23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

لم يتوقف عن الحديث بشئ من التفصيل الممل رغم انه مازال طفلا لم يبلغ الخامسه من عمره بعد, قطع حديثه صوتا يقول هذا يطٌير فياله وكانت اول مرة اسمع فيها وصفا مثل هذا,. من اين تعلم طفل صغير هذا السرد الممل في التفاصيل وكأنه تخرج من مدرسة الادب الطبيعية و المدهش حقا ان الذي يطير فياله هو فن ان صحت التسميه لايبرع فيه الاطفال بل يبدع فيه الكبار ايضا وهم يسردون احاديثهم يريدون ان يسرقوا الاضواء ويكونوا مركز استقطاب الجميع , كل العيون يجب ان تبقي شاخصه معلقه بهم بكل حركة من حركاتهم و تشعر بحجم مايغتمرهم من سعادة حين ينصت الجميع اليهم ويراقبون ما يفعلونه و مما يقولونه ,يزيد هذا من انفعالهم ,يجعلهم يطورون من ادائهم فتشعربهم وكأنهم على خشبة المسرح وانهم امام جمهور عريض يراقب ادائهم بدقة واهتمام.
قال فلان الفلاني كنت جالسا في مجلس فالتفت ناحية اليمين فرأيت رجلا فقلت لنفسي منو هذا… لك هذا علاوي… نعم انه علاوي نفسه رئيس الوزراء العراقي السابق يمسح الحضور بنظرة شامله ليراقب تأثير كلامه قبل ان يواصل السرد.. اليك واحد اخر قال… ضجت من كعدة الطيارة فكلت لنفسي اروح للكابينة اطكلي جكارة وي الطيار..اعرفه من زمان.. واحد اخر قال كنت جالسا في احد العصاري احتسي الشاي فاذا بطاىرة هليكوبتر تهبط في حديقة البيبت … نزل منها رجلان بملابس عسكرية وتوجها الي وقالا السيد الرئيس صدام حسين يريدك بمهمه عاجلة. لاتظن ان من يسرد عليك مثل هذه الترهات تقمص الدور تماما ولم يعد هو نفسه يعرف كذبه من صدقه.
احببت ان امازح الطفل اللي يطير فيال وان احادثه بنفس لغته فقلت له وكنت ادخن الأرجيلة هل تعرف انا استطيع ان اخلطك بالمعسل وان ادخلك الى الشيشة وامزجك بالماء واخلطك بالدخان ثم اخرجك من فمي مع الدخان وانت تسعل ,نظر الي مبحلقا وكأنه يحاول ان يسبر اغواري ويتأكد ان كنت جادا فيما اقول وهززت رأسي موافقا من اني افعلها فانكر ان يكون ذلك صحيحا وصار يفند ادعائي بالحجج وانا ادافع عن فيلي اللي جعلته يطيراعلى من خياله حتى سقطت كل حججه ,صدق وانخرط يبكي بحرقه.
ماذا نفعل ازاء هؤلاء اللذين يسردون علينا حكايات الف ليله وليله في العصر الرقمي, هل نلعب دور المغفلين ونريهم اننا بلعنا الطعم ونصدق مما يقصون علينا. هل نحاججهم ونقطع عليهم الطريق ونصارحهم بحقيقة انفسهم ام اننا وهذا الخيار الافضل وهو ان نجاريهم في كذبهم وغلوائهم فنقص عليهم حكايا ومواقف اكثر منهم تزويرا وتلفيقا وخيالا.
لكن لادخان من غير نار والامور لاتفهم على ظاهرها فقد ثبت لي بان (يطيّرفياله) لها اصلها و مصدرها هو كتاب مدينة المعاجز في الجزء الثالث ص 141
يقول فيه ’ ابو جعفر بن جرير الطبري قال حدثنا احمد بن منصور الزيادي قال حدثنا شاذان بن عمر قال حدثنا مرة بن قصيبه ابن عبد الحميد قال قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر(ع) قد صنع فيلا من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب الى مكه ورجع عليه فلم اصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر فقلت له: اخبرني جابر عنك بكذا وكذا فركب وحملني معه الى مكه وردني’
ولهذه الروايه اكثر من مصدر فقد ذكرت في كتاب صحيفة الابرار في الجزء الرابع منه ص 58
وهكذا بقي علينا ان نفهم ان الناس تضحك على من يضحك عليها ويسخر من عقولها ويستهزأ بها ولكن ليس كل الناس فمنهم من يصدق ان الفيل يطير بل انه يحلق عالياً اكثر من الطير نفسه.