كنتُ قد أعطيتُ نظري، في تعريف الحقيقة، في مقال سابق، تحت عنوان “فلسفة الحقيقة”، والآن أعود لأتكلم عن الحقيقة، من أحد الجوانب، فثمة مقولةٍ، تجري على لسان أغلب الناس، عند الحديث عن أمورٍ ما، فيقولون: في الحقيقة والواقع. وكأن الحقيقة ليست هي الواقع!
أبدع الممثل”عمرو عبد الجليل” في أداء دوره، في فيلم “سعيد كلاكيت”، فقد أبكانا في بعض مشاهد الفيلم كما أضحكنا، تعرض الفيلم إلى شخصية “سعيد” المريض النفسي، الذي يعتقد بأن لديه أبنة إسمها “أُمنية”، وقد كبرت هذه الفتاة ودخلت المدرسة، ويعيشُ حياته معها على هذا الأساس، ولا يصدق، مهما حاول الجميع إفهامهُ، أن لا وجود لأبنته هذه.
في نهاية الفيلم كاد أن يكون “سعيد” قاتلاً، حين كان يبحثُ عن إبنتهِ المخطوفه، لولا إيهامهُ من قِبل ضابط الشرطة بأنه حرر إبنته، وأوصلها إليه. السؤال المهم والمطروح الآن: ما حقيقة ما يراه الناس أمثال سعيدٍ هذا؟
فقد يخبرك أحدهم أن هناك أشياء ستحدث، وتحدثُ فعلاً، أو يدلك على أشياء مفقودة، فتجدها، فيخبرك أن الشخص الذي يراه هو، ولا تراه أنت، قد أخبره بذلك!
البرزخ، هو عالمٌ بعد الموت، ذكره القرآن(وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:100])، وتؤمن الأديان أن ثمة حياة بعد الموت، وأن أمثال “سعيد” يرون أرواح أولئك الأموات، الذين لا نراهم نحن، فيخبرونهم بأشياء ستحدث، أو يرشدوهم إلى أشياء مفقوده وغير ذلك.
لكنَّ شخصية “سعيد” في الفيلم، إبتكرت وخلقت إبنةً لم تُخلق، وليس لها وجوداً أصلاً، فأن أجاب أصحاب الأديان عن الحالة السابقة، بوجود عالم البرزخ، فبماذا نجيب عن أمثال حالة “سعيدٍ” هذا؟
يتعامل أمثالنا، من الذين يعتبرون أنفسهم أصحاء، مع أمثال “سعيد”، على أنهم مرضى نفس، يجب علاجهم ليعودوا إلى الواقع! وكأن ما هم فيه ليس من الواقع! ألم يخبرونا بواقع!؟ أمور ستحصل، وأيجاد أشياء مفقودة!
إن مهمتنا حقاً هي معرفة الواقع الملموس الذي جائوا بالمعلومات منه، أو نكون مثلهم لنرى ما يرون، ولكن بوعي وإدراك، ولعلي أبحثُ هذا الموضوع بإسهاب في وقتٍ آخر، لأن ما أردتُ الوصول إليه، أن لا خلاف مع التعريف الذي قدمته لمفهوم “الحقيقة” مع حالات مثل هؤلاء.
بقي شئ…
علينا التعامل مع مرضى النفس، على أنهم أصحاء واقعيين، يختلفون عنا، ذلك أجدى في نفعهم والإنتفاع منهم.