23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

في أربعينية مشروع الخميني

في أربعينية مشروع الخميني

يقف النظام الإيراني، اليوم، على أعتاب أربعينيته التي يبدو أنها آتية ومعها ارتجاجات واهتزازات كثيرة يصعب عليه اجتيازها مثلما اجتاز ما قبلها.
ففي هذا اليوم، الحادي عشر من الشهر الحالي، تكون تسعة وثلاثون عاما قد صمدت خلالها فلسلفة الإمام الخميني في وجه العواصف التي ثارت في وجهها، حتى ظن ورثته المعممون المسلحون أنهم قد انتصروا فيها، وحققوا أهدافها، وتمكنوا من تصديرها إلى عواصم عربية مهمة، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأنهم أصبحوا أقرب، أكثر من أي وقت مضى، من استكمال احتلال عواصم عربية أخرى. حتى صدقوا أنفسهم وآمنوا بأن نظام إمامهم ووريث إمامهم سيُصبح، إن لم يكن قد أصبح فعلا، وليَّ أمر شعوب المنطقة كلها، والقادر على مناطحة القوى الدولية العظمى والانتصار عليها وإجبارها على الاعتراف به قوة إقليمية عظمى لا تقاوم.
وقد وقع في مثل هذه الوهم قبلَهم كثيرون، ثم اكتشفوا في النهاية أنهم كانوا يحلمون، وأن ما بنوه لم يكن أكثر من برج رملي على شاطيء بحرٍ هائج مسحته الموجة العاتية المفاجِئة، وهم غافلون.
ولا نريد هنا أن نفصل واقع الحال الذي جعل ورثة الإمام الخميني يتسللون إلى بغداد ودمشق، ويتمكنون من وضع أقدامهم في بيروت وصنعاء.
ولكن القاريء المتابع لأحداث المنطقة، في النصف الثاني من القرن الماضي، يعرف جيدا أنهم فشلوا في احتلال أية مدينة عراقية والبقاء فيها، رغم كل ما قدموه من قتلى ومصابين ومفقودين، وما أحرقوه من أموال طائلة لو أنفقوها على شعبهم لتمكنوا من احتلال قلوب المعوزين منهم، ولأغلقوا الباب على أية انتفاضات أو ثورات متوقعة ربما ستُسقطهم في يوم من الأيام.
فلولا الغزو الأمريكي للعراق، ولولا قرار الإدارتين الجمهورية والديمقراطية الأمريكية أن تغضا نظرَهما عن تدفق مليشيات النظام الإيراني ومخابراته، واستكمال هيمنته على الدولة العراقية بغطاء وكلائه العراقيين، لما تمكن من القفز من بغداد إلى دمشق، ومنهما إلى صنعاء.
ويكذب رئيس الوزراء حيدر العبادي، وينافق ويزور حين يدعي بأن “نسبة تدخل إيران في صناعة القرارات العراقية يساوي صفراً”.
فرفاقه (المجاهدون) في بدر والعصائب وحزب الله العراقي والنجباء وباقي مليشيات الحشد الشعبي لا يعترفون، فقط، بالتدخل الإيراني في كل صغيرة وكبيرة من شؤون العراق، بل يفاخرون بأن القرار النهائي في أي أمر عراقي كبير هو لولاية الفقيه.
وإيران، ذاتُها، وعلى ألسنة أغلب قادتها العسكريين والمعممين، تباهت مرارا وتكرارا بذلك التدخل.
ومؤخرا أعلن العميد حسين سلامي نائب قائد حرس الثورة، بصراحة، أن إيران تخطط لاستخدام الجيش العراقي في الدفاع عن أراضيها في صد أي هجوم أميركي عليها. مؤكدا أننا “نعتبر الجيش السّوري والعراقي العمق الاستراتيجي لنا”.
ونكاية باعتراف العبادي الصريح بأهمية الدعم العسكري الجوي والبري الذي قدمته القوات الأمريكية والغربية الأخرى للجيش العراقي في حربه مع داعش، فإن قيادات مليشيات الحشد الشعبي تطالبه، وهو العبد المأمور، بطرد تلك القوات، وتهدد صراحة بقتالها إن لم تغادر قواعدها في العراق.
وسواء بقيت القوات الأمريكية أو غادرت فإن شيئا لن يحدث لتبديل الواقع المعاش في العراق. فإيران هي قوة الاحتلال الحقيقية الوحيدة المهيمنة على مفاصل الحياة المدنية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتعليمية والثقافية فيه، ولا خلاص للشعب العراقي من أسرهاـ في المدى المنظور، بقواه الذاتية وحدها.
فإيران، بهيمنتها الكاملة على وزارة الداخلية والقوى الأمنية، لابد أن تكون وحدها القادرة على تقرير نتائج الانتخابات المقبلة، مهما بذلت القوى الوطنية التحررية من جهود.
ومعنى هذا أن وكلاءها العراقيين، وكثير منهم يحملون الجنسية الإيرانية أيضا، باقون على رأس الوليمة، بل سيتسلمون مقاعد الأغلبية في البرلمان القادم، وسيكون الاحتلالُ الأجنبي الإيراني وجودا شرعيا بمباركة الممثلين المفترضين لإرادة الشعب العراقي.
ويتفق العراقيون والعرب والأجانب على أن سبيل الخلاص الأوحد الباقي لتحرير العراق وسوريا من هذا الواقع المزري لن يتحقق إلا بواحد من احتمالين،
إما أن يستبدل النظام الإيراني طبيعته العدوانية الاحتلالية بأخرى عقلانية واقعية مسالمة مع شعبه ومع دول الجوار، وهذا من رابع المستحيلات، أو أن يتحقق حلم الجماهير الإيرانية الديمقراطية وتهبَّ الانتفاضة الشعبية القادمة لتطيح بالنظام. وهذا أمر لا يتوقعه المتضررون من السلوك العدواني الإيراني وحسب، بل يحذر من حدوثه المحتوم قادةُ النظام الإيراني أنفسُهم، أكثر من غيرهم بكثير.
فقد أعرب رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية، أحمد جنتي، عن قلقه بشأن مستقبل النظام في بلاده بعد الاحتجاجات التي طالب فيها المتظاهرون بتنحي المرشد الأعلى خامنئي، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات، قائلا:
“أنا قلق بشأن ما سيحدث في الأعوام القادمة. علينا من اليوم أن نصل للشعب ونسمع آلامه، ولا نعزل أنفسنا عن المواطنين. الأوضاع المعيشية سيئة للغاية”.
وذكرت وزارة الداخلية الإيرانية في تقريرها الذي رفعته إلى حسن روحاني أن “30% من الشعارات في الاحتجاجات كانت اقتصادية، و70% سياسية، وأن 75% من الناس كانوا متعاطفين مع المتظاهرين في 80 مدينة إيرانية”.
هذا مع تزايد تأثيرات العقوبات الدولية على اقتصاد إيران المتعثر المُتعَب، وتراجع عملتها، وتوقف صادراتها النفطية والزراعية والصناعية إلى دول المنطقة، وازدياد المخاوف من اندلاع انتفاضة إيرانية في موسم الانتخابات المقبلة.
كل هذه العوامل، مجتمعة، تبرر لجوءَ القادة الإيرانيين إلى تأكيد تبعية العراق وسوريا لنظامهم، وتذكير أعدائهم، وهم كثيرون، بأنهم “قادرون على إطلاق عدد ضخم من الصواريخ، ومن كل الأنواع، في اتجاه أهدافها”. و”ليس منطقياً أن يحصر أي بلد نطاق أمنه داخل حدوده، ونحن نعتبر الجيشين السوري والعراقي عمقنا الاستراتيجي”.
والسؤال المهم، هل العراق وشعبه على موعد مع الحرية والانعتاق وانقشاع الكوابيس في أربعينية نظام الولي الفقيه؟ أللهم آمين.