تجلس ُ ( فيروز ) على ربوة عالية لتطل َ على العالم , تجلس ُ على غيمة ٍ تحت السماء السابعة , أليست فيروز نجمة ً في الأرض ِ أن لم تكن أبهى النجوم ؟ يستكثرون عليها عزلتها ومكوثها في بيتها وكأنهم ينظرون الى نجمة استعراضية أو واحدة من مطربات الأحياء الشعبية , نسوا بأن فيروز دخلت الوجدان الشعبي وتحولت من نجمة غناء ٍ الى أيقونة ورمز ٍ للجمال ونسوا بأن عالمنا العربي دونما فيروز يبدو قاحلا ً وناقصا ً هي التي منحت لحياتنا البهاء والمسرة وشيئا ً من المعنى . فيروز المطربة الوحيدة التي لم تغني لملك أو زعيم دولة بل غنت للأوطان وشدت بصوتها الملائكي للإنسان المقهور وللعاشق وأيقظت البراءة وأشاعت روح الطفولة بعذوبة صوتها ورقته وبحلاوة أدائها التي أضفت عليه من جمال روحها لمسة ً جعلتنا نحلق معه نحو سموات ٍ نشعر فيها بأننا نعيش في قرى الطفولة , في الأحلام وبراريها الشاسعة . فيروز هي شاعرة الصوت كما قال عنها الشاعر الراحل ( أنسي الحاج ) وهي شاعرة الأرواح المتعلقة بالحياة والجمال , المتسمة بالرقة ونبل العواطف فشجوها صلاة نتقرب بها الى الله وغناها ينبوع متدفق من حنجرة الأرض ليسقي الأرواح الذابلة ويطهرها من أوجاعها ورتابة حياتها ويمنحها الأمل والبهجة . فيروز هي العطر , عطر ُ حياتنا وهي وردتنا وأختنا الصغيرة التي لا نريدها أن تهرم , هي أختنا الكبيرة الطيبة وهي ما تبقى لنا من الغبطة يغوينا في حياة ٍ مليئة ٍ بالإنكسارات والحروب والهزائم الصغيرة .فيروز شجرة وافرة الظلال , مثقلة بالثمار ولا نسمح لأحد ٍ أن يسطو على ثمارها إلا أذا كان يتضور جوعا ً ونهما ً للجمال ويبحث عن العافية . أشعر بالزهو بأني أعيش في
عصر فيروز وبأني كلما لامسني الحنين إلى أهلي ووطني أهرع إليها تهدهدني كأم ٍ تعيدني لطفولتي الإولى , وبأني أجلس أتأمل ُ الحياة من خلال شفافية صوتها الذي له رائحة الرازقي وعبير أنثى تسير عارية تحت المطر وأنني أبصر من خلالها صورتي فأراني جميلا ً وكأنها النبيذ في الكأس والعاطفة التي لا تزول . فيروز قصيدة تغريك بقراءتها على وجوه متعددة وكل قارىء الراعي البسيط والفيلسوف يجد فيها مبتغاه لأن الصوت يناديه ويسحره , يمنح للضائع وطنا ً وللمتشرد كوخا ً وللشاعر فضاء . لا أحد يسأل عن سر هذا الصوت فهو هدية الله للناس وهو النجمة التي تضيء عتمة الكون .