23 ديسمبر، 2024 2:54 م

في الاحزاب والحزبية العراقية – 2

في الاحزاب والحزبية العراقية – 2

لايزال الكثير منا يعتقد أن الأحزاب والحزبية هي سبب خراب الديار وتشتت القوى واختلاف الرأي ، ولايزال هناك من يطالب بعدم السماح بقيامها عندنا متذرعين بالمحافظة على الوحدة الوطنية ووحدة قوى الشعب وغير ذلك من المسميات . ولانريد القول من البداية أن مثل هذه الطروحات والأفكار غير دقيقة وأنها من رواسب عهود الاستعمار والتخلف والأنظمة السياسية السابقة ، عندما كان الحكام يريدون تشكيل الأنظمة والأوضاع وتكييف الاتجاهات السياسية والفكرية على هواهم وحسب أمزجتهم لضمان السيطرة والاستمرار دون أية معارضة أو رقيب.
إن طبائع البشر مختلفة وكذلك ميولهم واعتقاداتهم وأفكارهم ، ومن البديهي أن يجتمع ذوو الأفكار والعقائد المتشابهة في حزب واحد أو جماعة واحدة لتحقيق أهدافهم ونشر أفكارهم ، فإذا تم ذلك بأسلوب ديمقراطي عاش المجتمع في سلم وأمان ، أما إذا كان فرض الرأي والفكر يتم بالقوة والإرهاب ، فإن ذلك يؤدي إلى صراعات داخل المجتمع ، وقد يكون العنف والرد عليه من ظواهر مثل هذه الحالة.
فالأحزاب والحزبية هي مظهر للرأي والرأي الآخر ، وعندما تتم الممارسة في حدود القانون والنظام ، فإن ذلك من مظاهر الديمقراطية الحقة وسيادة الحرية وقيم العدالة واحترام حق الآخرين في اجتهاداتهم وأفكارهم حتى لو كانت مخالفة لآراء واجتهادات المقابل.
يذهب البعض للقول أن تجربة العراق في الأحزاب والحزبية لاتدعو للتفاؤل أو الإقتداء بها وأن تحويل الأحزاب إلى واجهات لحكم عشائري أو عائلي ليس سببه فكر الحزب أو مبادئه بل سببه عدم تعمق الفكر والمبدأ داخل نفوس الحزبيين ، فغلبت قوة العائلة والعشيرة على الفكر والمبدأ وحرفت مسيرة الحزب لصالحها وسببه عدم ممارسة الديمقراطية في انتخاب القيادات والمسؤولين وغير ذلك كثير من الأسباب.
ولكن ذلك لايمنع من الاستمرار في التجربة ومن الاستمرار بالتمسك بالديمقراطية وتعميقها ومن محاولة تقييم الأخطاء وتصحيحها . وأن فقدان أو عدم وجود بديل للحزبية والأحزاب في بلد ديمقراطي هو سوى قيام حكم فردي دكتاتوري أو عشائري عائلي ، ولذلك فالديمقراطية مع عيوبها البسيطة أو المحتملة خير من التسلط والإرهاب والحكم الفردي.
[email protected]