23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

 ” فولتير ”  فارس التنوير .. و” العرب ” دعاة تكفير

 ” فولتير ”  فارس التنوير .. و” العرب ” دعاة تكفير

” إنني مستعد أن أموت من اجل أن أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول  ” .. فولتير
 تنويه : 
     سأوجه بعض الرسائل – ذو الطابع الأسلامي أو السياسي أو الفكري .. ، وهي رسائل  محددة  موجهة  مختصرة ، سأنشرها بين فينة  و أخرى كسلسلة ، وكل رسالة  ستنهج موضوعا ليس له علاقة بالأخر ، أملا منها تفريغ مادة  أو فكرة للقارئ ، وستكون الرسائل غير مترابطة بالمضمون ، ولكن تجمعها  مظلة واحدة وهي حرية الفكر و الرأي .. لأجله أقتضى التنويه .                                                                                                                  
   المقدمة :                                                                                                                                                                             
    فولتير ، وأسمه الحقيقي  فرانسوا ماري أرويه  François-Marie Arouet /  من مواليد 21 نوفمبر 1694 والمتوفى في 30  مايو 1778 ، كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير ، وكان فارسا من الفرسان المتنورين ، الى جانب كل من مونتسكيو وجون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو ، و ذاع صيت فولتير بسبب سخريته الفلسفية الظريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة ، وكان فولتير كاتبًا غزير الإنتاج قام بكتابة أعمال في كل الأشكال الأدبية تقريبًا  فقد كتب : المسرحيات والشعر والروايات والمقالات والأعمال التاريخية والعلمية وأكثر من عشرين ألفًا من الخطابات ، وكذلك أكثر من ألفين من الكتب والمنشورات ، أما طريقة فولتير الإستفزازية في كتاباته والمثيرة للسخرية أوقعت به بمشكلة مع السلطات الفرنسية في آذار 1716 ، حيث تم نفيه من باريس لكتابته قصائد تسخر من عائلة الوصي على العرش الفرنسي ، حيث  لم يكن هناك قدرة لدى هذا الكاتب الشاب أن يكبح جماح لسانه ..  وكان فولتير مدافعًا صريحًا عن الإصلاح الاجتماعي على الرغم من وجود قوانين الرقابة الصارمة والعقوبات القاسية التي كان يتم تطبيقها على كل من يقوم بخرق هذه القوانين . وباعتباره ممن برعوا في فن المجادلة والمناظرة الهجائية ، فقد كان دائمًا ما يحسن استغلال أعماله لانتقاد دوغما الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الاجتماعية الفرنسية الموجودة في عصره . ( والدوغمائية  .. هي الدوغمائية = dogmatism = القطعية = الوثوقية هذه تسميات مختلفة لكنها تشير إلى نتيجة واحدة وهي : الانغلاق الفكري على مفاهيم محددة : دينية أو فلسفية أو أدبية أو اقتصادية أو أدبية أو حتى علمية مجرّدة . / نقل هذا التعريف من موقع البيان الألكتروني ) ، فولتير أستخدم منهج العقل في نظرته الى المعتقدات والمدارس و الأفكار ، ولم يكن ملحدا ، وأتهامه هذا كان على أثر بيت شعري لقصيدة له  بعنوان  “Epistle to the author of the book, The Three Impostors”)) ويمكن ترجمة البيت إلى: ” إذا كان الله غير موجود ، فسيكون من الضروري أن نختلق نحن واحدًا .” وتظهر القصيدة الكاملة التي ينتمي إليها هذا البيت انتقاده الذي كان ينصب بدرجة أكبر على تصرفات المؤسسات الدينية أكثر منه على مفهوم الدين في حد ذاته ، أي أنه بالرغم من الاعتقاد الخاطئ للبعض في أن فولتير كان ملحدًا ، فقد كان في حقيقة الأمر يشترك في الأنشطة الدينية ، حيث قام ببناء كنيسة صغيرة في ضيعته التي اشتراها في فيورني . أضافة الى وجود قصة لم يتم التأكد من صحتها تتعلق بشراء فولتير لمنزل Geneva Bible  Society الذي يقع في فيورني لاستخدامه في طباعة الكتاب المقدس ، وكحال الكثيرين من الشخصيات البارزة التي عاشت أثناء عصر التنوير الأوروبي ، اعتبر فولتير نفسه مؤمنًا بمذهب الربوبية.  فقد كان لا يعتقد في أن الإيمان المطلق بالله يحتاج إلى الاستناد على أي نص ديني محدد أو فردي أو على أي تعاليم تأتي عن طريق الوحي . وفي حقيقة الأمر ، كان كل تركيز فولتير ينصب على فكرة أن الكون قائم على العقل واحترام الطبيعة ؛ وهي الفكرة التي عكست الرأي المعاصر له والذي كان يعتقد في وحدة الوجود.  وقد نالت هذه الفكرة حظًا وافرًا من الرواج بين الناس خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وكتب لها الاستمرار في الوجود في شكل من أشكال الربوبية المعروفة في عصرنا الحالي باسم  oltairean Pantheism ” ” وحدة الوجود من منظور فولتير .  كذلك مما يؤخذ عليه هو عدم ثبات الرؤية الفكرية لديه ، فبينما نلاحظ أنتقاده لرسول الإسلام محمد بن عبد الله.  في مسرحيته المعروفة باسم Fanaticism, or Mahomet الذي قام بكتابتها ” ليهاجم مؤسس العقيدة الزائفة والهمجية “. كذلك ، وصف فولتير الرسول محمد بأنه ” كاذب ”  ، ولكنه غير من نهج خطابه عن الأسلام ، وجاء هذا وفق الخطاب الذي قام بإرساله إلى ” البابا بنديكت الرابع عشر ”  والذي قام بكتابته في باريس في 17 أغسطس في عام 1745 ، الذي كان أكثر إيجابية ، فقد وصف فولتير الرسول محمد بأنه رسول ” ديانة تتسم بالحكمة والصرامة والعفاف والإنسانية”.  كما تحدث عنه كالتالي: ” واضع شريعة المسلمين رجل رهيب ذو سطوة استطاع أن يفرض تعاليمه على اتباعه بالاستبسال في القتال وبحد السيف ، وإن أقل مايُقال عن محمد أنه قد جاء بكتاب وجاهد .. ( نقلت بعض الأفكار و الفقرات لهذه المقدمة  بتصرف مع أضافات للكاتب من موقع أراجيك – عن مقال لماهر دهمان بعنوان / حقائق مدهشة عن فولتير الفيلسوف الفرنسي المثير للجدل ، وموقع الويكيبيديا ، و موقع  alkeltawia.com ) ، وبالرغم من أن الوصف لم يكن دقيقا وبعيد بعض الشئ عن العقلانية التي ينتهجها فولتير خاصة ، خاصة حين وصف رسول الأسلام ” بالعفاف ” ، لأن هذه الصفة لا تتوافق مع منحى الذي أتبعه الرسول في تعدد الزوجات  !! ، وغير ذلك مثلا في زواجه من زوجة أبنه بالتبني لوقوعها في نفسه ، علما أن واقعة الزواج حدثت ولكن شيوخ الأسلام يقولون أنها جاءت عن عدم شهوة ، حيث ( .. يزعم بعض أعداء الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتهى زينب بنت جحش وطلقها من زوجها زيد بن حارثة وتزوجها هو . / نقل بتصرف من موقع نصرة محمد رسول الله ) ، ، وكذلك زواجه من عائشة وكانت بنت 6 سنوات ، حيث أن (  .. النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بعد زواجه من سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، وهي – أي عائشة – البكر الوحيدة التي تزوجها صلى الله عليه وسلم . وقد دخل بها وهي بنت تسع سنين . / نقل بتصرف من موقع الأسلام سؤال و جواب ) ، فلا أرى هكذا نهج في الزواج يدل على عفاف النفس ، ومعنى كلمة العفاف ..  ( عَفَّ مصدر عَفٌّ ، عِفَّةٌ ، عَفَافٌ فهو عَفٌّ ، وعَفِيفٌ والجمع : أَعِفَّة ، وأَعِفَّاءُ ، عَفَّ الرَّجُلُ : كَفَّ وَامْتَنَعَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ وَلاَ يَلِيقُ وَلاَ يَجْمُلُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ / نقل من موقع قاموس المعاني ) .
الرسالة :المفكرون و الفلاسفة  منذ اكثر من ثلاث قرون بدأوا يتجهون الى العقلانية في النظر و التفسير للمعتقدات و تعليل الكثير من الظواهر ، كما  أنهم أبدوا نظرة وموقفا ثاقبا من الأصلاح الأجتماعي ، حيث بدأ ( المفكرون الاوربيون منذ عصر النهضة يستعيدون افكار واراء الفلاسفة الاغريق ، وبخاصة افلاطون وارسطو ، ويطورونها ويضعون اللبنات الاولى للفكر الفلسفي الحديث ، الذي عمق الصراع بين الدولة القومية الناشئة وبين هيمنة الكنيسة ، / نقل بتصرف من موقع صوت الحكمة ) ، وبالرغم من الموقف الصلب والحازم السائد أنذاك ، فقد أظهر المفكرون سمتهم و تأثيرهم على كل الافكار و المعتقدات وكل الفعاليات المجتمعية ، فكل ما وجد الأن من مدارس فلسفية ومعتقدات ومذاهب وأتجاهات فكرية .. ، كانت لبناته وبذوره قد غرزت أوائل عصر التنوير في أوربا وفرنسا بالأخص ، وكان فولتير أحد هؤلاء الفرسان الذي قال : ( إن القتل حرام وجميع أنواع القتل يعاقب عليها القانون زمن السلم . أما إذا نفخ في الصور وأعلنت الحرب فيصبح القتل بالألوف مباحاً .. ) وهو الذي تساءل أيضا ( ” ما الإيمان ؟ ” فهل هو أن نؤمن بما نستطيع أن نراه واضحًا أمام أعيننا ؟ لا ، فمن الواضح تمامًا لعقلي إنه من الضروري وجود كيان خالد رفيع المنزلة عاقل ذكي .  فالأمر عندي لا علاقة له بالإيمان ، ولكنه مرتبط بالعقل ) . فأين المفكرون العرب و المسلمين بالتحديد من هذا الفكر التنويري الذي ينصب على تحريم القتل و حرية التفكير ،  و قبول الرأي الأخر و الأستخدام العقلاني للنظر لكل المعتقدات ، بما فيها الثوابت ، أما نحن / العرب ،  فرايتنا التكفير ، فمن موقع عبدالعزيز بن عبدالله أل باز ، أنقل التالي .. (  فلا بد من الإيـمان بالله ، وتوحيده والإخلاص له ، والإيـمان بإيـمان المؤمنين ، ولا بد من تكفير الكافرين ، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيين وغيرهم ، ممن يوجد اليوم وقبل اليوم ، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا ، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية . ) ، فمثل هكذا خطاب ديني تكفيري / وهابي المذهب ، موجه الى الأمة الأسلامية ، بشكل صريح ومباشر ، أكيد ستكون مخرجاته ، تكوين منظمات الأرهاب و تفعيل ثقافة القتل و التوحش ، وما تفعله القاعدة وما ولدته من منظمات كداعش و النصرة .. وغيرها ، أنما هو رد فعل لتداول هكذا خطاب ديني بين الشبيبة الأسلامية من المحيط الى الخليج ، وأنتشرت هذه الأفكار التكفيرية أوربيا وشملت حتى أميركا و أستراليا .. وما خفي كان أعظم ، أضافة الى دور مشبوه يقوم به ثلة من رجال الفكر الظلامي  أمثال ، أبراهيم الخولي ، محمد عمارة و زغلول النجار ، الطريفي و العريفي وسويدان ومجدي غنيم وأبو أسلام .. وغيرهم ، في تسميم المناخ الفكري و الديني بما ينفثوه من خطاب ينهج التكفير و ألغاء الاخر وبث الكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد.. ، ولكن بالرغم من كل هذا الفكر الظلامي ، هناك مساحات تنويرية ، لرجال أمثال سيد القمني أحمد القبانجي نصر أبو زيد و أسلام البحيري والراحل فرج فودة  وغيرهم ، ومن المقولات اللامعة لرجال الفكر التنويري .. يقول د / عاطف العراقي في كتابه ” العقل والتنوير ” ( ص 14 ) : ( قد لا أكون مبالغاً إذن إذا قلت بأننا الآن في أمس الحاجة إلى السعي نحو التنوير الثقافي ، التنوير الذي يقوم على تقديس العقل ، والإيمان بأن الثقافة الخالدة ، إنما هي الثقافة الإنسانية التي تتخطى حدود الزمان والمكان ، وبحيث تتحرر من العادات والتقاليد والرجعية ، وتنطلق ساعية إلى تحقيق سعادة الإنسان ، بما تتضمن من آداب وعلوم وفنون سامية رفيعة ، وعن طريق التنوير نستطيع إرساء نظام ثقافي عربي جديد . إن أوروبا لم تتقدم إلا عن طريق السعي بكل قوتها وابتداء من عصر النهضة نحو تحقيق مبدأ التنوير ، وبحيث وجدنا ثقافة أوروبية جديدة ، تختلف في أساسها ومنهجها عن ثقافة العصور الوسطى ) ،  أما د. مراد وهبة فيؤكد على تحرير العقل من أي سلطة ، حيث  يقول في كتابه ” مدخل إلى التنوير ” ، ( ص 7 ) : ( إن ثمة فجوة حضارية بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ليس في الإمكان عبورها من غير مرور بمرحلتين : إحداهما : إقرار سلطان العقل ، والأخرى : التزام العقل بتغيير الواقع لصالح الجماهير . بيد أنه ليس في الإمكان تحقيق هاتين المرحلتين من غير مرور بعصرين : عصر الإصلاح الديني الذي حرر العقل من السلطة الدينية ، وعصر التنوير الذي حرر العقل من كل سلطان ما عدا سلطان العقل ) . / نقلت أقوال د. عاطف ود. مراد من موقع / صيد الفوائد – من مقال بعنوان ،  ” ثقافة التلبيس ” للكاتب سليمان بن صالح الخراشي .                                                                                                        
  كلمة الختام :                                                                                                                              
     الأمة العربية ” الأسلامية ” في حالة يأس وأحباط  فكري وديني ، لا يمكن أن ننهض بهما ألا  برجال  تنوير ، يدعون الى قبول الأخر ويحترمون المخالف لهم ، أنطلاقا من تحرير العقل من ترسباته الدينية ، نحن بحاجة الى رجال تفكير ، وليس الى دعاة  تكفير ، ليكونوا رجال المرحلة ، لأننا بأمس الحاجة الى هذه النخبة من أجل فكر نهضوي حداثوي برؤية عقلية لكل المعتقدات الدينية والفكرية معا ، فلا ثابت سوى العقل والمنطق ، وبنفس الوقت نحن نفتقد الى منظومة لتحرير الخطاب الديني الأسلامي من لبوس الدين / نصوص التكفير والقتل ، الذي تهرأ و أصبح من كثرة ” غسله ونشره ” أشبه ما يكون بمومياءات فكرية لا يمكن أن تساهم في زخم  الثورة الدينية التي طال أنتظارها .