23 ديسمبر، 2024 4:13 م

في أي مرحلة نحن اليوم ؟

في أي مرحلة نحن اليوم ؟

كنت دائما أتأمل خطبة الإمام على عليه السلام في وصف العراقيين التي يقول فيها ( مثلكم مثل الحامل إذا أتمت أملصت ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها ) وأسباب هذا التأمل عدت اذكر منها ما يلي :

1- إن تشخيص الإمام علي عليه السلام للأمور والأشياء تشخيص دقيق وتوصيف حقيقي ومتكامل لان كلامه فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق وهذه الحقيقة واضحة في جميع خطبه عليه السلام

2- إن هذه الخطبة تضمنت مراحل الفشل لعمليات التحول التي يمر العراقيون بها في فترات متعاقبة من الزمن كلما جاد عليهم بمتنفس وسنحت لهم الفرصة في إقامة دولة مزدهرة ذات حكم عادل نوعا ما والتي تكون نهاية تلك المراحل هي كارثة بكل معنى الكلمة

3- المراحل المذكورة في الخطبة تكررت أكثر من مرة خلال حقبات التاريخ كما ذكرنا في النقطة السابقة لكن بأسلوب يتلاءم مع طبيعة العصر وعلى الرغم من هذا التكرار فأن النتيجة تبقى واحده مع الأسف .

 كما نجد أن الأمام أبدع في تضمين كلمات الخطبة أسباب الفشل لكل مرحلة من مراحل التي سوف استعرضها بشكل مختصر ولكنه لم يظهرها بل أكد على النتائج والحالات وترك الأسباب لمختلف العصور مادامت النتيجة واحدة .

المرحلة الأولى ( مثلكم مثل الحامل )

الحامل التي أرادها الأمام في هذا الوصف التي لا تمتلك أولاد وقد بشرت بمولود بعد طول انتظار فاختيار الأمام لهذا الوصف عجيب لما تتحمله الحامل من أعباء في فترة الحمل وقد تعلق أملها بهذا المولود الذي تضحي بالكثير من اجله لكي يصل سالما ويعوض عليها شقاء الأيام والسنين ولكن ماذا جرى ويجري توضحه المرحلة الثانية من حال تلك المرأة وهي طبعا مثال يطابق حالنا في بدايات النهوض لتغير الواقع .

المرحلة الثانية ( فلما أتمت أملصت )

التمام هو بلوغها شهر الولادة لتصل إلى مرحلة قطف الثمار وما تحملته في أشهر الحمل أصبح من الماضي وبدأت تركز على أيامها هذه لتأخذها الثقة الزائدة والزهو بالنفس لطريق الهاوية وهي أن تأتي بعمل خاطئ في غفلة من الزمن لتسقط هذا المولود ميتا ( أملصت ) وهي تنظر بعين الحسرة والندامة لمولود قد طال انتظاره لا يحرك طرفا ساكنا لا تملك له بيدها حيلة ويا ليت الأمر ينتهي عند هذه الكارثة بل يتعدى إلى مرحلة جديدة مملوءة بالحزن واليأس لتدخل المرحلة الثالثة لمسيرة قد تكررت مرارا وتكرارا في مختلف العصور والدهور

المرحلة الثالثة ( مات قيمها وطال تأيمها )

قيمها هنا زوج المرأة الحامل التي أتمت و أملصت ولسبب أو أكثر رفع الله الزوج القيم المدافع عن هذه المرأة والحامي لها والذي قد يكون إلقاء اللوم عليه وتحميله أسباب لا يتحملها من أسباب هلاك المولود أو إن هناك نية غير خالصة لتلك المرأة لقيمها وزوجها بعد الولادة أو الزهو والثقة بالنفس المفرطة التي تبعد عن طاعة الله  وهنا الأمر يطول ولكن النتيجة واحدة هي هلاك الزوج لتبقى المرأة لا زوج ولا ولد في حيره طويلة من أمرها وضياع لأنها لم تشكر النعم ولم تتواضع لله لتكون نهاية الحيرة والضياع بداية المرحلة الأخيرة من مسيرتها تلك

المرحلة الرابعة ( وورثها أبعدها )

تموت المرأة بعد طول حيرة وألم وتعب وتضحية ليأتي وريث بعيد عنها كل البعد ليرث منها ما تركت وما تأملت لم يتحمل من أعباءها ولم يكن يوم يعيش ظروفها أو تربطه بها صلة قرابة حقيقية وإنما يفتعل له المجد الزائف ليكون متحكما بأمرها 

هذه المراحل مرت بتاريخنا للأسف أكثر من مرة فقد ورث معاوية والطلقاء  يوما هذا البلد وليعود المنصور الدوانيقي ليرث مرة أخرى ولنفس الأسباب لنصل إلى تاريخنا الحديث للتعود واضحة في ثورة العشرين ورحم الله ألجواهري الذي خلدها في أبياته المشهورة بعد استلام الحكم من قبل الملك فيصل الأول وريث الثورة والتي يقول فيها

ذعر الجنوب فقيل كيد خوارج       وشكا الشمال فقيل صنع جواري

وتنابز الوسط المدلل فلم يدع         بعض لبـــعض ظنه الـــفخاري

وتساءل المتعجبون لــــــحالة         نكراء من هم أهل هذي الـداري

فليوم بعد استعراضنا للحوادث بعد 2003 واتينا بالمراحل أعلاه هل يا ترى سيعيد التاريخ نفسه أم إننا سنتجاوز تلك العقدة التي طالما لازمتنا بعد التضحيات الجسام التي قدمناها هذا السؤال متروك للأيام والليالي لعلنا نفهم حقيقة ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) حتى لا يقول احد إني لو كنت في زمن فلان لما كان ما كان وعلينا أن نعرف حقيقة واحدة للخروج من هذه العقد ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )