لو أن مايجري في العراق منذ سقوط نظام صدام أنتج كفيلم سينمائي ، لاعتبره النقاد فانتازيا سياسية صادمة، لا علاقة لها بالواقع، ولا يجوز تصديقها، واتهموا الكاتب بأن قصته مفككة، وغير مقنعة، لكنهم لا شك سيثنون على المخرج الذي يصنع من البعرة أغلى عطر في العالم Imperial Majesty.
ولن تندهش عندما تشاهد في فيلم “السقوط” أن لا فرق بين الأشرار والأخيار، وكلهم في الهوا سوا، وأن أصدقاء البطل ينضمون الى الأشرار، مو بكيفهم فالمخرج عاوز كده.
ولن تتسائل بالطبع لماذا في فيلم “السقوط”، ترى البطل والشرير ينتهي رصاص أسحلتهم فى نفس الوقت عندما يخرجون للمواجهة من وراء الحائط .
سيبدو واضحاً من تتابع الوقائع أننا أمام مخرج قدير يغير حبكة الفيلم كيف يشاء، ففجأة يصبح البطل وحيداً يتآمر الجميع(ومعهم حلفاؤه) على قتله أو طرده لكنه دائماً يخرج من المعركة حياً لم يصب بخدش ولو كان بسيطاً، لأن المخرج عالج بفنية عالية نواقص القصة، وصحح بحرفية واضحة عيوب السيناريو، وصنع من ممثلي كومبارس فاشلين ، أبطالاً وقياديين،: القيادي في التيار الصدري والقيادي في دولة القانون والقيادي في القائمة العراقية والقيادي في الحزب الاسلامي ومن ها المال حمل جمال..
ومع تصاعد الأحداث في الفيلم حتى انحصرت البطولة في فرسي رهان لا ثالث لهما، يستطيع المشاهد أن يدرك بوضوح أن المخرج كان عاوز كده، وأن الايقاع الدرامي ظل يتطور في هذا الاتجاه من المشهد الأول الذي افتتح به الفيلم ، ولا يخل بقيمة الفيلم الفنية وضع مشاهد عن معركة الفلوجة عام 2004 في تتابع زمني جديد للأحداث تقع العام 2013 .
وحين نتذكر المحطات الرئيسة خلال الفترة الزمنية التي يغطيها الفيلم على مدار سنوات “السقوط” ، سنكتشف ذلك الانحياز المتنقل للمخرج بين أبطاله ونجوم فيلمه، وسوف يتأكد لنا أن المخرج أراد أن يضع المشاهدين في حيرة من أمرهم أمام الخيار المر بين بطلين، كلاهما شرير، أحدهما لا تستطيع أن تتغافل عن الشر المتمكن منه خوفاً من أن تقع في براثن الشر الكامن في خصمه اللدود.
واذا كنا مضطرين اليوم للكتابة عن الفيلم قبل أن يسدل عليه الستار، فإننا لن نجازف بتصورٍ للنهاية على غير ما يريد المخرج الذي يبدو متعاطفاً من اللحظة الأولى مع أحد البطلين ، أدخله الكثير من المآزق وأخرجه منها. وحين بدا للمشاهدين أنه خرج من اللعبة نهائياً بعدما أصابته رصاصة قاتلة، أعيد مرة أخرى الى الواجهة بدون تفسير درامي مقنع، ما يعني أنه لن يسمح بقتله مرتين في الفيلم، وغير متصور أن المخرج سوف يترك الغريم التقليدي لبطله يفوز بدور البطولة منفرداً، لأنه إن فعل يُفقد الفيلم نكهته المصاحبة له منذ ” السقوط ” ، وربما أدخله النقاد على قائمة أفلام ” الربيع العربي ” والبطل الشاهد العيّان ( بتشديد الياء) الذي تستضيفه قنواتنا الفضائية الإخبارية في نشرات الأخبار على أنه شاهد عِيان ينقل ما تراه عيناه ، لكنه يتحدث كزرقاء اليمامة عن معارك متعددة يخوضها الثوار مع قوات النظام في وقت واحد في مناطق مختلفة يحتاج التنقل بينها الى ساعات( وهو يشاهد كل ذلك بعينيه ) ، ويقول من هاتفه النقال الذي ما تخلص بطاريته: صرنا مثل الحسين وأهل بيته في يوم عاشوراء ، لا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت !.
سألت المذيعة شاهد عَيّان : كيف تتكلم من هاتف غير مشحون؟.
أجاب : المخرج عاوز كده.. .
والعاقل يفهم.
مسمار :
غرافيكس لفيلم “السقوط” : صحيفة واشنطن بوست حذرت من استغلال القاعدة في العراق وتنظيمات مسلحة أخرى استغلال الوضع في الأنبار ما ينذر بحركة تمرد جديدة!..