في سلسلة التفجيرات التي ضربت أول من أمس، البصرة نهاراً وبغداد مساءً، رسالة قوية إلى هؤلاء الذين يسعون إلى فتح معركة مع التيار المدني، لزوم الانتخابات القادمة وغير الانتخابات.
أما الرسالة فمن تنظيم داعش الذي تبنّى التفجيرات الأخيرة في الحال، وأما الساعون إلى المعركة مع المدنيين فبعض من جماعات الإسلام السياسي المتنفذة في السلطة التي راحت في الأشهر الأخيرة ترفع الصوت عالياً ضد المدنيين، بل إن فرق الخطف التابعة لبعض هذه الجماعات قد أظهرت بأساً عظيماً في عمليات الخطف للتخويف والترويع.
هذا البعض من جماعات الإسلام السياسي المتنفذة مغتاظ من المدنيين لأنهم مرابطون دون كلل في ساحات الاحتجاج التي اجتذبت إليها تياراً إسلامياً مهمّاً، الصدريين. وربما كان هذا بالذات أكثر ما أثار الجماعات الإسلامية المتنفذة ضد المدنيين، فثمة فصيل إسلامي إذ يرونه قد تبنّى المشروع المدني بإقامة دولة المواطنة لا دولة الطوائف ومحاصصاتها، فيكون بالنسبة لهم قد خرج عن جادّتهم التي ثبت بالدليل القاطع أنها لا تؤدي إلّا إلى خراب البلاد والمزيد من خرابها، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
بالنسبة لهذه الجماعات صار رأس التيار المدني هو المطلوب، غافلين عن داعش وإرهابه المدمّر وعن غول الفساد الإداري والمالي المنفلت.. هم يجدون في التيار المدني تهديداً لأطماعهم في السلطة والنفوذ والمال، والتيار المدني لا يحوز السلاح كما يحوزون ولا يملك المال كما يملكون .. كلّ ما لديه عين ثاقبة ترى إلى الاخطاء والخطايا التي يرتكبها الإسلاميون المتنفذون في السلطة ويصرّون على مواصلة ارتكابها، فلا يريدون أن يقرّوا بها، ناهيكم عن التراجع عنها وتعديل المسار.
التيار المدني يريد الإصلاح كيما تكون الدولة قوية، باقتصادها وخدماتها وقواتها العسكرية وجبهتها السياسية وعلاقاتها الخارجية، بما يكفي لردع داعش وسائر الإرهابيين الذين ما كان لهم أن يتسبّبوا في كلّ هذا الخراب وفي كل هذه المحن لولا أنّ الإسلاميين المتنفذين في السلطة قد تنكّروا لمبادئهم ولرموزهم التاريخية وتحوّلوا إلى طلاب سلطة طاغية وثروة فاحشة، وصاروا لا يريدون لأحد أن ينتقد أداءهم، مستنداً الى حقّه الدستوري في التعبير عن الرأي بحرية، فها هم يبذلون الجهد الآن لتشريع قانون مُقيّد لحرية التعبير على النحو الذي كانت عليه الامور في عهد نظام صدام.
قبل أن تلوموا التيار المدني وتفبركوا ضده وتخطفوا بعض عناصره رداً على حركته السلمية المتواصلة المطالبة بالإصلاح وإقامة دولة المواطنة وإلغاء نظام المحاصصة وتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة ونزيهة وقطع دابر الفساد والفاسدين، تلفّتوا حواليكم .. تأملوا المشهد جيداً .. واسألوا أنفسكم: أهذا ما كان ينتظره الشعب العراقي منّا؟ .. أهذا ما كنّا قد وعدناه به يوم كنّا في المعارضة؟
نقلا عن المدى