18 ديسمبر، 2024 4:59 م

فولكلور الأوسمة الثقافية في الجزائر

فولكلور الأوسمة الثقافية في الجزائر

حكاية الأوسمة والتكريمات الثقافية والفنية في الجزائر عجيبة وغريبة حيث أنها لا تخضع، من ناحية القيمة الثقافية والفكرية والفنية، لأي معيار فني وإبداعي.

منح هذا الأسبوع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ثلاثين وسام استحقاق لعدد مماثل من الفنانين والكتاب والشعراء الجزائريين، والملفت للنظر هو أن نصف هذه الأوسمة قد منحها للموتى، منهم من عاش ومات فقيرا معدما، والنصف الآخر للأحياء الذين ليسوا في الغالب بالرموز الثقافية والفكرية والفنية الوطنية.

في الحقيقة إن حكاية الأوسمة والتكريمات الثقافية والفنية في الجزائر عجيبة وغريبة حيث أنها لا تخضع، من ناحية القيمة الثقافية والفكرية والفنية، لأي معيار فني وإبداعي، أما من الناحية التنظيمية التي توفر وازع الموضوعية فإن عملية انتقاء الأسماء الجديرة بالتكريمات أو بالأوسمة لا تسند على الأقل إلى لجان استشارية وطنية محايدة ولها مصداقية في البلاد وعلى رأسها أبرز المثقفين والمبدعين المتحررين من وصايا وأوامر السلطة.

بل إن المعمول به في الجزائر هو أنّ إسناد الوسام الثقافي أو الأدبي أو الفني لهذا الشخص أو ذاك والقيام بتكريمه أمران تمليهما جملة من الشروط المسبقة والنمطية، وتتلخص إما في محاولة استقطاب جهة اثنية سياسيا، أو في توطيد العلاقات الشخصية المؤسسة على المصالح، أو في التماهي مع السلطة الحاكمة والتطبيل لشعاراتها السياسية أو الولاء لرموزها المتنفذين في أجهزة الدولة في الغالب.

وفي هذا الخصوص قد تم في السنوات الأخيرة ابتكار نوع طفيلي جديد من الفن والأدب في الجزائر متخصص إما في مدح كبار المسؤولين الكبار أو في طلب عفوهم.

وهكذا نجد في الجزائر من عُلّق على صدره وسام أو كرم أو عين مسؤولا متوسطا أو وزيرا جراء نظمه لمقطوعة شعرورية تقليدية في مدح رئيس الجمهورية أو مكرسة لقدوم مولود جديد لجنرال أو عقيد.

والأدهى والأمر هو أن هذه الأوسمة أو التكريمات الجزائرية، وخاصة تلك التي تسند لأشخاص نصف موهوبين، لا طائل من ورائها من الناحية المادية حيث أن هذا الشخص الذي يوَسّم أو يكرم لا ينال سوى برنوس من الوبر في أحسن الأحوال، أو مذياعا، أو تلفزيونا أو محفظة، أو حقيبة دبلوماسية جلدية تغذي نرجسيته وتوهمه أنه سفير الفن والأدب والثقافة.

إن منح مثل هكذا وسام استحقاق لهذا الكاتب أو لذاك الفنان أو لذلك الشاعر وبهذه الطريقة من طرف رئيس الدولة الجزائرية لا يعني أنه قد استند إلى تقييمه الخاص به هو بالذات لأن المعروف لدى القاصي والداني هو أن الرؤساء الجزائريين لا يقرأون إنتاج أدباء بلادهم أو مفكريها والدليل على ذلك هو أن الشعب الجزائري لم يسمع منذ الاستقلال إلى يومنا رئيسه قد علق على فكرة مفكر جزائري أو قصيدة شاعر أو استشهد في خطبته أو في ندواته بعبارة أو بفكرة أو برأي لهذا الأديب أو ذاك الفنان أو ذلك المفكر في هذه القضية أو تلك المسألة.
نقلا عن العرب