احترام الرموز الدينية عبارة عن ممارسة اخلاقية ذات وجهين , الوجه الاول احترام رموزنا الدينية , والوجه الثاني احترام الرموز الدينية لغير المسلمين.
هذا المبدأ جاء به الاسلام كفريضة على كل مؤمن , لذلك لم يسيء مسلم الى السيد المسيح عليه السلام عندما اساء رسام دنماركي مسيحي الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونشرت رسومه السيئة عدة صحف اوربية. ومن الجدير بالذكر ان صحيفة اوربية عندما اشارت الى الاحتجاجات والمظاهرات التي قام بها مسلمون في دول اسلامية وغير اسلامية لفت نظرها أنها لم تلمس من المسلمين الغاضبين والمحتجين اية اساءة لدين الرسام المسيحي ولا لنبيه عيسى ابن مريم عليه السلام , من دون ان تدرك الصحيفة ان هذا التصرف الاخلاقي هو ما جاء به النبي الذي اساء اليه الرسام , وهذا يشمل احترام كل الانبياء والمرسلين قبله عليهم السلام اجمعين .
ورد في الانباء ان مجموعة من الشبان المسلمين الشيعة هاجمت معسكراً لشركة اجنبية تعمل في مجال النفط ضمن حقل الرميلة , لأن احد منتسبيها من الاجانب امر بتنزيل الاعلام والصور التي رفعها عمال عراقيون بمناسبة عاشوراء , وقيل انه قام بتمزيق احد الاعلام , ولهذا فقد لجأ المهاجمون الى احداث اضرار مادية بمكاتب الشركة التي توقفت عن العمل , والى ضرب هذا الشخص الاجنبي ضرباً مبرحاً سالت دمائه بسببها مما ادى الى نقله الى احدى المستشفيات وهو بحالة خطرة .
في حادث آخر قيل ان موضفاً مصرياً انزل او مزق راية من الرايات التي رفعت بمناسبة عاشوراء , فهاجمته مجموعة من الشبان الشيعة وتم القبض عليه وامر رئيس الوزراء ابعاده عن العراق .
كل هذا الكلام منقول من صحف عراقية وليس مني .
الحسين عليه السلام هو ثائر وضحية وشهيد , وان ذكراه السنوية هي ادانة للظلم والعنف والقتل , ودعوة للسلام والتوحد والاطمئنان , وقد عبر عن ذلك رئيس الوزراء بقوله ( العراقيون اليوم بحاجة الى نهضة حسينية للتوحد وادانة الارهاب ) .
فهل ان اعمال العنف التي جرت في البصرة تمثل التزاماً بالمنهج الحسيني ؟ وهل ان انزال اعلام ورايات وصور هو, عمل تخريبي يستحق الضرب واسالة الدماء ؟ ومتى اصبحت الاعلام والصور رموز دينية مقدسة ؟
التقديس هو ليس بالشيء الدنيوي البسيط , التقديس هو امر يرتبط بالدين , ان الحسين نفسه عليه السلام هو رمز ديني اسلامي مقدس وليس الراية او العلم , ومن يسيء للحسين يسيء للدين .
قام الشيخ مجيب الرحمن رئيس بغلاديش بزيارة للعراق في منتصف السبعينات وقد نقل التلفزيون العراقي زيارته لمرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله , وقد شاهدته وهو يرفع الغطاء الذي يغطي المرقد ويستبدله بكساء جديد مزخرف جلبه معه من بنغلاديش , وعندما غادر المكان أخذ معه الغطاء القديم . كتبت وقتها كلمة عنوانها ( استبدال القماش بقماش ) قلت فيها ( يبقى القماش قماشاً لا يضر ولا يفيد ) بعثت بها الى احدى الصحف العراقية بواسطة صحفي يعمل بنفس الصحيفة , في اليوم التالي اتصل بي الصحفي واخبرني ان رئيس التحرير يؤيد كل ما ورد في ما كتبته الا انه يعتذر عن النشر لتعلق الموضوع برئيس زائر .
نعود الى موضوعنا فاقول ان ما قام به الشخص الاجنبي هو بلا شك خطأ , سواء كان مقصوداً او غير مقصود , لا لان الاعلام والرايات هي رموز دينية مقدسة , كما جاء في بعض الصحف ولكن , لصلة الحادث بذكرى مؤلمة على كل مسلم وهي استشهاد حفيد نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام , ان الرد على مثل هذا الخطأ ينبغي ان يخلو من اي شكل من اشكال العنف , بل يجب ان يمثل صورة حضارية للشعائر الاسلامية , مثل تقديم مذكرة تحريرية موجهة الى مدير الشركة التي ينتسب اليها ذلك الشخص يتم التعبير من خلالها عن الاستياء التام من تصرفات هذا الشخص والمطالبة بابعاده لتعلق الموضوع بشخصية دينية مقدسة . ان من يشاهد الفديو الذي يظهر الشبان وهم يوجهون اللكمات الى وجه وجسم الرجل والدماء تنزف منه يحس بحجم الاساءة وعدم الشعور بالمسؤولية في محرم الحرام .
هذه الحادثة المؤلمة تذكرني بالمظاهرة التي عبرت جسر الائمة في بغداد من الكاظمية الى الاعظمية قبل اسابيع والقائمون بها يلعنون ويسبون رموز اسلامية مقدسة ترتبط بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم , وكيف ان اهالي الاعظمية تجاهلوا الامر بشجاعة فمرت العاصفة بسلام وانطفأ فتيل الفتنة بين مذهبين من دين واحد , انا على يقين ان تصرف اهالي الاعظمية الحضاري سيلقى التقدير من قبل اهالي الكاظمية و سيوقف السب واللعن بين اصحاب الدين الواحد .
امير المؤمنين علي بن ابي طالب طلب وهو بين الحياة والموت عدم قتل من طعنه وهو يصلي , في عام 1959عفى الزعيم عبد الكريم قاسم عن الشباب الذين فتحوا عليه النار واصابوه , وفي عام 1981 عفى بابا الفاتيكان عن الشخص التركي الذي فتح النار عليه .
ختاماً اقول ان المبدأ هو (يجب ان لا يمر أي عمل , من اي جهة كانت , يسبب اساءة للدين الاسلامي ورموزه المقدسة من دون حساب وعقاب , كما يجب ان يعكس الحساب والعقاب الوجه الانساني الصحيح للاسلام ) .
بسم الله الرحمن الرحيم ( إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم ) .