رقابية فعالة وقوية وتتمتع بصلاحيات واسعة جداً لحماية المجتمع من أي إنحراف يقع في أي مفصل من مفاصل السلطة.
فضلاً عن كون المعارضة السياسية أقوى ما تكون في (الدولة المدنية) التي تكفل لها حقوقاً إضافية وتتيح لها الإطلاع على كل بيانات الدولة (دون إستثناء) عبر (حكومة الظل) ولها حق الإستعانة المباشرة بالمواطنين ولها حق طلب الإستفتاء على أي قانون أو مسؤول في الدولة وإقالته بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية وفق آليات وقوانين وضوابط تفصيلية لذلك الحق الأصيل .
E. هل (الدولة المدنية) دولة ملائكة ؟. وهل كل ما في (الدولة المدنية) جيد وصحيح وليس فيها مساوء؟
كلا ليست (الدولة المدنية) دولة ملائكة وقد تخطيء ولكن عليها تصحيح الأخطاء وقد تجد فيها المسيئون والخطائون والجهلة وهناك المجرمون والسفلة ولكن إحتمالات الفساد أو الفشل فيها أقل من غيرها من النظم وطرق تصحيح الأخطاء والوقاية منها كثيرة وضامنة لتلافيء الأخطاء وإصلاحها والإرتقاء بالأداء نحو الأفضل دائماً. ولعل الفهم الخاص لمبداء الأقلية يفرض على الدولة المدنية الأهتمام
بكل الأراء بغض النظرعن حجم المؤمنين بها وفي كثير من الأحيان يفترض عليها فهم الأراء الخاصة وحتى الأراء الشاذة وقد يستدعي عرضها على البرلمان أو الحكومة أو على الشعب للوقوف على ما ينبغي للحكومة إزاء تلك الأفكار وقد تجد صداها لدى المجتمع او لدى الدولة نعم (الدولة المدنية) ضعيفة أمام الإرادة الشعبية .
وكما لكل نظام في العالم دعاته والمؤمنين به سنجد هناك أيضاً سدنة (الدولة المدنية) وسدنة (العلمانين) وسدنة (اللبراليين) الذين يقفون في أبواب الدولة المدنية يريدون إحتكارها ولا يسمحوا لأحد بالدخول إليها إلا بعد أن يكفر (بكل المباديء والإخلاق والدين) ليؤكد مدنيته رغم إن ذلك متناقض مع أصل المدنية والعلمانية واللبرالية وهم بهذا تأكيداً للتكفيرين الذين يكفرون كل من لا يؤمن بمبادئهم ؛ ليست (الدولة المدنية) حكراً على عقيدة محددة بل هي لا تتبنى أي عقيدة وما وضيفة أولئك (السدنة) إلا تنفير الناس وتنفير الخصوم السياسين والعقائدين من (الدولة المدنية) وكأنها حكراً لهم . وفي مقابل ذلك لا نتوقع من الذين يصرون على النهج الطائفي المتشدد أن ينجحوا في (التأسيس) (للدولة المدنية) لأن أنانيتهم وسعيهم لإحتكار السلطة سيحول دون وصولهم لروح الدولة المدنية المتسامحة ولكنهم يمكن أن يكونوا أول المستفيدين منها .
F. (الدولة المدنية) والمقدس
رغم أن نظام (الدولة المدنية) ليس في ذاته ما هو مقدس وكل ما فيها عرضة للتغيير والتبديل والتعديل وقوانينها وانظمتها تستمد قوتها من عدالتها ومن المساواة و الحزم في تطبيقها والنظام غير معني بمقدسات الناس إلا أنه يحترم كل مقدسات الأمة وكل مقدس لدى مواطني الدولة ولا يتعارض مع تلك المقدسات فهي محمية ومكفولة بإطار الحرية الشخصية للمواطن ولكن من المحال أن تفرض مقدس مواطن ما على غيره من المواطنين كما أن لكل مواطن الحق في تقديس ما يشاء ما دام في اطاره الخاص وضمن حدود الحرية الشخصية وبما لا يمس حرية الآخرين في الإعتقاد . ومع هذا فطبيعة (الدولة المدنية) لها القدرة على تطوير مجال عام يتيح النقاش والتداول الفكري الذى يحقق التواصل الاجتماعى بين الجماعات المختلفة والآراء المختلفة وتوفر جو من التسامح وتبادل الأراء. …يتبع
[email protected]