23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

فيلق مستشاري رئيس الجمهورية

فيلق مستشاري رئيس الجمهورية

في عام 2005 كتبت مقالا نشر في جريدة ” ايلاف ” اللندنية بعنوان ” طالباني مالي هدومه ” تحدثت فيه عن المزايا التي يتمتع بها الرئيس الراحل مام جلال والتي أهلته لقيادة العملية السياسية في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق الذي كان على وشك التعرض لهجمة إرهابية غاية في البشاعة ، حيث تقاطرت القوى الإرهابية من كل حدب وصوب تجاه العراق الجديد . وقلت أن إنتخاب طالباني لمنصب الرئاسة هو دعم قوي لإنجاح العملية السياسية الناشئة في تلك المرحلة ، لأن طالباني كما خبره العراقيون فيما بعد ، كان بحق رمزا وطنيا جمع حوله كل القوى السياسية المتناحرة ، وأصبح بالفعل هو الخيمة الواسعة التي يستظل بها جميع المكونات العراقية بمختلف إنتماءاتها .

كانت الخبرة السياسية الواسعة والممتدة عبر أكثر من نصف قرن تقريبا ، ساعدت طالباني في أن يكون هو أنجح رؤوساء العراق قاطبة ، وأكثرهم قبولا وإحتراما من قبل جميع المكونات السياسية والعرقية والمذهبية ، ولذلك حين لجأ الى إحاطة نفسه بمجموعة كبيرة من المستشارين ومن مختلف الاتجاهات ، إنما كان يهدف من وراء ذلك أن يكون لكل مكون و جهة سياسية ممثلا لهم في القصر الرئاسي يساعدونه في مهماته ، ولم يكن الرئيس طالباني يمارس بذلك سياسة الإسترضاء ، بقدر ما كان هدفه هو ضمان مشاركة الجميع في قراراته وفي إدارته . فهو كأحد أبرز الزعماء السياسيين العراقيين الذي يتمتع بسمعة مشرفة في الأوساط الدولية والإقليمية والمحلية ، لم يكن بحاجة لسياسة الإسترضاء كما نراه اليوم في عهد الرئيس الحالي الدكتور برهم صالح .

فطاقم المستشارين المحيط بالرئيس اليوم يبدو واضحا من تركيبته أنهم جميعا من عائلات وأقرباء المسؤولين السياسيين الكبار في الأحزاب العراقية والكردستانية . وقد سمعنا مؤخرا بأنه بصدد تعيين مجموعة أخرى مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيسه مسعود البارزاني في طاقمه الإستشاري بعد أن تمت المصالحة بينه وبين هذا الحزب . ولا خلاف من أن هذا الحزب له الحق أيضا بأن يكون له ممثلين في الطاقم الرئاسي ، ولكن حديثنا لاينصب على هذه المجموعة الجديدة الوافدة الى الرئاسة ، بل تركيزنا هو حول الفيلق الكبير من المستشارين الذين يملئون قصر السلام ببغداد ويكلفون الدولة أموالا طائلة دون أن يكون لهم أي عمل مجد ينتفع منه العراقيون . فأكثرية من تم تعيينهم في منصب المستشار هم من أبناء أو أقرباء المسؤولين الكبار ، والغرض الأساس من تعيينهم هو إسترضاء القادة السياسيين بتوزيع تلك المناصب رغم أن الدكتور برهم صالح كما يحاول أن يروج لنفسه هو رجل دولة تكنوقراط يبحث عن أشخاص أكفاء لمساعدته في شؤون الإدارة ..

المهم أن الدكتور برهم يحاول في العديد من مواقفه السياسية والإدارية أن يقلد مام جلال ، رغم أنه في مرحلة من المراحل قد تنكر تماما لهذا الرجل الذي كانت له أفضال كثيرة عليه ، فطالباني هو الذي مهد له الطريق للوصول الى ما وصل اليه اليوم ، ولكن برهم لم يتوان عن الإنشقاق من حزب طالباني وتأسيس حزب معارض له ، بل حتى محاربة الاتحاد الوطني في الكثير من المواقف ، رغم أنه وصل الى منصبه الرئاسي الحالي بمساعدة حزب طالباني وأسرته ..

في التراث العربي هناك مثل يضرب في ” الغراب البين الذي ضيع المشيتين ” حيث أراد الغراب أن يقلد مشية العصفور الرشيقة ، لكنه تعثر مرارا ، ثم نسي الرجوع الى مشيته الأصلية ، وهذا المثل ينطبق تماما على الدكتور برهم صالح الذي ضيع مشيته الأولى وصار يمشي معوجا وهو يصر على أن يقلد طالباني، ولم تجد محاولاته في تغطية مشيته المعوجة عبر سفراته الخارجية المكلفة وإصداره لتصريحات خارج سياق سلطاته الرئاسية وإحاطة نفسه بفيلق إستشاري لإرضاء أعدائه وأعوانه معا .

فهل ياترى سينجح في العودة الى مشيته السابقة ، أم أنه سوف يستمر في مشيته المعوجة فيتعثر لامحالة ؟؟؟