17 نوفمبر، 2024 5:19 م
Search
Close this search box.

في الجهة الثانية

في الجهة الثانية

نزلتُ مسرعاً إلى موقف الباصات قبل منتصف ليلة أمس، لأنتظر هناك مرور  السنة، حين يأتي الباص ليأخذني إلى السنة القادمة. أحمل في يدي مفكرة هذه السنة ، سأصعد وأجلس قرب النافذة، ونافذة هذا الباص عريضة جداً، سأفتحها وأنثر أوراق مفكرة هذه السنة وأنا أعبر الجسر الذي يربط بين سنتي الحالية والسنة القادمة، ذلك الجسر لا يمكن العبور عليه إلا منتصف هذه الليلة تحديداً، وسيغلق حتى آخر يوم من السنة.
على ذلك الجسر، هناك مراوح عملاقة تولد الرياح بعكس إتجاه مرور الباص، لكي تحمل أوراق المفكرة بعيدة جداً عن الجهة الثانية حيث السنة القادمة. وفي الحقيقة، هذه ممارسة جديدة على هذه المدينة ، بدأنا بها نحن أهل المدينة بعد أن شعرنا أن تلك المفكرات القديمة حين تراكمها، تصدر روائح كريهة تشبه الذكريات المؤلمة التي فيها، ولم نطلب من إدارة المدينة أن تفعل لنا أي شيء، غير فتح ذلك الجسر في نهاية السنة لكي يعبر عليه باص مرور السنة.
غير أن إدارة المدينة، هذه السنة وفي هذا اليوم الآخير، تقدمت لنا بمبادرة بأن تقوم هي بتركيب وتوجيه تلك المرواح العملاقة على الجسر، رغبة منها في المشاركة معنا في هذه الممارسة، وكان الطلب مفاجأة لنا، وبخاصة أن عملية تركيب تلك المراوح أصبحت تستغرق وقتاً طويلاً بسبب إزدياد عدد أهل المدينة،  وبالتالي زيادة كبيرة في عدد صفحات مفكرات السنة التي يريد أصحابها التخلص منها من نافذة باص مرور السنة. وهكذا رغب الجميع بإعطاء تلك المهمة لإدارة المدينة ليتفرغوا هم لحمل مذكراتهم وتمزيق صفحاتها حين المرور من على ذلك الجسر، فيما توزيع المراوح وتغشيلها وتوجيها يكون من مسؤولية إدارة المدينة.
وصل الباص، صعدنا واخذنا أماكننا، وصعد البعض إلى الطابق الثاني المكشوف من الباص، لكي يسهل عليهم التخلص من صفحات هذه السنة الراحلة. وصلنا الجسر مع منتصف الليل تحديداً والصفحات جاهزة معنا لكي نرميها ونتخلص منها ، طارت الصفحات في السماء، ونحن فرحون بأننا تخلصنا منها. في تلك اللحظة تماماً، دارت المرواح رؤوسها وغيّرت إتجاهاتها، وأصبحت الرياح بإتجاه مرور الباص إلى الجهة الثانية من الجسر، وحين وصلنا هناك، وجدنا صفحاتنا القديمة قد سبقتنا بالوصول إلى تلك الجهة، وأنها ملأت شوارع سنتنا الجديدة .
في دهشة الأمر وما نرى، نظرنا للجهة الثانية من الجسر حيث تركنا السنة الراحلة ، فشاهدنا إدارة المدينة وهي تحمل لنا لافتة ضوئية قوية مكتوب فيها : المراوح خارج السيطرة، والرياح هي من توجه إتجاهاتها !

أحدث المقالات