7 أبريل، 2024 12:05 ص
Search
Close this search box.

فيسبوك لو تويتر.. سؤال العصر!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لا أنكر مقدما انني من مشجعي ومدمني تويتر منذ سنوات وقد اعطاني الكثير, مع ان الفيس يلعب دورا كبيرا في حياتي الخاصة العائلية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية والتنظيمية منذ سنوات ايضا. وهو حال الكثير منا مع وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المتعددة التي نتابعها وتشغلنا بصورة متزايدة وأعمق في الفترة الاخيرة. فمن لايعرف النت والتواصل في أيامنا هذه هو ليس من البشر سكان كوكب الارض، وإنما من المخلوقات الغريبة العجيبة التي سكنت يوما كوكبنا وأطلق عليها بحينه البشر شبه العاقل، الذي تعقل بالإنترنت.

 

ولان الغالبية العراقية وربما العربية والعالمية تعرف الفيس اكثر من التويتر ولها تحيز فطري نحوه, ساركز اكثر على مساوئ الاول وعلى حسنات الثاني. الكثيرون منا يشعرون ان الفيسبوك هو الاقرب لهم ومن خلاله جددوا علاقاتهم باقرباء واصدقاء بعيدين بل وبنوا علاقات جديدة وحميمة وجريئة بعض الشيء, لم يستطيعوا تحقيقها على ارض الواقع من دونه, كما انهم من خلاله استمعوا وشاهدوا وتفاعلوا مع منشورات وصور وحوارات لايمكن ان يجدوا بديلا لها او مثلها بالوسائط المكتوبة والمسموعة والمرئية الاخرى. بل ان كل واحدا منا وبفضل الفيس تجرأ وكتب وعلق بما لايستطيع قوله بالعلن او باي وسيلة اخرى. لهذا نشعر بقربنا من الفيسبوك وبانه صار جزءا من شخصيتنا ومن مغامرتنا ومن روتيننا اليومي ان لم يكن ادماننا الجديد. وانا شخصيا مثلا قرأت وكتبت في السياسة والاكل والمذكرات الشخصية اليومية وفي نقد الدين وخلال سنتين على الفيس ما لم اقرأه طوال عشرات من السنين مع اني (كنت) قارئا نهما.

 

اما عيوب الفيس والتي بدات ايضا بالتراكم والتزايد مع الوقت, فاولها الملل والتكرار. فصرت تحفظ ما يقوله الشخص الصديق الموقع في منشوره وتعليقه حتى قبل ان يكتبه. ثم التخوف الفطري من كشف وذيوع اسرار الفرد على العلن واسرار وصور بيته وعائلته وعلاقاته فالانسان يظل متكتما على اجزاء من حياته ولايرغب ان تفضح كل اموره مهما كان متفتحا, خاصة مع موجة التهكير السائدة مؤخرا وسرقة الحسابات بما تحويه من صور ومحادثات لايراد لها النشر, ومن خلال متقمصين لادوار نسائية على الاغلب او لشخصيات مهمة يستدرجون ويبتزون البسطاء الذين يقعون بسرعة في حبائلهم. كما ان كثرة اختلاط الحابل بالنابل جعلت البعض يقرف من كثرة الاساءات والشتائم والتعليقات المخدشة والجنسية والفاضحة والطائفية التي علينا تحملها كل دقيقة من التواجد على الفيس.

 

وفي حين ان الفيس هو عموما للاصدقاء الذين عرفتهم بالحياة سابقا او حاضرا, فان تويتر هو للاصدقاء الذين تحب التعرف عليهم في المستقبل.  ومع ان اغلبية رواد تويتر هم اصغر عمرا واقل ثقافة واقل حميمية واكثر جرأة وتطرفا, الا ان قيمة المعلومات المتداولة علميا وثقافيا واخباريا اكبر بكثير واسرع من الفيس بمرات. وتجد بتويتر كذلك الطبقة الاعلى جميعهم بلا استثناء وتصريحاتهم بتويتر اكثر رسمية ومعتمدة مما يقولوه بالفيس, وكذلك كل الشركات والمؤسسات الرسمية المحلية والدولية. والميزة الاخرى هي امكانية البحث عن الموضوع او الحدث الذي يهمك مهما كان وتجميع كلما له علاقة بصفحة واحدة امامك. فتويتر يعتمد على مبدأ الهاشتاغ (وكذلك صار الفيس الان)  حيث انك تعطي كل معلومة تنشرها لزقة او عنوانا خاصا (تاغ) يسبقه الحرف # (الهاش) لتحفظ هذه المعلومة او المقالة او النكتة او الخبر للابد تحت هذا العنوان فيسهل على الاخرين تتبع كلما قيل ونشر تحته بمجرد كبسة واحدة. علاوة على ان الهاشتاغات السائدة في اية مدينة او بلد يمكن بسهولة تتبعها لتعرف عماذا يتحدثون بهذه اللحظات فيما يعرف بالترند والتايملاين. وبكبسة واحدة ايضا عرفت ان اكثر موضوع متداول بين سكان بغداد الان (التايملاين) وللاسف هو عن داعش (الترند). ومع انه ليس هناك تايملاين عراقي رسمي على تويتر حتى الان مقارنة بمعظم الدول والعواصم المجاورة, الا انه يمكن الحصول عليه من تطبيقات اخرى والمتوقع انه سيعتمد خلال هذا العام اذا استمر وتصاعد الاقبال العراقي الحقيقي على تويتر. تقديري الشخصي ان هناك بحدود مليون حساب عراقي على تويتر ربعهم فاعلون وان بحدود 1000 حساب جديد يضاف يوميا. وهذه الارقام اقل بكثير من المعدلات في الدول المجاورة.

 

وحيث ان عدد الاشخاص في الفيس الذين يحق لك مبدئيا التواصل معهم هو 5000 فقط, والكثير منا تجاوز بمرور الوقت هذا العدد او على وشك تجاوزه, مما اضطرنا للتحول الى صفحات الفيس المفتوحة العدد وليس الحسابات الشخصية. وفي هذا ازدواجية وارباك وتشتيت للجهود ومضيعة للوقت, كما انه يخفض مستوى ودرجة الترابط بين البشر من صديق الى معجب او اعجاب, وهي بالتاكيد اقل قيمة من الصداقة ولا معنى لها عند من تعود على مستوى اعلى من التواصل. بينما في تويتر فان عدد متابعيك مفتوح ولاتحتاج للانتقال لحسابات اخرى عند حد معين, لهذا ظهرت حسابات بمئات الاف المتابعين وبالملايين حاليا. كما ان عدد من تتابعهم انت فهو مفتوح مبدئيا وبما لايتجاوز عدد من يتابعك بنسبة بسيطة. وعلى العموم تعتبر المتابعة على تويتر اقل قيمة من الصداقة المعهودة على الفيس ولكنها ربما اعلى من الاعجاب بالصفحات.

 

اما اهم عيوب تويتر فهي كثرة الدعايات والاعلانات التجارية والجنسية والتي تحشى حشوا بين التغريدات وتحت الهاشتاغات مع عدم ارتباطها بالموضوع المتداول. كما يعاني تويتر حاليا من هجرة كبيرة اليه ممن تتلمذوا وتدربوا على الطائفية والشتائم والتحرش في الفيس وقرروا التمدد والتطور بنشاطهم الى عالم تويتر, وله شعبية كبيرة بين الارهابيين المتدينين وقواعدهم المتطرفة, ولكن يظل هناك البلوك موجودا على المنصتين, وتحتاجه الان بتويتر ربما اكثر من الفيس. ولان المنشور الواحد على تويتر يسمى تغريدة ولايسمح ان يتجاوز عدد احرف اي تغريدة 140 حرفا فيعتبر البعض وخاصة ممن تعود على كتابة المعلقات ان هذه من عيوب تويتر, ولكنها بالواقع ربما اهم خصلة ساهمت في تطور وانتشار تويتر, لان المعلومة مكثفة وقصيرة وبدون تزويق وتناسب العصر, فيما يعرف بالتدوين الدقيق.

 

هل الحجم مهم؟ هذا هو السؤال غير المباشر المبطن بالجنس الذي يطرحه كل غربي في سياق الاستفسار عن اهمية اعداد الاصدقاء واعداد المتابعين. ويطرحه الشرقيون بهمس ودقة اكثر. والجواب الصادق هو نعم ان عدد المتابعين بتويتر وعدد الرتويتات وعدد الاصدقاء والاعجابات والمشاركات مهم جدا جدا. فمع كل فوائد وعيوب وسائل التواصل الحديثة ولكنها تبقى بالنهاية لعبة تنافسية رقمية, ويكذب عليك من يقول ان الاعداد لاتهمه. واهم طريقة لزيادة الاعداد هي الكتابة او التدوين الاصيل المميز المبتكر الذي يحمل طابع التحدي والخبرة, والاشتراك بالهاشتاغات المتداولة. ولزيادة اعداد متابعيك واصدقائك والمتفاعلين اكثر معك عليك ان تبدا انت بمتابعة اكثر عدد مسموح لك به على تويتر او طلب صداقته على الفيس. ولاعيب في ذلك ابدا وخاصة في البداية. بل ان باراك اوباما وكل رؤساء وزراء بريطانيا المعاصرين اعتمدوا هذه الطريقة في البداية لتوسيع تفاعل الناس معهم. فلا احد منا يريد ان يكتب لنفسه فقط وانما ليصل الى اكبر عدد من الناس. هذا هو سر النجاح في اللعبة التواصلية. اما الحسابات القليلة التي ترى بها معجبين ومتابعين بمئات الالاف بدون ان يتابعوا احدا فهي للسلبرتيز والفنانين والرياضيين المشهورين الذين لن تصل يوما لمستواهم مادمت تقرأ هذه المقالة, فهم لايقرؤون اصلا وبعضهم او كلهم اشتروا متابعين واعجابات مقابل مبالغ مالية, وهي ايضا خدمة جديدة صارت متوفرة لمن يدفع تبيعهما تويتر والفيس بنفسيهما او من مزودين اخرين.

 

من اهم السلوكيات السلبية التي اشاهدها يوميا بالمئات بين العراقيين القادمين الجدد لتويتر انهم لايستعملون اسمهم الصريح في البداية ولا يكتبون موجزا عن انفسهم اولاينزلون صورة (البروفايل) فيعطيهم البرنامج صورة البيضة الملونة التي لم تفقس بعد لتغرد والمكروهة عند المغردين, وانهم لايتابعون العدد المسموح لهم بمتابعته, وانما يتابعون 100 او اكثر من الفنانات والفنانين وبعض المشاهير العرب والاجانب. وهذه كلها لن تجلب لهم متابعين ولن تقدمهم شيئا ولن يتفاعل معهم احد, وانما ستزيد من عزلتهم واغترابهم على تويتر فيتركوه بعد ايام من الملل والوحدة. والاخطر من ذلك ان بعضهم يجعل حسابه محميا فلا يرى احد تغريداته اصلا ليتابعه. اعتقادا منهم ان تويتر يشبه الفيس وعليهم ان لايسمحوا لغير الاصدقاء ان يتابع منشوراتهم, في حين ان تويتر موجه اصلا لكل العالم ولا سرية فيه الا للرسائل الخاصة. اما اظرف واغبى السلوكيات الموروثة من الفيس فهي الاعجاب بدلا من اعادة التغريد (الرتويت). فاهم نصيحة نقدمها للمغرد الجديد على تويتر هي انك اذا اعجبت بتغريدة فاكبس على زر الرتويت, اما زر الاعجاب فهذا لتغريداتك انت شخصيا وكن شديد البخل في استعماله وكثير الكرم بالرتويت. وكلما روجت لنفسك ونمقت حسابك كلما زاد متابعيك.

 

وختاما ليس بالفيسبوك وتويتر ولا الانستا وحدهم يحيا الانسان, فهي وجدت للتواصل والتعارف وتبادل المعلومات واللهو البريء وغير البريء وللدعاية والترويج, ولكن يظل التواصل الانساني والاجتماعي المباشر وجها لوجه وتبادل الزيارات والنقاشات والمناكفات والرفقة الحية اكثر حنينا وفائدة واكثر اهمية, على ان لايهدد اي من ذلك وقت العمل ولا الالتزامات العائلية والاجتماعية الواجبة والضرورية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب