23 ديسمبر، 2024 3:59 م

فيصل الثاني : من التتويج الى المأساة

فيصل الثاني : من التتويج الى المأساة

أعترف أن عواطفي وقناعاتي ليستْ إيجابية ازاء الحقبة الملكية في العراق (1921 – 1958) . ومع ذلك علينا التفريق بين (العائلة الملكية) من جهة ، والنظام الملكي العراقي من جهة ثانية . (العائلة الملكية) ، باستثناء الامير عبد الاله ، مجرد واجهة أو (ديكور) ، لمنظومة حاكمة . أبرز مكونات هذه (المنظومة) : السفارة البريطانية ، وبعض الرموز االسياسية (نوري السعيد) خاصة ، وبعض الاحزاب الموالية ، وبعض كبار الضباط الموالين ، وكذلك الامتداد الاقطاعي .
    وفي رقبة النظام الملكي تتدلى قائمة من الأخطاء الكبيرة . ولكن الذي خفَّف من سلبيات النظام الملكي ، الاخطاءُ الخطيرة للعهود الجمهورية المتعاقبة ، وان كانت الاخطاء متفاوتة في سعتها وتأثيرها من         عهد جمهوري لآخر . لكن (أخطاء الجمهوريين) لاتمنح شهادة براءة للملكيين .
العائلة المالكة
    نعود الى العائلة المالكة .
    في جريدة الزمان الصادرة يوم (8/10/2013) ، كتبتُ تحت   عنوان : رفقاً بالمليك) ومما جاء فيه : (باعادة تمثال الملك فيصل الى مكانه ، وباعادة الاعتناء بالمقبرة الملكية في الاعظمية ، وباعادة تسمية الملك غازي بدلاً من تسمة (شارع الكفاح) ، أُعيدالاعتبار ، الى حَدٍّما ، للعائلة الملكية التي حكمتْ العراق ، وفي المقدمة منها : الملك فيصل الاول) .
    وعبر بريدي الالكتروني ، جائتني رسالة بتاريخ (9/10/2013) ، من صديق عراقي مغترب ، تحوي ملاحظات قيمة حول : التماثيل والساحات واسمائها. ولكني توقفتُ عند جملة ، وردتْ في الرسالة ، وهذا نصها :
(.. وبتذكرك لفيصل الاول وغازي ، عساك أن تتذكر مليكنا المسكين فيصل الثاني ..) .
    واتماماً للمعلومات ، اكتب الآن عن آخر ملك هاشمي في العراق . وجاء في المصادر ذات الصلة :
تربية ارستقراطية
    هو الملك فيصل الثاني بن الملك غازي بن الملك فيصل الاول بن الشريف حسين (ملك الحجاز) ، بن الشريف محمد بن عبد المعين بن عون …. ، هكذا وَرَدَ في شجرة نسبه الذي يتصل بالحسن المثنى بن الامام الحسن بن الامام علي بن ابي طالب .
    ولد في بغداد عام 1935 ، وحصل على تربية أرستقراطية . وأخذ مبادئ الحياة العامة عن أساتذة كبار . ونودي به ملكاً على العراق في السادس من نيسان عام 1939 ، تحت وصاية خاله الامير عبد الاله . وفي سنة 1947 ، درس في مدرسة (ساندويد) بانكلترا ، ودخل كلية (هارو) في سنة 1949 ، وتخرج فيها سنة 1952 . ثم عاد ليتولى سلطاته الدستورية يوم (2/ مايس (أيار) / 1953) ، حتى يوم (14/تموز/1958) .
    وأتذكر : قام الملك ، عام 1954 ، بجولة على محافظات (ألوية) العراق . وكانت إحدى محطات جولته محافظة واسط (لواء الكوت) ، ومنها سك موكبُه الطريقَ البري ، ماراً بمدن : الحي وقلعة سكر ، والرفاعي والنصر والشطرة ، فالناصرية . وفي لقاء أجريتُه في ثمانينات القرن الماضي مع الاذاعي (محمد علي كريم) ، وهو ضمن البعثة الاعلامية المرافقة للملك ، ذكر ان الملك والامير عبد الاله وحاشيتهم ، باتوا ليلتهم في مدينة الناصرية ، وانعقد ليلتها مهرجان أدبي تبارى فيه الشعراء بالترحيب بالملك .
    ويضيف الاذاعي محمد علي : صباحاً توجه الوفد الى مدينة سوق الشيوخ ، سالكاً الطريق النهري (نهر الفرات) ، وعلى جانبي الطريق تجمعت عشائر عديدة ، مرحبة بالملك عن طريق الهوسات (العَراضة) .
    وأتذكرُ أيضاً : أن موكب الملك فيصل الثاني وصل مدينة سوق الشيوخ . ومع أن عمري ، آنذاك ، لا يزيد عن (12) سنة ، فقد كنتُ ضمن جماهير غفيرة على ضفة النهر ، عند مدخل المدينة ، مقابل محلة (الصابئة المندائيين) ، نرحب بالملك ، بالهتاف والتصفيق . وقد اقترب منا كثيراً الزورقُ الذي يقل الملك وحاشيته ، وشاهدتُه والى جانبه خاله الامير عبد الاله . كانت (هُوْستُنا) هي : إِلشايِفْ وَجْهَكْ شايِفْ كِلِّ الخير .
    ويذكر التربوي الراحل يعقوب كاظم الحمداني ، في كتابه الذي حمل عنوان : (أمالي الحياة ، وفاءً لسوق الشيوخ) ، : (لقد احتفت سوق الشيوخ بهذه الزيارة الكريمة . وقد إزدانت الشوارع ومركز القائمقامية في الثكنة ، وتم السلام عليه في قاعة أُثثتْ في مركز الثكنة ، وأُقيمتْ وليمة كبيرة أقامتها بلدية سوق الشيوخ باسم أهالي القضاء ، ونحرتْ الذبائح) .
    ومن شرفة القائمقامية ألقى الملك فيصل الثاني خطاباً ، وأقدر أن لا أحد سمعَهُ ، لصوته الهادئ ، وبعده عن الجماهير المحتشدة ، ولأنها مشغولة بالهوسات ..
لماذا التعاطف ؟
    الكثير من عامة الناس تعاطف مع فيصل الثاني : طفلاً وملكاً ونهاية مأساوية ، حين قتل يوم (14/تموز/1958) . وكان ذلك موقفاً عاطفياً إنسانياً ، وأن الملك لا صله مؤثرةِ بالأحداث التي عاشها العراق ، بل كان مغلوباً على أمره ، تحت سطوة نفوذ السفارة ، و(وصاية) عبد الاله القاسية عليه ، حتى بعد أن أصبح فيصل الثاني ملكاً .
    وفي مذكراته التي حملت عنوان (مهنتي كملك) ، يذكر الملك حسين المعلومةَ التالية : (كنتُ في لندن ، أنا ((الملك حسين)) والملك فيصل الثاني ، والامير عبد الاله . وفي السيارة التي تقلنا ويقودها عبد الاله ، دار حديث تضمن تعنيفاً شديداً للملك فيصل الثاني من عبد الاله . ولم أتحمل هذا التعنيف والقسوة ، فغادرتُ السيارة وصفقتُ الباب خلفي بقوة) . وهذا مثل مؤلم واحد .. .
    ولفيصل الثاني كتاب واحد ، طبع في القاهرة سنة 1951 ، عنوانه : (أساليب الدفاع عن النفس) . ولكن يبدو أن هذا الملك الشاب لم يطبق أساليب الدفاع عن نفسه ، فسقط مضرجاً بدمائه .