من دون شك ، أنه بعد أن تم سن وصياغة قوانين غير تلك التي عانينا منها الأمرين ، سيتم بالتأكيد إقرار قانون خاص بالجمعيات والاتحادات والأحزاب المهنية والأدبية والسياسية ، وسيتم منح الموافقات القانونية الأصولية لعدد كبير منها . وقبل أن تظهر هذه التنظيمات القانونية للوجود وتمارس دورها الوطني ، تدور الآن حوارات فكرية وسياسية بين أوساط عراقية حزبية ومستقلة حول تنظيم الحياة الحزبية في العراق.
فهناك من يقول ، أن ظاهرة تعدد الأحزاب السياسية هي ظاهرة غير صحية ، ويعلل ذلك أن كثرتها في الشارع العراقي تعيق الحركة . ويبرر أصحاب هذا الرأي أن هناك عدداً من الأحزاب موجودة الآن على الخارطة الحزبية في العراق.. لكن على أرض الواقع لاوجود لها ، إما لظروف مالية أو تنظيمية أو غير ذلك ، وبالتالي فإنها تحمل بذور فنائها معها ولن تستطيع الوقوف طويلاً في هذا الشارع أو تلك الساحة . وأكبر دليل على ذلك ، أن عدداً من هذه الأحزاب ولاسيما السياسية منها تحاول إعادة تنظيم صفوفها من جديد وتحاول البحث عن حل لمشكلتها ، ومن ضمن هذه الحلول الاندماج مع حزب آخر يحمل نفس الأفكار والبرنامج السياسي.
وهناك من يعتقد أن التعددية السياسية الحزبية هي حق للجميع وهي مطلب جماهيري وديمقراطي ، لأن من حق الجميع أن يعمل وبالنتيجة البقاء للأصلح ، وإذا ما أخذنا بهذا الرأي وهو التعددية السياسية الحزبية ، فإن السؤال المطروح:- هل تطلق حرية الأحزاب بدون قيد أو شرط ؟
وحقيقة الأمر ، أن الجدل على هذه المسألة لايزال مستمراً مع إيماننا بأن هذا الموضوع جدير بالاهتمام وأن الأمر يؤثر على الديمقراطية ( الشكلية ) ومستقبل التعددية السياسية الحزبية والاستقرار السياسي في العراق. ومما لاشك فيه أن تنظيم الحياة الحزبية أمر ضروري ، وإنني أرى أن الهدف الرئيسي لهذا الموضوع يجب أن ينصب على تحصين التجربة الديمقراطية ـــ على الرغم من سلبياتها ـــ ضد كل قوة تريد إساءة استغلالها أو طمسها . وعليه يتوجب علينا الوقوف في وجه كل من يتعرض لمسيرتها التي عانينا الأمرين من فقدانها ، وأن نحارب ونقف في وجه كل القوى والتيارات الفكرية السياسية التي لاتؤمن بالديمقراطية وتستخدم العنف أو تلوح باستخدامه للوصول إلى السلطة . ولاغرابة في هذا الأمر ، فهناك العديد من الأحزاب السياسية عندنا سلكت هذا الطريق على نحو هدد الحياة الديمقراطية لابل نسفها من جذورها كما حدث عندنا ابتداءا من 14 تموز…
بالطبع هذا الأمر لاينطبق على جميع الأحزاب السياسية ، فهناك العديد من الأحزاب من آمن فعلاًَ بالعمل الديمقراطي ومنها من هو على استعداد للاضطلاع بدور مسؤول وبنّاء في ترسيخ وتعميق تجربة التعددية السياسية الحزبية وإتاحة المجال أمام أحزاب أخرى للقيام بدورها كاملاً في الحياة العامة ، وهو أمر ضروري لضمان نجاح التجربة الديمقراطية لأن الانفتاح الديمقراطي سيوفر لها الفرصة للمزيد من الاتصال بالمواطنين ولاستقطاب القواعد الشعبية وتثقيفها وبالتالي تطوير الحياة بما ينطبق والنهج الصحيح ، وتعمل على صيانة التجربة الديمقراطية من كل أذى وتوفير الدعم لها.
وإذا استطعنا غرس هذه الديمقراطية بين القواعد الشعبية لاستطعنا من خلال ذلك تنظيم الحياة الحزبية وترسيخ الهيكل الديمقراطي على أسس متينة وفتح المجال أمام كافة الديمقراطيين من مختلف الاتجاهات والأفكار المشاركة في الحياة العامة وبالتالي تنتصر الديمقراطية على خصومها الذين لايؤمنون بها بل يؤمنون بالعنف كوسيلة للوصول إلى السلطة.
الكثير يؤمن أن الرأي الآخر ظاهرة صحية ودليل أكيد على حرية المجتمع وتفاعله مع الأحداث المصيرية وشهادة على أن الديمقراطية تتعزز ويتطور أداؤها بالممارسة اليومية . ويؤمن كذلك بأنه يتوجب إتاحة الفرصة لهذا الرأي ليقول رأيه في كل القرارات السياسية والمصيرية المتعلقة بهذا الوطن ، لكن يجب أن يكون ذلك من خلال الوسائل المشروعة والاحتكام إلى الآلية الديمقراطية لأننا أمام مسائل مصيرية وفي صراع رهيب ونحتاج إلى دفعة إلى الأمام وليس إلى وضع العصي بين الدواليب.
إن الرأي الآخر الوطني الفعال هو الذي يملأ الفراغ السياسي القائم ويشد الجماهير إليه وهو الذي يخاطب العقول بدلاً من مخاطبة العواطف ويتحدث بلغة الأرقام والحقائق بدلاً من لغة الشعارات والمزايدات وإظهار السلبيات دون ذكر الايجابيات ، ويتوجب على هذا الرأي أن يقدم للجماهير البديل المقنع والعقلاني لكل أمر تعارضه ، عندها نصبح جميعنا معارضة.
[email protected]