في البداية يمكن تسمية ما يجري في عموم الشرق الأوسط بالصراع الديني الطائفي، او فوضى الصراع الديني، لان تركيبة الجملتين السابقتين تؤديان الغرض نفسه في مفهوم هذا الصراع، وأُسسه الدينية والعرقية، اضافة الى صبغته التَّعصَّبية القومية، التي تُكوّن المجتمعات في هذه المنطقة من العالم. لم ولن ينتهي صراع هذه القوميات إلا بالتغير العرقي والطائفي والجيوسياسي، وازاحة الطرف الآخر بالقوة والعنف بأشكاله وصوره المختلفة.
ويمكن تسميته أيضاً (بمخاضٍ عسيرٍ) طويلٍ أبرزته لسطح الساحة السياسية احداث ١١ أيلول ٢٠٠١ وحرب أفغانستان، ومن ثم حرب العراق ٢٠٠٣.
الدين هو أساس الصراع الدائم في المنطقة منذ التبشير الأول للرسالات السماوية الثلاثة، اليهودية، والمسيحية، والإسلامية. في فترةِ ظهورِ هذه الدياناتِ، تغيّرت الخريطة السياسية أو ما يمكن تسميته ” الوطن الافتراضي” للمجموعات السكانية التي عاشت وهُجرتْ وهاجَرت وتَحاربت فيما بينها على أساس ديني وقومي وعرقي وطائفي.
جزءٌ كبيرٌ من هذا الصراعِ، هو انحسار الديانة اليهودية في الشرق الأوسط، وتمركزها في اسرائيل اليوم، بعد الحرب العالمية الثانية، وتأسيسها على أساس ديني طائفي عرقي قومي، مبني على الطبقات اليهودية المختلفة، المتعايشة فيما بينها على أساس الديانة الواحدة، بعدما كان اليهود يسكنون في معظم بلدان الشرق الأوسط الحديثة، قبل ظهور ديانات منافسة لها، لذا ولد هذا الصراعُ على أساسٍ دينيٍّ فيما بعد، وتوارثت الأحقاد بين القوميات ومُعتنِقِيها.
انتقلتْ عدوى الصراع الديني الى الإسلام، خصوصا، بعد سيطرته على الشرق الوسط بالكامل، وبقيّ الصراع الداخلي السياسي ببذرته الاولى كصراعٍ سلطويّ طبقيّ، قبل أن يكون صراعا دينيا طائفيا مهيمنا على القومية. مما أدى الى وقوع حروب دموية طائفية بين السنة والشيعة على مدى عقودٍ طويلةٍ، فيما بعد ، لم يك الرابح فيها سوى السياسي الطامح والطامع في السيطرة على الحكم، والبقاء فيه، أطولِ فترةٍ ممكنةٍ على حسابِ الشريعة والدين.
كانت الخسارةُ فادحةً في مكوناتِ الطرفين المنتمين الى قوميةٍ واحدة!، ولم تجفْ الدماء!، ولم ينتهي هذا الصراع!، بفعل العوامل الداخلية الُممزّقة والعوامل الخارجية، التي تطمع في تخريبِ أيّ نسيج اجتماعي ديني يربط هؤلاء القوم، للسيطرة على المنطقة بشتى الطرق المتاحة على مدى العصور التاريخية، من هذه الوسائل التي استخدمت في تدمير الاخر هي : اليد والحجر والسيف والمسدس والمدفع والطائرة وشتى الوسائل التى اخترعها المتصارعون، ومنها هذا السلاح الفتّاك ألا وهو (المفخّخّات)، التي اخترعها وابتدعها عرّابو الصراع الديني المسيحي، فيما كان يسمى (بالمُعضِلة الأيرلنديّة) وحروبها الطّائفيّة الدَّمويّة بين الكاثوليك والبروتستانت. إذن من هنا، نستنتجُ ان هذا السلاح الفتّاك هو منتوج باسم الدين المسيحي قبل ان يكونَ منتوجا إسلاميا، وفي كلا الحالتين مرفوضا جملة وتفصيلا.
الأن، نواجه الصراع الفوضّويّ المحموم بالدم والقتل المجاني بين السنة والشيعة، والعالم الغربي وقواه العظمى والعالم الشرقي بقواه العظمى يشتركان في الصراع، يمولانه بشتى الطرق التسليحية والتكنولوجية والنفسية من اجل السيطرة على مصادر الطاقة الكبيرة في الشرق الوسط. وهذه الدول تدرك تماماً ان عليها السيطرة بكافة الوسائل المتاحة، للحفاظ على التدفق المستمر للطاقة اليها، لحاجتها الماسة لهذه الطاقة، لدعم اقتصادياتها الكبيرة، التي توسعت بشكل كبير في العقود الثلاثة الاخيرة بعد الانفجار الكوني الهائل لتكنولوجيا المعلومات.
سياسات هذه الدول تقوم على أساس استهلاك مصادر الطاقة الخارجية قبل استخدام مصادرها المحلية، لان هذه المصادر من اساس احتياطياتها الستراتيجية، ولايجوز استخدامها في الوقت الراهن، ما دام هناك بديلا يُعتمد عليه. هذا البديل هو في متناول اليد، ومتوفر في الشرق الأوسط الغارق في دماء الصراع الطائفي الفوضوي المدعوم محليا وإقليميا وعالميا.