18 ديسمبر، 2024 9:58 م

فى الذاكرة العراقية -6 ك العراق البلد الحلوب

فى الذاكرة العراقية -6 ك العراق البلد الحلوب

بعد ان اصبحت الرواتب والاجور لاتكفى لسد تكاليف المعيشة لبضعة ايام, وفقد الدينار العراقى من قيمته حوالى 3000% على اثر اجراءات الحصار الاقتصادى الذى فرض على العراق, اخذت موجات الهجرة واللجؤ تشمل جميع شرائح المجتمع العراقى. لم يكن امام العراقيين سوى ثلاثة دول عربيه تستقبل العراقيين, ليبيا, اليمن والسودان. توجهت شخصيا الى ليبيا, ولم تمضى ساعة واحدة على وصول طرابلس قصدت مكتب العقود لجامعة الفاتح ووقعت عقد العمل كاستاذ فى كلية العلوم الاجتماعية / جامعة الفاتح/ طرابلس, واكتشفت سريعا بأن اعدادا كبيرة من اساتذة الجامعات العراقية تعمل فى الجامعات الليبية وكانت نسبة العراقيين فى الجامعة حوالى نصف اجمالى التدريسيين . كنا نحضى, على مستوى الجامعة ولدى الشعب الليبى بترحاب وتقبل واحترام ,وكنا نمثل مجتمع مصغرا لتركيبة المجتمع العراقى.

فى العطلة الصيفية كانت فرصة للترفيه عن العائلة وكانت تركيا تمثل بلدا سياحيا واعدا, وفى احد الامسيات ونحن نتجول فى شوارع اسطمبول المزدحمة بالاهالى والسياح, لاحظت رجلا تركيا يحاول الكلام معنا, وتقرب منا وسئل بشكل خجول : عراق؟ عراق تمام, بغداد تمام, واشار الى كتفه, وفهمت هذه الاشارة لاحقا: بأن لحم اكتافى من العراق. كان الرجل يعمل على شاحنة تنقل البضائع التركية المستوردة الى العراق, وكان يجلب معه بضائع يبيعها فى الاسواق, ويشترى بضائع متوفرة فى الاسواق العراقية يبيعها فى تركيا,عدا ذلك فان الاتراك قد جهزوا شاحناتهم بخزاتات اضافية للديزل والبنزين تجاوز سعتها 1000لتر , فسواق السيارات سواء ان كانوا ماجورين او مالكين للشاحنة , فهم يصلون العراق محملين ويغادروه محملين ايضا. انها ظروف مثالية بدأت منذ بداية الحرب العراقية – الايرانية ومازالت اسواق العراق واعدة لسنين طويلة قادمة, طالما ان نخبة 2003 لا تعنيهم البلد وليس لهم مصلحة بتطوير الانتاج, وليذهب العمال والخرجيين الى الجحيم, هذه قضايا لاتعنيهم.ان الاتراك وتركيا كدولة واقتصاد استطاعت ان تطور قوى الانتاج وتنجز منظومة متطورة للبنى التحتية واصبحت دولة صناعية – زراعة , ولازالت اسواق العراق مفتوحة على مصراعيها لما تنتجة مصانعها ومزراعها , تصدره الى العراق, لان الانتاج فى العراق ليس مطروحا لدى النخبة الحالية على جدول المباحثات الجدية, ناهيك عن التنفيذ.

ان الاردن قد استفاد, هو الاخر كثيرا منذ الحرب مع ايران, خاصة مصانعه ومزارعه البسيطة وقلة جودتها وجدت اسواق العراق مفتوحة لها, كما كان الملك حسين حريصا فى الحصول على شروط خاصة للاردن بالنسبة للبضائع واسعار مخفضة لتصدير النفط

العراقى الى الاردن. ولما كان الملك حسين يزور العراق اثناء الحرب بشكل دورى واطلق بحضور صدام عدة اطلاقات من المدفعية.

قام القائد العبقرى بتكريم الملك حسين بأرض عراقية حدودية, وتحرك الاردن سريعا وتعاقد مع احدى كبار الشركات الامريكية بتثبيت الحدود الجديدة., خوفا من ان يدرك صدام من ان اراضى الوطن لا يمكن ان تقديم هدايا وهبات, ويغير رأية ان. “القائد العبقرى” يهدى ما لايملك خلافا للعقل والمنطق. فى فترة حكم صدام والبعث قد تغيرت الحدود العراقية, فأن شط العرب اصبح تحت سلطة ايران, لقد استولت عليه بالاتفاقيات والحروب. لقد خسرنا اراضى عراقية شاسعة مع المملكة العربية السعودية ايضا.

لم يقتصر خيرات العراق على تركيا والاردن وانما ايضا على مصر العربية التى تخلصت من سلاحها الروسى المعطل عن العمل ببيعه للعراق الذى يخوض حربا لآ”تنتهى”. اما عن العمالة المصرية فهذا موضوع يثير الما كبيرا.فقد جاءت غالبية العمالة المصرية من الريف مباشرة, تحمل معها صعوبات وضغوط الماضى بالاضافة الى اوضاعها المادية التعيسة وثقافة الفهلوة والتحايل والنفاق. كان العراق يمثل لها فتحا جديدا واستطاعوا ان يستفيدوا منه بشكل كبير جدا, ان ايامهم فى العراق, وبعد هذه السنين الطويلة, لا يستطيعوا نسيانها. ان العقود التى قدمها لهم نظام صدام, تعويضا عن الايدى العاملة العراقية التى سيقت الى جبهات القتال, حيت يتم الصرف لهم , وفقا للعقود بالعملة الصعبة, الدولار, سوى ان وجدوا عملا ام لم يجدوا. فى سنين الحرب الاخيرة اصبحت عملية التحويل بالدولار ترهق الميزانية, وبذلك اخذت المخابرات العراقية التخلص منهم تدريجيا. ان الجدير بالاهتمام ما حال اليه المواطن العراقى, فقد اصبح العراقى, بعد العربى , مواطن من الدرجة الثانية.

ان اوضاع العراق مع النخبة الجديدة لا تقل سؤا عنها فى سنين حكم صدام والبعث, فان مصطلحات جديدة يتم التداول بها لتحريف واقع التنازل عن اراضى الوطن: اراضى الحدود المشتركة مع ايران, هذه الارضى فى جنوب ووسط العراق الغنية بالنفط (حقل مجنون) وهناك ايضا حدود مشتركة مع محافظة ديالى وواسط وسوف تكشف السنين القادمة عن فضائح اخرى. ان علاقة النخبة الجديدة مع ايران تتجاوز قضية الحدود” المشتركة” وتتسع لجميع مهمات الدولة: ان غالبية النخبة الحاكمة حاليا بالعراق, ان لم تكن ايرانية اصلا , فهى تاريخيا وفكريا وواقعيا على ارتباط وثيق مع القيادة الايرانية, وقد استطاعت ايران بواسطتها وتبعيتهم لها ان يمدوا ويوسعوا نفوذهم وتاثيرهم نحو جميع مرافق الدولة والحياة, وكما يبدو فان لم تحصل تحولات هيكلية فى العراق والسياسة الدولية , فان مستقبل العراق فى قبضة ايران الحديديةولاية من ولاياته العديدة. يؤكد المسؤلون الايرانيين بان12% من السوق العراقية تحت سيطرتهم, وهذة السيطرة سوف تتطور لاحقا, ولذلك فأن اعادة بناء وتطوير الاقتصادى العراقى يعنى بالضرورة تقليص والاستغناء عن الاستيراد من ايران, وحتى حقل الكهرباء الذى اصبح وباء مزمن لايمكن ان يتطور فى العراق لانه لا يتوافق مع المصالح الايرانية. ان المليارات التى دخلت

العراق كعادات لبيع النفط قد بلغت اكثر من 800 مليار دولار, ونسبة مهمة منها قد دخلت الى ايران بطرق مختلفة وبصيغ مختلفة وساعدت ايران فى تجاوز الحصار الاقتصادى الذى كان مفروضا عليها ووتعطيل تدهور العملة الايرانية بالنسبة للدولار واليورو.

المشكلات الدائمة مع اقيم كردستان تتجاوز مشكلة الاراضى,فهناك نسبة 17% من الميزانية التى تتحويل الى الاقليم, دون ان يدفع الاقليم نسبته من تكاليف وزارة الخارجية والدفاع والمالية, هذا بالاضافة الى النواب الاكراد فى البرلمان لايعنيهم العراق كدولة ومركز حكم. انهم يراقبوا مصلحة الاقليم فى المركزويتقاضوا مرتبات عالية من الحكومة المركزية. ولابد من الاشارة الى ان الاقليم , طالما يستلم 17% من الخزينة فان عوائد النفط التى يصدرها الاقليم يجب ان ترجع الى الميزانية المركزية. ان الحكام الاكرادعلى علم بضعف الحكومة المركزية ولذلك يتعمدوا الاساءة وعدم الالتزام بالاتفاقيات التى يعقدوها مع المركز.ان ما يسمى بـ”الارضى المتنازع عليها” هو المصطلحات يستخدم للتعبير عن اراضى حدودية بين دول, وليس فى اطار دولة مركزية. ان الاراضى جنوبا من خط العرض الذى حددت فيه صلاحيات الاقليم فى تسعينات القرن الماضى اخذ تسمى بـ “الاراضى المتنازع عليها” والتى اخذت تمتد الى محافظة صلاح الدين ومحافظة ديالى ومحافظة واسط, هذا بالاضافة الى اجزاء اخرى من سهل محافظة الموصل, كما يحلو ويتصورها سياسيوا الاقليم. ان نخبة الـ 2003 لاتحرك ساكنا وذلك لانها لا تملك الارادة وبالتالى القوة لوضع حدا لهذه التجاوزات. ان الحرب الجارية ضد احتلال تنظيم الارهاب والقتل (داعش) ومشاركة القوات العسكرية للاقليم( البيشمركة) ونجاحها فى تحرير قرى واراضى عراقية قد فتح الشهية لابتلاع ما يمكن ابتلاعه, وفقا لنظرية الصهيونى (موشى دايان) بعد احتلال الاراضى العربية عام 1967 ” ان الشهية تأتى مع الطعام” , وكما يبدو فان حكام الاقليم يمتلكون شهية الابتلاع والقضم, انه وضع غير معقول وسوف يؤدى الى شحن المشاعر القومية التى غالبا ما تسبب كوارثا للشعوب.

ان العراقيين لم يتمتعوا بخيرات وطنهم, والتى استفاد منها دائما غير العراقيين, وحصل هذا الواقع المرير لان العراق حكم دائما من الغرباء وكان تحت سيطرتهم, وحينما اقتحم السلطة حزب البعث, لم يكن حزبا جماهيريا قائما على قاعدة شعبية صلبة قد تم تثقيفها وتدريبها على المسؤلية والالتزام بالوطن والعمل بقاعدة الرجل المناسب فى المكان المناسب, ولذلك اعتمدت القبيلة والعشيرة والمنطقة والعضوية للحزب بعد ان فتح الحزب ابوابه لكل الجهلة والانتهازيين. ان هذا الوضع لم تكن له مقومات الاستمرار, وكان لابد ان ينتهى, وقد انتهت زعاماته فى مزبلة التاريخ, وهذا يشمل ايضا نخبة الدبابات الامريكية الذين افسدوا الذمم ودمروا منظومة العلاقات والاعراف والقوانين, ونهبوا ثرواته ولم يقوموا ببناء وتطوير بعد حوالى 14 عاما ما يستحق الذكر ويخفف من عناء المواطنين, انهم يمثلون اسؤ مرحلة يمر بها العراق وفى جميع المجالات. وهم سوف ينتهوا ايضا مثلما انتهت انظمة اخرى وسوف يليقون المصير مثل امثالهم الذى يستحقون.