The One Mann Show
انها اشكالية كبيرة ان يتم التحليل النفسى عن بعد, حيث يتم التعامل مع مايقدمه المعنى, من الاحاديث ولغة الجسم والسلوكيات مع الاخرين. ان مايقدمه الرئيس دونالد ترامب, سوى ان كان قبل الرئاسة او حاليا من المعلومات والبيانات فى سلوكه العام وتعامله مع الاخرين التى لها من الاستمرارية, تقدم نموذجا مثاليا لشخصية نرجسية متطرفة.
اصدر الرئيس الامريكى دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وفى نفس الوقت نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس. ان هذا القرار المفاجىء يمثل لنا العرب والفلسطينين بشكل خاص صدمة عنيفة واغتصاب مجددا لحقوقنا التاريخية فى فلسطين والقدس بشكل خاص. ان الرئيس الامريكى يبرر اعترافه بالوعد الذى قطعه على نفسه اثناء الحملة الانتخابية للرئاسة عام 2016, ويمثل هذا الاعتراف نسفا لبعض الخطوط الحمراء للدبلوماسية الامريكية, ذلك ان الرؤساء الامريكان الذين سبقوه قد وعدوا هم ايضا بذلك, الا انهم لم ينفذوا هذا الوعد وذلك للحسابات الدقيقة للستراتيجية الامريكية, وقضية فلسطين المتشعبة والمعقدة جدا, واحترام المشاعر والعلاقه الحميمة التى تمثلها القدسية الدينية والتاريخية للقدس للعرب والمسلمين, هذا بالاضافة الى شخصيتهم التى قد صقلتها وطورتها البيروقراطية والدبلوماسية للحكوما الامريكية التى تخضع للتخطيط الطويل والابتعاد عن الارتجال. الا ان ترامب بتقديمه القدس هدية لاسرائيل يشيد بنفسه ويفضى لذاته صفات الفرسان, انه اشجع من الرؤساء الذين سبقوه, انه هو الذى قام بالاعتراف, انه انجازه الشخصى , انه الانجاز التاريخى وكأن الاعتراف ليس قضية سياسية كبرى وانما قضية شخصية تتعلق به, بالانا المضخمة التى هى بالذات بحاجة ماسة دائمة للمزيد من الاعجاب والاطراء, وبذلك فان اى عمل يقوم به يرتبط بشكل مباشر لتطمين ودغدغة هذه النزعة, كما ان المظاهرات والاستنكارات وموقف مجلس الامن والاتحاد الاوربى هى صورة مكملة لهذا الميل الغريزى فى ان يكون موضع اهتمام الجميع وشغلهم الشاغل. فى مناسبة اخرى اكد الرئيس ترامب لاحد الصحفيين “ان داعش لم يهزم فى وقت سابق لانه لم يكن ترامب رئيسا لك”.
ان المتتبع لسلوكيات الرئيس ترامب خلال سنة من مدة رئاستة للولايات المتحدة الامريكية يلاحظ مباشرة ميله الكبير لتجاوز القواعد والاعراف التى طورتها الدبلوماسية الامريكية فى تاريخها الطويل. ان الاتفاق الذى يقضى بعدم تعين وزيرا للعمل من قبل الديمقراطيين, وعدم تعين رئيس مجموعة اقتصادية او رجل اعمال كبير لوزارة العمل من قبل الجمهوريين قد نسفة ترامب بتسمية احد كبار اصحاب مجموعة كبيرة لمطاعم الاكلات السريعة, الا ان المعنى قدم استقالته سريعا بعد ان عرضت وسائل الاتصال فضائحه. كما اثبت بانه تراجع وانسحب من الاتفاقيات والعقود التى انجزها الرؤساء السابقين: الخروج من اليونسكو وفك الالتزام بعقد اللاجئين للامم المتحدة وقراره بمنع دخول لاجئين من ست دول اسلامية, الذى لم توافق علية المحكمة العليا….الخ. خلافا للقاعدة التى تقوم على” يجب الالتزام بالعقود”.
ليس نحن العرب وانما العالم اجمع والامم المتحدة يجب ان تكون على استعداد لتلقى ومجابهة قرارات صدامية متسرعة ومثقلة بالغرابة وقلة الوعى والادراك لم تألفها من الدبلوماسية الامريكية سابقا. ان هذه الاشكالية ترجع الى شخصية الرئيس الامريكى وطريقة عمله: فهو لم يشغل موقعا فى هرمية البيروقراطية اداريا اودبلوماسيا فى احد الحكومات الامريكية, ويعيش ويتعاشى على اسلوب وطريقة العمل الجماعى مع فريق المشاركين, مع خبراء ومتخصصين واداريين من مختلف التخصصات, ان يسمع ويناقش ويطرح افكاره ويتقبل النقاش والمعارضة دون ان تنشا حساسيات او تجاوزات. هنا تظهر احد السمات الاساسية لطريقة عمل وتفكير الرئيس ترامب وعلاقته بالذين يعملون معه, ان اجواء العمل فى البيت الابيض متوترة ويشكو العديد من الخبراء من عدم توفر اوقات كافية للنقاش واعادة النظر ويصفون الرئيس بالتسلط والدكتاتورية.
كان الرئيس ترامب رجل اعمال كبير وجمع ثروته الكبيرة من نشاطه فى حقل بناء الفنادق والعقارات, كما اصدرعدة كتب حول الاعمال والمهن واخذ احد كتبه الموقع الاول فى المبيعات لعدة اشهر, بالاضافة الى ذلك فقد قدم برنامجا تليفزيونيا تدور قضاياه ايضا حول العمل والمهنة وكان يعرض فى التلفزيون تحت عنوان “مطرود, fired “, هذه الاعمال التى تعتبر فردية فى ادائها, يتحكم بها صاحب المال ومقدم البرنامج وتاخذ الدكتاتورية والتفرد بالقرار وعدم الاكتراث بالاخرين, ويستخدم بها ايضا الكثير من العنف والخداع والاحتيال والكذب والفهلوة, التى تعمل على تقوية المكونات الاساسية لـ “الانا”, الشخصية, وتدفعها الى التضخم والعنجهية. أن كلمة “مطروط” اختيرت “كلمة السنة” التى تعتبر اسؤ الكلمات التى استعملت, خاصة فيما تحمله من معانى بالاضافة الى الطريقة الاستعراضية التى كان يتعامل بها ترامب, مؤكدا على نفسة وقدرته على الفعل والاستنتاج, كانت جارحة وكارثية للكثير من الذين شاركوا بالبرنامج. ان البرنامج لم يستمر بعد ان اخذ الاعلاميون يتهمون ترامب بالانانية المفرطة وانه شخصية عدائية غير اجتماعية, Antisocial
ان تضخم الانا للرئيس ترامب ليست جديدة ولم تنبعث مع دخوله البيت الابيض, وانما من ايام شبابه ونشأته, فعند وفاة ابيه وتأبينه القى ترامب كلمته التى كانت خلافا لما هو مالوف عالميا فى مثل هذه المناسبات التى تقوم بذكر وتعداد ماثر الفقيد وحسناته, الا ان ترامب استخدمها فى استعراض شخصيتة وكفائته وقدراته الفائقة, فى التعريف بالاسباب التى دعت والده لاعطائه راسمال لبداية اعماله ومن ثم تبنيه ادارة شركة ابيه ولم يعطيها لاخيه.
“ان امريكا ستعود ثانية قوية” فكرة يستجيب لها ملايين الامريكان ويتجاوبون معها, انهم يشعرون بالقلق وبتخلفهم عن المسيرة اقتصاديا واجتماعيا , وحينما يؤكد بان “الاخرين يجب ان يقوموا بتسديد الحساب”, انه يقدم لهم مجالا واسعا للمشاعر والتى يمكن ان تتحول الى تطرفات انتقامية عدوانية نحو الداخل وضد الخارج ايضا. فى زيارته المتكررة الى فينكس/ اريزونا, فى امريكا المحافظة التى انتخبته حنما تشتد عليه حملات النقد من وسائل الاتصال او من بعض حكام الولايات ونوان الكونغرس وكبار السياسيين الجمهوريين, بالاضافة الى القضاة الذى رفضوا قرارات, يعتلى المسرح, يتمشى به بخيلاء وفى سعادة غامرة وشعور كبير بالاطمئنان, انه بين مؤيده ومحبيه, ويهتف بالقاعة المكتضة بالحضور “يالها من جماعة رائعة”, ويبدأ ترامب خطابه بالهجوم وخاصة على وسائل الاتصال الجماهيرية, واخذ يعدد انجازاته وانتصاراته التى تنكرها الجماعات الحاكمة, انهم “يريدون تحطيم تاريخنا ووطننا”, ان هذه الجملة قد استخدمها القوميون البيض والنازيون. ويضيف ترامب انهم يطلبون منى الرجوع الى الخبراء والمستشاريين, علما بـ “انى قد تعلمت فى افضل المدارس وحصلت على احسن الدرجات, هذا بالاضافة الى انى اعيش فى شقة اجمل واحسن” كما انى انجح الرؤساء , فقد وقعت50 قانونا, ان طريقة توقعيه على القوانين تمثل بحد ذاتها استعراضا امام الجماهير اما بالنسبة للتوقيع فهو فى منتهى الغرابة طولا وعرضا. هنا تبدو ثانية واضحة عظمته وفرادته التى يؤكد عليها فى كل المناسبات. ان الرئيس ترامب لا يعانى من النرجسية وانما يعانى منه الذين حواليه, فهو لا يخطأ ابدا وانما الخطا يرتكبه الاخرون, ويجد المتعة فى اثارة واستفزاز السياسيين الاخرين ويقودها الى تجاوزات كلامية , انه يحاول اى شىء وعندما لا يحصل عليه, ينسحب بسرعة ويقدم مقترح جديد وبذلك تتبادل اخلاقيات التهديد مع عمليات التراجع والقفز هنا وهناك. ان خصوصية اختيار فريق عمل الرئيس ترامب لا يقوم على الوفاق السياسى وانما للولاء والطاعة المطلقة, ومستعدون للقيام باشياء خطيرة لمجرد تلطيف اجواء سيدهم, هنا يتم الخلط بين السياسة والاقتصاد, وهنا يمكن ان تظهر خطورة الرئيس ترامب حيث يستطيع فرض تصوراته وافكارة على الجماعة البيروقراطية والدبلوماسية الامريكية.
ان الرئيس ترامب اكبر الرؤساء الامريكان عمرا, وهو اكثرهم ثروة ومالا, وكما يبدو فهو فى حالة صحية قلقة, لا تتفق مع صورة الرئيس الامريكى لدى الشعب الذى يتوقع منه التحمل والمطاولة, الا ان الرئيس يجيد التغطية على الموضوع باستخدامه جوكر “عريف الحفل والاستعراض الفردى” حيث يظهر بمنتهى النشاط وبالحركة المستمره ليديه وبصوته العالى”, ويقوم بالتذكير الدائم بفرادته وعبقريته. ان الرئيس ترامب يحتل مركزية الجماعه اينما يحل واينما يكون, ويجب ان يدور حوله الاهتمام والانتباه, فهو كما ينظرالى نفسه: رجل الاعمال الناجح , الثرى, الذى اثبت وجوده وكفاءته فى اصعب حقول النشاط البشرى, هذا ما يعطيه تصورا بالنجاح الدائم القائم على صحة تفكيرة وتوقعاته, وهو بذلك لا يخطأ, واذا حصل خطأ او عجز فهو من عدم قدرة الاخرين وقلة الكفاءة. ان نجاحه لايقتصر على الاعمال وانما على براعته وجاذبيته الخارقة وتاثيره على اجمل النساء, فهو بعد مسيرة حافلة مع الجميلات يتوج حياته بجميلة كانت سابقا ملكة جمال. ان النجاح كرجل اعمال وصاحب الثروة الكبيرة, وصياد النساء الجميلات ورئيسا للقوة العظمى فى العالم سببا ومكملا لنرجسية طاغية خطيرة وشخصية مضخمة يمكن تشكل خطرا كبيرا على الجميع, خاصة كما ظهر فى مواقفه الاخيرة التى تساوى بين المتطرفين البيض والنازيون والعنصريون وبين المتظاهرين ضدهم.
د. حامد السهيل, بون, فى 2017 .12. 20