كثيراً ما أنظر بازدراء لكلّ من طبعه اصطياد آلام الآخرين وكأنّ فيها سعادته وكأنّ تلك الآلام تعزّز “صحّة موقفه وخطيئة الآخر” ولا يهمّه بعد ذلك أن يتجاوز “نوعيّة الظروف الّتي تدفع لارتكاب تلك الخطيئة” والّتي ممكن أن يقع هو فيها لو وضعته الأقدار على نفس المسار , وقد تجلّى مثل هذا النوع من “الأمراض النفسيّة” لدى البعض في العراق أكثر من أيّ مكان آخر لطبيعة ما واجهه شعب العراق من محن بإمكان واحدة منها أن تقود البلد إلى هزائم عسكريّة وحطام اقتصادي واجتماعي لو بحث البعض من المصابون بداء ببغاوي اسمه “النظام السابق” منذ أن استقرّ في وضعه الجديد وسلكوا طرقاً جادةً همّهم فيها العراق وليس مجرّد الانتقام , ولكن وبسبب النرجسيّة الّتي يحملها هذا البعض , ساسة وإعلاميّون , نجده يتخطّى عمداً حقبة الازدهار الاقتصادي الكبير ونتائجها اللامعة الّتي تنعّم بخيراتها العراقيّون عقب تأميمهم نفطهم , وهو هذا البعض فرداً أو جماعات واحد منهم بلا شكّ ؛ إذ ومنها يمكنه تشخيص جميع الظواهر “السلبيّة” الّتي أوصلت العراق للخراب لو كان يبحث عن المسبّبات الرئيسيّة لا عن “عداوات” شخصيّة ! .. فعلى صعيد الحروب , وبغضّ النظر عن الأحكام الّتي بإمكاننا إطلاقها على النهج السياسي للنظام السابق صائباً أم خاطئاً , كان العراق يتعرّض لكوابح سياسيّة خارجيّة تدفعه دوماً خارج مسار منجزاته العلميّة والاقتصاديّة العملاقة الّتي كان قد حقّقها , ليس فقط بعد تأميم نفطه بل قبله بعقود عندما شاغلته تلك القوى بإطفاء حرائقه اشتهرت دول الجوار بإشعالها , لتستبدل بحرب طويلة هدفها طائفي تمزيقي انطلاقاً من العراق ؟ لتتطوّر تلك الرغبات الخارجيّة إلى صدامات أوسع اضطرّت العراق الاصطدام مباشرةً ب”المجتمع الدولي , كان الأحرى بساسة وإعلاميّو اليوم أن تتوجّه فوّهات أقلامهم وفضائيّاتهم تشخيص اخطاء العراق سابقاً لمعالجتها لا معالجة داء “الصنم” ! , بالمبضع تشرّح تلك لا تشرّح “ذاك” ! فلولا الثبات ولولا “حقبة الاندفاع الأولى” لما صمد العراق تحت الضربات عقود طويلة ..
من نتائج حقبة الاندفاع الكبرى , فريق كروي عراقي كان حينها هو الأفضل على مستوى آسيا وأفريقيا , ولاعبون مهرة مشهود لهم , استثمر العراق في إعدادهم من سلسلة البعثات العلميّة الرياضيّة زائداً القاعدة الرياضيّة المتينة الّتي تركتها حكومات العراق المتعاقبة فأنتج زخماً من اللاعبين نوعاً وكمّاً , بإمكان العراق أن يشكّل منهم ثلاث فرق كرويّة دفعةً واحدة وبمستوى واحد ! .. الآن , وبعد “النحرير” ضاع “الخيط والعصفور” كما يقال , وبتنا نتّكأ على لاعب واحد هو يونس محمود هو فقط مع كامل احترامي لبقيّة لاعبينا , من بات يذكّرنا بفلاح حسن وعلي كاظم وجمّولي وجبّار رشك وعمّو بابا وكاظم وعل وأحمد صبحي وهادي وشدراك وهشام عجاج وقاسم زويّة ونوري ذياب وحامد فوزي وصاحب خزعل وكوركيس اسماعيل الخ من أفذاذ , أرى يونس يلعب اليوم وهو يجري خلف الكرة وكأنّه يحمل راية مرصّعة بتلك الأسماء اللامعة كالنجوم , ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر .. كتب علينا نشجّع السعوديّة في مباراتها اليوم أمام الصين ! , نشجّع “الأشقّاء” يعني , والتشجيع يأتي أيضاً عكس إرادة أغلب العراقيين بالضبط كما دفع العراق دفعاً لحرب ثمان سنوات وبالقوّة لمواجهة مصيره المحتوم الّذي هو نفس مصير محمّد علي وجمال عبد الناصر والفاطميّون في مصر ونفس مصير سيّد شباب أهل الجنّة .. لأنّ “التطوّر” العربي يجب أن يكون بمقاسات الغرب “تورّط” عربي ! ..
لطالما صوّر الأميركي نفسه للعالم عبر الأفلام ذلك البطل “المخلّص” الشهم والمرح والعادل والقويّ السريع الإطلاق والفارس النبيل الّذي لا يقبل منازلة “خصمه” إلاّ ومتكافئاً معه بنوعيّة السلاح ! وقد رأينا صدق نواياهم من حصارهم العراق وتجريده من السلاح ! .. مع الأسف انعكس ذلك كلّه على حلفاء الغرب من عرب خليجيّون وغيرهم , وعشّاق كرة القدم العراقيّون خبروا أساليب “دول الخليج” وتهالكم الغير معقول في الحصول على الفوز , وبالذات حين تواجه فرقهم الكرويّة الفرق العراقيّة الكرويّة , وما يجري خلف كواليس الاتّحادات الدوليّة الكرويّة أفظع , فلا زالت الذاكرة العراقيّة نشطة , تذكر القرار الكروي المجحف المغلّف بالأخلاق والرأفة ! حين ابتدأ “الفيفا” تطبيقه قراره الكروي “اللعب النظيف” ! طبّقوه على العراق اوّلاً دوناً عن فرق الكرة الأرضيّة كلّها , أقصي بسببه عن البطولة بعد ان احتار حكم المباراة كيف يطبّقه لغرابته وإبهامه ! , فطرد أكثر من لاعب بحجّة “مسّ اللاعب العراقي لخصمه القطري” ! , ليس ذلك فقط , بل وكيف يضيّعون وقت المباراة لصالحهم بمساندة مكشوفة من طاقم التحكيم الّذي غالباً ما يكون من تايلند أو الفلبّين ! أمّا بعد “التحرير” نراهم يقفون خلف قرار الفيفا بمنع منتخب العراق من اللعب على أرضه , امتدّ ليمنع العراق تنظيمه بطولة الخليج القادمة في مدينة البصرة ؟ بل تدخّلوا لإقصاء السيّد ناجح حمود ! فهو بالنسبة إليهم حمود لا يختلف عن صدّام حسين ! , انا لست مع النتائج الكرويّة السيّئة للسيّد حمود , فذلك أمر طبيعي أن تكون كذلك بعد كلّ هذه الحروب الشعواء ضدّه وضدّ غيره , يكفي أنّ ممارساتهم الكرويّة معنا تشابه الممارسات الأميركيّة السياسيّة معنا ! ..
مبروك فوز العراق .. وحمداً لله ظهر من الفريق السعودي معنا ما يجب ان يظهر منذ زمن كروي طويل .. وعسى أن لا تكون نتيجتهم مع الصين حصلت دون قصد منهم ! ..