يرفع الكثيرون من أصحاب الأحزاب السياسية في عراقنا عقيرتهم بالشكوى من انخفاض أعداد المنتظمين فيها على الرغم من ارتفاع عدد الأحزاب وكثرة ألوانها وأشكالها وأسمائها . فإذا حاولنا الوقوف على الأسباب الكامنة وراء إحجام المواطنين عن الانخراط المتزايد في تلك الأحزاب بشغف وتلهف كما كان المتوقع والمأمول من قبل مؤسسي الأحزاب الجديدة أو ورثة الأحزاب القديمة على حد سواء يمكننا أن نقول بشيء من التعميم والتجاوز بأن هنالك أسباباً عديدة قد تكون من بينها:-
ـ إن الأحزاب الوسطية الشخصانية وبسبب من كثرتها وتشابه مضامينها وتماثل قياداتها ، لم يجد المواطنون الفرصة المقنعة لاتخاذ قرار الاختيار من بينها ، بالإضافة إلى أن غالبية قيادات هذه الأحزاب والقيمين عليها لاتحظى بثقة المواطنين بغض النظر سواء كان هذا الموقف من قبل المواطنين صائباً أو خاطئاً ، عادلاً أو ظالماً.
ـ لقد ضربت الأحزاب اليسارية ضربة موجعة بسبب انهيار المرجعية وتشتتها في عقر دارها ، فجلَّ مانشاهد اليوم على الساحة اليسارية لايعدو أن يكون بقايا تنظيمات سرية كانت تحيا في وهم كبير ، إذ كان القائمون عليها يعتقدون بأن الشعب كله يقف من ورائهم . فعندما خرجت تلك التنظيمات إلى النور والعلن تأكد الجميع بأن الأتباع كانوا قلة قليلة إذ أن هؤلاء الأتباع كانوا يتعاطفون فقط لمجرد أن تلك التنظيمات كانت ترفع شعارات معادية للحكومات التي استأثرت بالسلطة من غير مراقبة أو مساءلة من أحد أو جهة.
ـ أما الأحزاب ذات التوجه القومي والراديكالي بمجمل أطيافها فقد فشلت فشلاً ذريعاً في جميع مساعيها وممارساتها لافتقارها للمشاركة الشعبية . لذلك لم تعد هذه الأحزاب تجتذب الناس للانخراط في صفوفها.
ـ أما الجماعات الإسلامية وأحزابها فإنها أفضل من غيرها بحكم قدمها التاريخي ولو بأشكال مختلفة وتحت أسماء مختلفة ومتباينة فضلاً عن أن خطابها السياسي الموجه إلى الناس عامة والشعبية خاصة يلاقي صدى واسعاً وترحيباً عظيماً ، فالناس يؤمنون بأنهم سيحققون الأهداف المنشودة من رخاء وسعادة وهناء إن لم يكن عاجلاً فلابد أن يتحقق آجلاً . فضلاً عن أن هذه الأحزاب لم تجرب أو تختبر بعد في السلطة لا عندنا ولا في أي قطر عربي.
إن الأحزاب السياسية سواء القومية ، الراديكالية ، اليسارية ، أو الوسطية الشخصانية هي أحزاب أصحاب رؤوس الأموال ، أي إنها أحزاب تمتلكها الصفوة المقتدرة التي تحاول أن ترسم للشعب حاضره ومستقبله من منظور المصلحة الطبقية المهيمنة بحكم قدرتها الاقتصادية المالية وسلطتها السياسية الفئوية . فهذه الأحزاب تناضل حقاً ولكن في سبيل منفعتها الطبقية من غير أن تتمكن من الوصول إلى أوجاع الشعب الكادح والإحساس بنبضه وحاجاته الأساسية في حياة كريمة بعيدة عن الفاقة والعوز . فتخمة الأقلية هذه هي أصلاً حصيلة جوع الأغلبية الساحقة من الشعب.
وعلى الرغم من كل ما قيل أو يمكن أن يقال ، فلابد من العثور على أفضل السبل لاجتذاب المواطنين للانخراط في العمل الحزبي الديمقراطي ، لأنه لامفر من ذلك وهو الخيار الوحيد الأوحد.
وإلاّ فإننا لامحالة مرتدون إلى العهود الغابرة ، عهود السطوة الشللية التي مرغت اقتصادنا في الرغام وخلقت وراءها الآلام.