تتظافر الفتن لتنهش بقلب هذا الشعب المهموم، رياح الشرق وغبار الغرب، وامطار الشمال، لا تشتهي الصراع إلا على معزوفة الفقر والقتل بين ثنايا دجلة والفرات، كأننا الوحيدون في هذا العالم، يراق دمنا لاتفه الاشياء، حتى من أجل دجاجة!
نقارع الظلمة ونظلم أنفسنا، نتظاهر ضد الفاسدين، ونحن جزء كبير منهم، نتمنى أن نصبح مثل دول العالم، ونرمي الأزبال في الشوارع، ننتخب الفاشلين ونعتقد منهم النجاح، ثم نتظاهر لنزيحهم، وفي الصناديق نضع أسمائهم، ونطلب من المرجعية الحل؟!
الازدواجية، والنفاق والجهل المركب هي نتائج لعوامل كثيرة، كانت الحروب هي أساسها والفقر هو المغذي لها، ليصبح المجتمع في دوامة التجهيل المتعمد، بين الفشل السياسي والاقتصادي، والحكومات الضعيفة، فلا تخطيط ولا رسم لسياسات ولا دولة، شعب أنهكه العوز واتعبه المرض، ويحركه الفيسبوك؟!
دخل العراقيين الى الفيسبوك بقوة، وبدون وعي فكري، اي بدون مضاد للفيروسات الفكرية، التي اجتاحت عقول الكثيرين من البسطاء وسطحيّٓ التفكير، حتى رودوا على اعقابهم تائهين، بين مواقع التواصل وثورة المعلومة وانتشارها، سلاح ذو حدين، فهو جزء لا يتجزأ من حرب الثقافات، وصراع الحضارات، والحملات الكبيرة لتشويه الإسلام، والإساءة له، كانت بأدوات التواصل الاجتماعي، الذي كان ومازال مجانيا!
في هذا الزمان، أصبحت الحقيقة ضائعة، والباحثين عنها هم القلة القليلة، ممكن ان تخدع مئات الآلاف، بصورة قديمة مع بعض القص والاضافات، لتصبح حديث الشارع، وتوجه الرأي العام حيث تريد، فكل شيء أصبح بمتناول اليد وبالمجان.
نحن بحاجة إلى (انتي فايروس) لعقولنا، كي يحميها من الخداع والتضليل وحرف الحقيقة وتزييفها، وما اجد افضل من الوعي الفكري والثقافي والإلكترونية، ليتيح لك التأكد والتحقق، من أي كلام أو صورة أو فيديو منشور، قبل أن تتخذ أي إجراء في السلب أو الإيجاب، فالنظام الذي يعتمده مواقع التواصل، هو النظام الرياضيات الاسية، أي لو شخص واحد ضغط اعجاب، فهناك الآلاف يشاهدون ذاك المنشور، وقد تكون إشاعة ساهمت انت بانتشارها وترويجها دون قصد.
نعيش أجواء ضبابية، وجل مكنونها يكمن في الفيسبوك، وطريقة تحريك الرأي العام، باتجاه يخدم الأقوى فيسبوكيا؟!
صفحات وحسابات وكروبات، تقود عقول كثير من المراهقين والهوات، وأصحاب جمع اللايكات، بعد فقدانها على أرض الواقع، فصار العالم الافتراضي، هو الأسهل لسد نقص الإنجاز، بالشهرة المزيفة.
كان فئة من المشاركين في التظاهرات الأخيرة ، هم من هذا النوع، الذي يبحث عن “السيلفيات” وجمع التعليقات والمديح، حتى وإن أهان نفسه أو مزق ثوبه أو رمى القوات الأمنية بحجر، فكل ما يفعل يعد بطولة، ينال بها آلاف الاعجابات.
قسم آخر هو المؤدلج الذي نزل الساحة لهدف، وعمل على تحقيقه وهم مجموعات منحرفة، اختارت المرجعية الدينية العليا هدف لسهامها، وإثارة مسائل سطحية تخترق أصحاب التفكير السطحي، وتسلب عقيدتهم المتزعزعة والمتشككين، ويكون ظاهرة “بغبغائية” ناعقة ليردد دون وعي ما يثيرون.
الأشد وقعا أولئك المخربين، غايتهم الفوضى والدمار، والسرقة والتهديم، فعقلية الحواسم، تراودهم مع كل تظاهرة، وحب التكسير يسري في دمائهم، رغم قلتهم، لكن تأثيرهم كان الأقوى، فهم مدربون ويعرفون ما يفعلون، مطالبهم إلا نظام وإلا استقرار وهدفهم العشوائية وقانون الغابة؛ سبيل عيشهم.
الفقراء والمضطهدين والشباب العاطلين، هم الفئة المظلومة مع كل تظاهرة، والمسلوبة حقها في كل المطالب، والمتجاوز عليها في المضارب، وفي التضحية تعطي القرابين، والمكاسب لغيرهم والتراب لأجسادهم.
مرتزقة الأحزاب هم اصل الخراب، لا يهمهم من يحترق، عقولهم معجونة بالعنف والقتل والترهيب، يساقون كما تساق الخراف، لا عقل يسأل ولا مخ يعمل، سهولة جمعهم وتفريقهم أكثر أسهولة، هم للمال ينجذبون، وللحق يكرهون وللوطن يهدمون، شعاراتهم جميلة وأفعالهم قبيحة.. يسيرون تحت تأثير الحبوب، والمحبوب.
الصراع في العراق اكبر من أن يفهمه مراهق سطحي التفكير، واشد على أهل المعرفة التدبير، فاعصار النفوذ يعصف يميناً وشمالا، وتشكيل الحكومة ستكون الأصعب منذ 15 عشر عاماً، لا شيء محسوم ولا معلوم.. وغدا لناظره قريب.