في سنوات الدراسة، كنا نمر على أهوار جنوب العراق، وكأنها مجرد مسطحات مائية، ولعل الحديث عن المشحوف وبيوت القصب التي تطفوا على مياهها، كل ما في الموضوع، فيما نعدد عن ظهر قلب أسماء هذه الأهوار مع اخطاء في اللفظ بسبب شدّة أو حركة غفلها الكتاب، بينما لايوجد تصور لشكل وطبيعة هذه المسطحات أو البطائح الا من خلال مخيلات نطلق لها العنان كل بحسب رؤاه، لأن أكثرنا لم يزرها سواء في سفرة مدرسية علمية أو سفرات سياحية، في حين يضيف الأستاذ بعض معلوماته المتعلقة بأسماكها والطيور المهاجرة اليها، وينتهي كل شيء، في وقت يصف باحثون ومستكشفون أجانب الأهوار بالجنة، لكن العراقيين لم يكتشفوها ولم يتعرفوا على أسرارها وجمالياتها، برغم عمقها التأريخي الذي يمتد الى الحقبة السومرية، بحسب المصادر التأريخية التي أكدت أن السومريين استوطنوا الاهوار في الألف الرابع قبل الميلاد و هم من اقدم الشعوب العريقة التي وضعت لبنات الحضارة الأولى في القسم الجنوبي من العراق القديم الذي عرف ببلاد سومر.
وفي خضم الكلام الذي يتداوله العراقيون من دون تأصيل أو نقل موثق على ذمة ” يكولون” يأتي الحديث عن عرض إيطالي قدم الى العراق من دون ذكر سنة أو تأريخ، أو حتى أسم الشركة والنظام الذي كان سائداً في العراق، لكن ناقلها يقولها بكل ثقة، بشأن إستثمار الأهوار لتكون فينيسيا أخرى، أو تاجر بندقية، وكان يشدنا الحماس الى حد شتم الإجراءات العقيمة للحكومة التي تحكمها عقدة الشركات الإحتكارية، والحفاظ على الإستقلال الوطني وثروات البلاد الإقتصادية، من دون ان تقدم أي مشروع بديل يحول هذه المنطقة الى مرفق سياحي مهم، يمكن أن يشكل مورداً مهماً من موارد الإقتصاد الوطني.
وخلال حرب الثمانينات، كانت الأهوار ترفد القطعات العسكرية في قواطع العمارة والناصرية والبصرة بالأسماك، فيما تشكل موارد زراعية وحيوانية أخرى، قبل أن تتحول الى مراكز إيواء للإفرارية، وتصبح منطقة محظورة نتيجة المواجهات المسلحة، التي انتهت بتجفيف مياهها من خلال تغيير مجرى المياه، ما أدى الى نفوق كائناتها الحية الى حد الإنقراض وتدهور انتاجها الزراعي والحيواني، وهنا برز تأثير آخر لهذا التجفيف على دول الإقليم المجاورة للعراق، حيث ارتفعت درجات الحرارة عن معدلاتها، ليكتشفوا وظيفة أخرى للأهوار في تخفيف حدة الحرارة، وهذا الكلام كان هو الآخر يتم تناقله من دون توثيق أيضاً، لكنه كسابقه يعد من المسلمات التي لاتقبل النقاش أو الفصال، مع غياب القائل الأول، والقائل الأخير.
ما يهنا أن المدن العائمة في منطقة الأهوار التي سكنها الإنسان قبل 5000 سنة، وتحمل إرثاً حضارياً، وسياحة طبيعية، أصبحت مؤهلة أكثر من ذي قبل لتكون مركز إستقطاب للسائحين والباحثين من أنحاء العالم، ولاسيما بعد أن صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الأحد الماضي بإجماع أعضائها على ضمها الى جانب مناطق آثارية أخرى في العراق إلى لائحة التراث العالمي، وهذا المنجز الكبير يحتاج الى إجراءات مكملة عبر سن قوانين تمنح تسهيلات للمستثمرين لبناء منتجعات سياحية فيها، وعدم الإكتفاء بضمانات بقاء تدفق المياه اليها من دون ان تكون هناك برامج حقيقية لتكون فينيسيا العراق، وأحد موارد الميزانية العامة.