اذا كانت مرحلة حكم حزب البعث تتميز بدكتاتورية عنيفة تقوم على اجهزة متعددة مخابراتية وبوليسية تنشط فى جميع مؤسسات الدولة,بالجيش المسيس , بقوى الامن الداخلى , هذا بالاضافة الى منظمات الحزب. هذه الاجهزة والمنظمات كانت قد سيطرت على البلد والشعب, وذلك باستخدام اقصى درجات العنف ولا تتورع بتفيذ الاغتيالات بكل من يقف ضد الحزب ويشكك فى اهليته وصلاحية للحكم. اما النخبة القيادية فانها تتميز بالعنف والجهل والنرجسية, محملة بمختلف مركبات النقض التى نشأة فى مرحلة الطفولة البائسة وتعاظمت مع الزمن, ووجدت طريقها فى التعويض والنسيان بأدعاء الخبرة والتجربة والعبقرية. وبشكل عام كانوا شلة من رجال الاباضايات والاشقيائيين الذين قادوا البلد بسبب الوعى المنحرف والادعاءات الكاذبة الى كورارث وحروب مازالت عواقبها ماديا ومعنويا فى الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب العراقى حاضرا ومستقبلا.
ماهى صفات ومميزات نخبة 2003 الذين جاؤا مع المحتل الامريكى, اذا كانت نخبة مرحلة البعث من الاباضايات والاشقيائية والعنتريات, فان النخبة التى جاء بها المحتل الامريكى هى من „اشباه الرجال ولا رجال”, انهم لم يتخدوا طيلة 13 عشرة سنة موفقا وطنيا شجاعا, ذلك لانهم لم يعرفوا معنى واهمية الشجاعة, ولانهم اعتمدوا مبدأ “التقية” بعدما افرغوه من محتواه وجعلوا منه شماعة يحملون عليها استعداتهم للتنازلات والمساومات على المبادىء ومصالح الشعب. لقد تحول هؤلاء فى غفلة من الزمن, اشخاص وجماعات من نكرات كانت تعتاش على انظمة الرعاية الاجتماعية فى الدول التى حصلوا على اللجؤ فيها, الى نخبة حاكمة, وزراء ومدراء عامون ومستشارون ورؤساء مؤسسات…الخ دون ان يكون لهم تحصيل علمى او خبرة عملية فى احد النشطات الاقتصادية التى تتجاوز بسطية الخضار, وبيع كارتات التليفونات النقالة, او حراس ليلين لبعض الابنية, كما كان البعض يقوم بـ ” قراءة المنبر الحسينى” وتجهيز حملات الحج الموسمية. ان هؤلاء , وهذه احد السمات المميزة لهم, انهم لم يتعلموا شيئا من مجتمعاتهم الجديدة بالرغم من الاستمرار والعيش فيها لسنوات عديدة وحتى انهم لم يجيدوا لغة البلد الذى رعاهم, وذلك لعدم توفر الرغبة فى التعلم ومعرفة المستجدات الحديثة, انهم يرفضون الحداثة وعلى حرب مستديمة معها, بالاضافة الى نظرتهم البائسة الى هذه المجتمعات, التى لم يعينهم تقدم وتطور هذه البلدان وانظمتها الاجتماعية والاقتصادية واحترام القوانين من قبل المواطنين على حد سواء, انما اثار حفيظتهم التطور النوعى للحريات الشخصية وحركة
تحرر المراة التى يسمونها بالفساد والعهر وانحطاد الاخلاق والتقاليد, بالاضافة الى النزوع نحو الماديات الدينيوية دون النظر الى جنات الله الموعودة وعدم الاكترات بجهنم وعذابات القبور….الخ
ان حرب امريكا وحلفائها على العراق, الاسلوب والاهداف غير المعلنة, مشاريع “ارساء الديمقراطية” فى العراق على طريقة الحكام المدنى “بريمر”, نظام المحاصصة القومية والطائفية والدستور الملغم بالاشكاليات, لم يسقط النظام الدكتاتورى وانما انهى وجود الدولة العراقية ككيان مستقل ومؤسسة حافظة وراعية للهوية الوطنية, وبذلك اصبحت العمليات الارهابية وانعدام الامن والتفجيرات فى كل مكان, بالاضافة الى تصاعد الصراع بين الكتل السياسية , الشيعية, السنية والاكراد حول الحصص فى السلطة والنفوذ والثرواث الذى اخذ يسيطر على الفعل السياسى والذى تطور مع الزمن الى حالة الحرب الاهلية, كل ذلك كان مع المشروع الامريكى مخطط ومبرمج سلفا.
منذ بداية تكوين الوزارة التى قامت على نظام المحاصصة البغيضة واصدار الدستور الملغم بالتناقضات, بات واضحا بان الاوضاع بالعراق لا تبشرا خيرا وان العراق مقبل على على صراعات خطيرة: لقد طالب الحكيم كعضو لمجلس الحكم ان يقوم العراق يدفع 100 مليار دولار الى ايران تعويضا للاضرار والخسائر البشرية والمادية التى الحقت بها فى حرب الخليج الاولى. قبل ذلك ومباشرة مع دخول منظمة بدرالى العراق وبالتفاعل مع القوى الرسمية الايرانية تم اغتيال كبار الضباط والطياريين العراقيين, بالاضافة الى اعداد من اساتذة الجامعات والعلماء والمفكريين. ان هذه الاغتيالات التى كانت تعبيرا عن حقد دفين ورغبة عارمة فى الانتقام التى كانت تحملها النخبة الجديدة, نزعة عدوانية خطيرة لايمكن ان تبنى دولة وتوحد شعبا, ولها انعكاسات خطيرة على الوحدة الوطنية. ان الوحدة الوطنية اصبحت اليوم احد معضلات الواقع العراقى المرير, واصبحت تقترن منذ البداية مع الارهاب والتفجيرات وانعدام الامن. ان هذه الحالة قد تطورت الى حالة من الاعتصامات فى مدن المنطقة الغربية وتبلورت تحالفات وكتل جديدة ما يسمى بالدولة الاسلامية (داعش),
ان الاشكالية الكبيرة فى النخبة الجديدة انها كانت مستعدة ان توافق على كل ما كان يقدمه لها الحاكم المدنى بريمر كطائفة دينية تمثل النسبة الكبيرة من الشعب العراقى, بالاضافة الى اى نظام حكم للعراق يخطط له بريمر. لقد قدموا انفسهم للحكام المدنى اذلاء عديمى الكرامة ويتوددون له بمختلف الاشكال وفى كل المناسبات, لقد دعاة احد “كبار الشيعة”, وهذة السلوكية المهادنة البغيضة لها تاريخها البائس منذ قرون عديدة وبارعون فى استخدامها, الى” اكلة فسنجون”, وللعلم ان هذه الاكلة ليست عراقية الاصل, وانما من منجزات المطبخ الايرانى. ان هذه النخبة, امام هذه العروض المغرية فى الجاة والسلطة, التى كانت فوق تصوراتهم مقارنة بالواقع البائس الذى كانوا يعيشونه, قد وافقوا على كل ما سطر لهم الحاكم المدنى, الذى كان على علم بتاريخهم وامكانياتهم الهزيلة. من ناحية
اخرى فان هذه النخبة قد عاشت سنين طويلة فى ايران ويرتبطون معها بالمنظمومة الفكرية ونظام حكم ولاية الفقية, ان وظيفتهم السياسية خدمة المصالح الايرانية اوالتاكيد على استمرار وتوسيع دور ايران الفاعل فى العراق, والموقف الشعبى النقدى ينظر اليهم كعملاء لايران ولا يحملون مشاعر ومسؤلية تجاه العراق وطنا وشعبا. ان هذه النخبة كانت على انسجام تام مع مصالحها الشخصية الواعدة ولم تفكر ولم تحمل مشروع وطنى تنموى يجمع الشعب ويداوى الجروح ويؤمن العيش وفرص الحياة لجميع مكوناته.
خلال الـ 13 سنة من حكم هذه النخبة الفاسدة تحول العراق الى بلد الغرائب واللامعقول, يسير نحو الخلف وليس كما هو معروف فى العالم الى الامام, يمشى على الراس وليس على القدمين, هذا لايقتصر على التدهور التام لمنظمومة البنى التحتية, التى بالرغم من صرف مئات المليارات من عوائد النفط لم يتطور مشروعا واحدا يلبى احتياجات السكان, اين الكهرباء فى هذا للصيف القاتل, الخدمات الصحية, التعليم بكل مستوياته, الازمة المستشرية فى نقص الوحدات السكنية…. ناهيك انهيار الانتاج الصناعى والحرفى وتقلص الانتاج الزراعى بشكل مخيف, وليس اخيرا فتح الاسواق العراقية للاستيراد على اوسعها, هذا العمل لم ياتى اعتباطا, وانما لان هذه النخبة مشتركة بالصفقات بصورة مباشرة او غير مباشرة. ان هذا الانهيار لم يقف عند الانظمة المادية , وانما شمل ايضا المنظمومة الفكرية والسلوكية بما فى ذلك الاعراف والتقاليد, لقد اسست هذه النخبة اللئيمة على افساد انظمة العمل والمسؤلية فى عمل مؤسسات الدولة, فالوزير, عندما يسرق ويختلس ويحول والوزارة الى قلعة طائفية ومشيخة عائلية, لايمكن ان يحاسب مدير عام او رئيس قسم وهذا لايستطيع ان يحاسب موظف من الدرجة الرابعة او الخامسة, لقد كونوا نظاما فى الفساد والسرقة والاحتيال يقوم على تضامن المشاركين بحيث لايعيب او يكشف احدهم الاخر. والا فانه سوف يعرض نفسه للانتقام الشخصى ويقع تحت طائلة ” الفصل العشائرى”. ان الفصل العشائرى, وما ادراك ما الفصل العشائرى, ارهاب مخيف مرعب يمكن ان يدمر من يقع تحت طائلته, يسرى فى المجتمع وعلى جميع مؤسسات الدولة, ولهذا فان دوائر الدولة تعيش حالة من الفساد والفوضى العارمة والخوف .
ان مبدأ الانتقام والنزعة الانتقامية الشريره فى نفوس غالبية النخبة الجديدة التى يحملونها لا تصلح ولا توحد مجتمع ولا تبنى دولة ولا تبسط الامن والسلام فى البلد, وتطورت هذه النزعة الشريرة على لسان وعمل رئيس الوزراء السابق الشيعى نورى المالكى حينما اكد اثناء الاعتصامات والمظاهرات فى الفلوجة والمنطقة الغربية “بيننا ثارات الحسين” وصلت ذروتها. بهذه العقلية الخبيثة اخذت اوضاع البلد تزداد تأزما وتحولت تدريجيا الى حرب شعبية غير معلنة, والتى ساعدت “داعش” على النفوذ والتوسع, ولا زالت الموصل, ثانى اكبر مدينة عراقية محتلة منذ حزيران 2014 .
ان هذه النخبة, التى اتخذت من الدين والمذهب شرعيتها فى الحكم واستمراريتها فى السلطة, جعلت من الشعائر المذهبية السنوية ايديولوجيا واستعراض سنوى خاص للقوة حيث تتعطل مصالح الناس ودوائر الدولة لايام عديدة. انهم قد اساؤا الى الدين والمذهب والى الشيعة انفسهم, على اقل تقدير, انهم لم يوفروا لهم الامن. نظرا لفشلهم الذريع فى الحكم, فى جميع ابعاده ومفرداته, وقناعتهم الذاتية, بانهم لا يمتلكون الخبرة والمهاره للحكم وضعفاء النفوس, يسعون لتقسيم العراق, ظنا منهم, انهم يستطيعون السيطرة على اقليم الوسط بقراءات المنبر الحسينى والحملات المليونية وبث الخوف والرعب بـ “عودة الامويين”.
ان وضع العراق المتردى باستمرار حقيقة لاشك فيها, الدولة الهلامية, الفوضى وفقدان الامن, السرقات والاحتيالات على المال العام, الخزينة الفارغة, وموارد النفط التى تتقلص بشكل ملحوظ, والحروب المستعرة لتحرير الفلوجة وحاليا الموصل التى تكلف الملياردات, والقروض الملياردرية التى ترهق كاهل العراق وتعوق مسيرته لعشرات السنين القادمه, وتفشى البطالة والفقر وانهيار الصناعة والزراعة…الخ, هذا الوضع البائس يمثل نتيجة منطقية لتسلط نخب لئيمة فاشلة, لم تراعى سوى مصالحها الشخصية.
قبل ان تستلم هذه النخبة السلطه كانت تدعى بانها سوف تنشر العدل وتراعى مصالح الشعب وتبنى العراق ليكون صرحا حضاريا متينا, والان قد اغتصبوا العراق وكرامة شعبة وادخلوه خندقا طويلا مظلما لا امل من الخروج منه, خاصة بعدما نشروا الخرافة والجهل واعلنوا الحرب على الحداثة, الحرب على العقل والعلم والفنونوكل ما هوجميل وشفاف واصيل. هذه السطور تمثل جزءا بسيطا للذاكرة العراقية ومساهمة متواضعة للتعريف بحقيقة تشابك العلاقات الفردية وارتباطاتها بالمحتل والمستعمر, للجيل المعاصر والاجيال المستقبلة.