كيف يحال بين الإسلاميّين والاضطهاد، وكيف يحال ديموقراطيّاً بينهم وبين الحكم؟ يتساءل حازم صاغيّة (الحياة 18 آذار- مارس 2017)، فلا يمكن أن تقوم ديموقراطية حقيقية بوجود برامج وكتل سياسية تتقدم إلى الانتخابات على أساس ما تعتقد أنه حق نزل من السماء، حتى لو كان هذا الحق الذي تؤمن به هو الديموقراطية والعلمانية نفساهما أو ما يتفق معهما. فالديموقراطية تعني أساساً عدم اليقين والنسبية في الأفكار والمواقف، ما يجعل المراجعة والتصحيح واحتمال الخطأ جزءاً أساسياً من النظام السياسي والاجتماعي السائد. ذلك أن نقص المعرفة وعدم اليقين هما الحقيقة الوحيدة التي تنشئ نظاماً سياسياً واجتماعياً ديموقراطياً، وفي ذلك تستحيل الثقة بمقولات الديموقراطية والتسامح والتعددية التي يقدم بها الإسلاميون أنفسهم حتى لو كانت صحيحة ومجربة أيضاً، إذ ليس مهماً في شيء أن تكون أيديولوجية دينية ما تؤمن بالديموقراطية أو تدعو إليها، ففي اللحظة التي تتحول القيم الديموقراطية إلى تكليف ديني تؤمن بها فئة من الناس على أنها الدين الذي نزل من السماء لا تعود قيماً ديموقراطية. هي أيديولوجيا دينية جميلة على أي حال، لكن الديموقراطية ليست معنية بما يؤمن به أحد من الناس على أنه الدين الصحيح الذي نزل من السماء، ذلك اعتقاد فردي يخصّ كل إنسان وحده، ولا علاقة لأحد به كما لا يجوز لصاحب الاعتقاد أن يسعى في تطبيق ما يؤمن به دينياً على المجتمعات والحكومات والأسواق حتى لو كان ما يؤمن به أفكاراً ومعتقدات صحيحة وعادلة، أو يعتقد أنها صحيحة وعادلة، فهي صحيحة وعادلة في لحظة معينة وفي مكان معين، لكن لا يمكن بشرياً الادعاء بصواب وعدالة فكرة أو مقولة إلى الأبد، ففي هذا التأبيد للصواب والعدالة لا يظل مجال لديموقراطية وتعددية، ما معنى تكرار الانتخابات على سبيل المثل؟
لكنه ليس نضالاً فقط مع الإسلاميين ليتحولوا إلى متدينين يعملون كمواطنين في ظل نظام سياسي وديموقراطي مستقل عن الدين، ويضعون ما يؤمنون به دينياً في مجال فردي، وقد يسعون في التأثير الاجتماعي على أساس من القيم الدينية التي يؤمنون بها باعتبارها قيماً مقترحة قابلة لأن تكون صواباً أو خطأ، وهم مستعدون أيضاً للإيمان باحتمال خطإهم وصواب الآخر! وليس فقط نضالاً لأجل مجتمعات عقلانية تصوغ أهدافها وأخلاقها وقيمها وأولوياتها على أسس عقلانية إنسانية، هي بالضرورة متعددة ومتنافسة ومختلفة في ما بينها لكن يجمع بينها الإيمان باحتمال الخطأ والصواب.
العقبة الأساسية والكبرى أمام مشروع ديموقراطي لا يضطهد الإسلاميين ولا يسلمهم الحكم هي النخب السياسية والجيوش السياسية وأنظمة سياسية صنعت الإسلام السياسي على عينها، وتشعر بالتهديد والخوف من الانحسار في حال نشوء مجتمعات عقلانية علمانية بالدرجة نفسها (وربما أكثر) التي تشعر بها جماعات الإسلام السياسي، ففي اللحظة التي ينحسر فيها الإسلام السياسي تنحسر أيضاً نخب وأنظمة سياسية تكرست مصالحها واحتكاراتها على أساس وجود الإسلام السياسي.
هكذا تظل اللعبة كما وصفها صاغيّة خيارات محدودة بين مرسي والسيسي، وأما العقلانية الاجتماعية والأخلاقية التي تحملها قواعد اجتماعية وتنشئ على أساسها قيمها وحياتها فهي عدو مشترك بينهما، وعلى أي حال فإن هؤلاء العقلانيين ليسوا كما يبدو سوى أقلية لا تملك جلد المواجهة والمغامرة، ولا فرصاً للتأثير، وتنحاز بطبيعة الحال الى الأقل ضرراً آملة بأن تأتي التحولات التقنية والاقتصادية بقيم جديدة مختلفة، لكنها قيم لن تكون في حال من الأحوال مستمدة من اتجاهات عقلانية ومعتدلة في الإسلام السياسي، يشبه ذلك أن ننتظر اتجاهاً ديموقراطياً في الجيوش والعساكر.
نقلا عن الحياة