ربما لم يكن مستغرباً عندما خرج علينا على شاشة التلفاز الروحاني (أبو علي الشيباني) في صبيحة الأول من كانون الثاني لسنة 2012 متوقعاً بأن العراق سيُقسم إلى ثلاثة أقسام، ويبدو لي أن الأبواب توصد باباً بعد الآخر في طريق تفتيت العراق إلى دويلات صغيرة كما يحدث في دول عديدة، وهذا ما يعتقد به التفكير السياسي الاستراتيجي الأمريكي، ويتوضح عند الكثير من الكتاب الأمريكيين فقد كان لكتابات السياسي وأستاذ القانون (آلان توبول) عن تقسيم العراق أيضا وقعاً وتأثيراً مهمين، إذ كتب في الموقع الإلكتروني الرسمي للجيش الأميركي داعياً إلى فكرة التقسيم، وذكر أن عدد دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية كان 74 دولة وقد وصل تعدادها الآن 193 بلدا فلا مانع –من وجهة نظره- في أن تزداد ثلاث دول إضافية إذا قُسم العراق إلى ثلاثة بلدان.
وقد يُعتقد أن فكرة التقسيم هي وليدة اللحظة التي فكر فيها الأمريكيون تفتيت العراق، وهذا الهاجس وإن كان مستساغاً إلا أنه جانب واحد من الحقيقة، ففكرة التقسيم قديمة جديدة ولها أطراف متعدد، إذ كُشف إلى أن مشروع تقسيم العراق والمنطقة هو في الأساس مشروع يهودي قديم، ولعل أقدم وثيقة صهيونية تتحدث رسمياً عن تفكيك العراق والمنطقة هي تلك المعروفة باسم “وثيقة كارينجا”، الصحفي الهندي الذي أعطاه (جمال عبد الناصر) وثيقة “هيئة الأركان الإسرائيلية” حول تفكيك المنطقة، فنشرها في كتاب يحمل عنوان “خنجر إسرائيل” عام 1957.
وهي وثيقة وضعت على خلفية العدوان الثلاثي على مصر، ونشرت بالعربية في تموز/يوليو 1967 عن “دار دمشق”، وتتحدث تلك الوثيقة عن إنشاء دولة درزية في “منطقة الصحراء وجبل تدمر”، ودولة شيعية في جبل عامل ونواحيه في لبنان، ودولة مارونية في جبل لبنان، ودولة علويّة في اللاذقية حتى حدود تركيا، ودولة كردية في شمال العراق، ودولة أو منطقة ذات استقلال ذاتي للأقباط. وتضيف الوثيقة: “تبقى المناطق العربية التالية: دمشق، جنوبي العراق، مصر، وسط العربية السعودية وجنوبها. ومن المرغوب فيه إنشاء ممرات غير عربية تشق طريقها عبر هذه المناطق العربية”.
وفي الحقيقة أن الفكر الصهيوني قد أعاد هذه الفكرة بعد احتلال العراق من قبل الولايات الأمريكية المتحدة وحلفاؤها في 25/11/2003، إذ طرح الصهيوني (ليزلي غلب) فكرة تقسيم العراق رسمياً في مقالة عبر صحيفة نيويورك تايمز تحمل عنوان “حل الثلاث دول”. وفي يوم 26/9/2007 أقر مجلس الشيوخ الأميركي خطة غير ملزمة لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للحكم الذاتي هي: “كردستان وسنستان وشيعستان”، حسب تعبير المروجين لمشروع “التقسيم الناعم” في مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية.