23 ديسمبر، 2024 9:55 ص

في الحرب الاعلامية ضد القاعدة

في الحرب الاعلامية ضد القاعدة

تكرر مني القول بان العمليات العسكرية التي تنفذها القاعدة واخواتها اعلامية بالدرجة الاولى، بمعنى انها تستهدف تحقيق اهداف معنوية واعلامية ونفسية على امل ان يمهد تحقيق هذه الاهداف الطريق امام تحقيق الهدف السياسي وهو اسقاط الدولة الديمقراطية العراقية المدنية الوليدة واقامة الدولة الاسلامية المتخلفة الارهابية في العراق والشام. يأمل الارهابيون ان تكون بغداد هي عاصمة هذه الدولة في عملية ثأرية لا تخفى على المحلل العميق. وهذا هو معنى الشعار المرفوع منذ اشهر والقائل “عائدون يا بغداد”. القاعدة واخواتها ترى انها طردت من بغداد في الحرب الاولى، وهي تريد التعويض عن هذه الخسارة الجسيمة بالعودة الى بغداد.
الهدف النفسي الذي تريد القاعدة واخواتها الوصول اليه هو “اليأس”. ايصال العراقيين المؤمنين بالدولة الديمقراطية الى حالة كبيرة وعميقة من اليأس بامكانية العيش الامن في ظل هذه الدولة. يشمل هذا عموم الجمهور العراقي والقوات الامنية وحتى الطبقة السياسية التي تتولى امور هذه الدولة. وتيئيس  الناس من قدرة القوات المسلحة وقوى الامن الاخرى على حمايتهم من بطش القاعدة.
تسعى القاعدة الى الوصول الى هذا الهدف عبر عمليات كثيرة منوعة ابرزها السيارات المفخخة التي صارت تنفجر على شكل دفعات كبيرة كل عدة ايام. تريد القاعدة من المواطن العراقي ان يسأل نفسه: اذا كانت القاعدة قادرة على تفخيخ وتفجير كل هذه السيارات في وقت واحد فاين هي القوى الامنية والعسكرية المكلفة بحفظ الامن؟ تريد القاعدة واخواتها ان تشيع حالة الرعب والخوف والشعور باللاجدوى لدى الجندي والشرطي ورجل الامن من خلال الايحاء اليهم انهم معرضون للموت في كل لحظة. تريد القاعدة واخواتها ان يهجر العراقيون الحياة، والعمل، والانتاج، والدراسة، كما يهجرون الامل، من اجل ان يدفعهم ذلك الى التخلي عن العملية السياسية والدولة الديمقراطية وقبول مشروع الدولة الاسلامية الارهابية القمعية المتخلفة الذي تريد القاعدة واخواتها ان تجبرهم على الخضوع له.
تريد القاعدة ان تسمع في بغداد ومدن العراق الاخرى بكاء وعويلا ونحيبا وصراخا، وان ترى شوارع مقفرة واسواقا خالية ووجوها مكفهرة وحدائق مهجورة، ولطما على الصدور، وشقا للجيوب. تريد ان ترى العراق كله وقد تحول الى مجلس عزاء ومقبرة كبيرة، لا للغزاة، فليس هنا من غازٍ، ولكن لاهله المسالمين. لا ينبغي ان نقدم هذا هدية مجانية للقاعدة. يبقى لسان حالنا يقول: “شهداؤنا في الجنة وقتلى القاعدة الانتحاريين في النار”!
تخطط القاعدة واخواتها لهزيمة نفسية للعراق والعراقيين قبل الهزيمة العسكرية، وهي تأمل ان تحقق الهزيمة الاولى لكي تمهد للثانية. تجند القاعدة واخواتها الكثير من امكانياتها المالية والمادية والتقنية والبشرية في الشق الاعلامي من حرب الابادة التي تخوضها ضدنا. وهي تجند الكثير من الخبرات الاعلامية المحلية والاقليمية والدولية في هذا المجال. ما توزعه القاعدة على صفحات الانترنت واليوتيوب من مقاطع الفيديو لعملياتها هو في الاعم الاغلب مقاطع تمثيلية او على الاكثر تدريبات في اماكن مختارة وليس عمليات حقيقية. والهدف منها اثارة الرعب في صفوف “العدو”. انها تظهر ان ثلاثة من عناصرها يقطعون طريق الرمادي الدولي مثلا ويوقفون رتلا من الشاحنات التجارية ويقتلون سائقيها وليس من رادع. والرسالة واضحة. ان الطريق الدولي تحت سيطرة القاعدة. وليس الامر كذلك.
النفوس والقلوب والعقول هي ميدان المعركة الاساسي. ومن ينتصر في هذه المعركة، ينتصر في ميدان المعركة العسكري. وهذا هو النصر الذي لا يجوز ان نقدمه هدية للقاعدة. هذا هو المجال الذي يجب ان تُهزم فيه القاعدة.
ان معركتنا الاعلامية مع القاعدة هجومية وليست دفاعية. الاعلام الوطني العراقي يجب ان يكون في حالة هجوم وليس في حالة دفاع وهو يصارع القاعدة واخواتها. الشبهات والاكاذيب وحملات التسقيط والتشوية التي تخوضها القاعدة واخواتها واذنابها والسذج من القوم ليست موضوعا لاعلامنا الوطني، تجاهلها هو ابلغ رد عليها. نحن من نختار جبهات المعركة الاعلامية وليس “العدو”.
ادوات القاعدة متخلفة، ومشروعها السياسي غير قابل للتحقق. اختارت القاعدة اسلوب الحرب والقتل الجماعي عن طريق العمليات الانتحارية لتحقيق اهدافها. ولم تتجه صوب العمل السياسي والفكري لأقناع الناس بمشروعها الفكري والسياسي، ان وجد.  ليس للديمقراطية والانتخابات موقع في  العقل المخطط للقاعدة. لا تفكر القاعدة بهذه الطريقة لانها نتاج العقلية التاريخية المتخلفة، عقلية هولاكو وجنكيزخان وهتلر والقتلة المعروفين على مر التاريخ. تقوم الحرب القديمة على اساس قتل اكبر عدد من الناس لتحقيق النصر. هذا ما تقوم به القاعدة الان. انها تشن حرب ابادة ضدنا، وهي تتصور ان قتلها عددا كبيرا من العراقيين سوف يدفع الباقين الى الخضوع لها. لا تعير القاعدة اهتماما لخيارات الناس وإراداتهم وحريتهم وحقهم في تقرير مصيرهم.
اما “المشروع السياسي” –ان صحت هذه العبارة في وصف ما تقوم به  القاعدة- فانه غير قابل للتحقق، انه المشروع المستحيل. ان المشروع الذي يحرم الحلاقة على الرجال، والنصب التاريخية، ومباهج الحياة، والتقدم، والتواصل مع الاخرين. انه مشروع سياسي يقع خارج حركة التاريخ والزمن والانسانية، ولا يستطيع ان يلتحق بهذه الحركة او ان يندمج فيها.
ان مقاتلي القاعدة وانتحارييها لا يعلمون ذلك. لانهم حين يفجرون انفسهم لا يفعلون ذلك من اجل تحقيق مشروع سياسي، وانما من اجل لقاء الرسول (ص) في الجنة، كما اوهمتهم القاعدة، وهم لا يعلمون انهم في النار، لأنهم يقتلون ابرياء لا حول لهم ولا قوة، ولا علاقة لهم بما يجري اصلا. وان الرسول الذي يتوهمون انهم سيلقونه بعد تفجير انفسهم انما حرم القتل، تبعا لتحريمه في القران الكريم. لكن هؤلاء لا يقرأون القران، ولا يسمعون حديث النبي. فأئمتهم الجهاديون اولى من الله والرسول عندهم. والطاعة لأمرائهم هي جوهر “تدينهم” المزعوم.
ان أئمة القاعدة يراهنون على جهل مقاتليهم وانتحارييهم. قد يكون هؤلاء متدينين، او مغررا بهم، لكنهم في الحالتين جهلة لا يعرفون ما يفعلون.