18 ديسمبر، 2024 7:38 م

فوضى السياسة والراي العام وملف مكافحة الفساد

فوضى السياسة والراي العام وملف مكافحة الفساد

السياسيون يتحدثون عن مكافحة الفساد !! نعم السياسيون كلهم بلا استثناء ، لكن الحديث هذه المرة اخذ طابع الصراخ والحماس والانفعال وراحت المنابر السياسية تنشط و تدعونا للدخول الى باحاتها لنستمع ونؤيد جهد هذا وذاك ، لا بل تدعونا ايضا للهتاف ورفع الشعارات ، تدعونا نحن ، اولئك الذين نسمع الصراخ ونشهد الحماس والانفعال ، نعم نحن من يجعل السياسيين في راحة حين نفتح افواهنا اما مستغربين او مندهشين و علامات البلاهة تبدو واضحة على وجوهنا كلما كانت قلة الحيلة اكبر لدى بعضنا الكثير .
حسن لسنا بلهاء ولكن هكذا نبدو .
ولكن مهلا ما الذي يعنيه هؤلاء بالفساد ؟
وما الذي اعنيه انا بالسياسيين ؟
من خلال الخطابات والمقابلات التلفزيونية والشعارات المرافقة للصور الشخصية المعلقة ايام التحضير للانتخابات وفي اعلانات اللوحات في الساحات وعلى ارصفة الجزرات الوسطية …افهمونا ان الفساد هو سرقة المال العام ، وهذا يعني ان سياسيينا يقولون ان مالكم يسرق وان السرقة مستمرة وبنجاح ساحق منذ اكثر من خمسة عشر عاما ..
ياللهول ! ترى من يسرقنا ؟
انهم الفاسدون !!!
من هم الفاسدون ؟ ………. لا اجابة
هم يتحدثون لنا اليوم واظنهم هذه المرة يريدون منا ان ننتبه ويكون لنا رأي في الاجراءات الذي وضعها ويضعها السياسيون لمكافحة هذه السرقة .
السياسيون؟
السياسيون : هم اولئك الذين يسعون الى الامساك بادوات السلطة ويديروا شان واحوال الناس بواسطة القانون ، وهذا يعني ايضا ان المال العام في حال حصولهم على السلطة سيكون قريبا جدا من ايديهم كل بحسب موقعه منها اي من السلطة ..ونحن من اوصلهم وسوف نوصلهم اليها.
هل لنا رأي في مكافحة الفساد ؟
هناك بعض يقول نعم ان لنا راي مهم جدا ، ولكن دعونا او اسمحوا لنا ان نقود رايكم ونساهم بصنعه وصياغته بشكل جيد ليكون مؤثرا في قرارات السياسي لانكم اصحاب المال العام.
من هؤلاء ؟
قادة الراي العام وصناعه : نخب ، اساتذة الجامعات ، باحثون ومفكرون ، رجال الدين ، كتاب وصحفيون ، فنانون واعلاميون ، ناشطون مدنيون ، والخ … راحوا يشرحون لنا الامر
وبدلا من ان نفهم .. اصابنا الدوار ، فاختلطت علينا المفاهيم والمفردات والمصطلحات ، ولكن البلاهة لم تعد هي العلامة الوحيدة في الوجوه فقد اعتلت عليها ايضا امارات الخوف ، فلقد اصبح الصراخ اعلى مصحوب بلغط ووعيد حتى اصابنا الغثيان .
سياسيونا يجلسون على كراسي المجالس التشريعية والتنفيذية ، يعني السلطة بايديهم وهم من يساهم في اختيار قيادات الاجهزة القضائية والرقابية ، طبعا هؤلاء عادة يكونون مستقلين واجهزتهم ايضا مستقلة
برلمان وحكومة …يشغلها سياسيون ..حزبيون تعمل حركاتهم واحزابهم طبقا لقانون الاحزاب .
اجهزة رقابية وقضاء …يشغلها مستقلون …مهنيون نزيهون او يفترض ان يكونوا هكذا
الحكومة ابنة البرلمان ….ونظامنا برلماني بمعنى ان السلطة كلها بالمطلق للبرلمان ، البرلمان يعني الشعب ..ويعني ايضا ان السلطة للشعب وحده …
التعريف الدولي للفساد يقول ..انه سوء استخدام السلطة
لا ….الشعب ليس فاسدا
الشعب بواسطة اداة الانتخاب يفوض ممثلين لحماية مصالحه ..هؤلاء المفوضون هم السياسيون ..
لا …السياسيون ليسوا بفاسدين
الاجهزة الرقابية والقضاء قالت ذلك طيلة خمسة عشر عاما …
باقي عندنا المكلفين بخدمة عامة ضمن الاجهزة التنفيذية بدءا من الوكيل حتى عامل التنظيف
ها ؟ هنا الفساد ؟…… لا اعرف
ولكن تعالوا نسال : لماذا هذا الصراخ عن الفساد ؟ ما الذي حدث ؟
اعتقد ان الناس بدأت تشك ، فخطاب السياسي ما عاد يشبه افعاله ، وان السلطة الممنوحة له لا يستخدم فيها قوة القانون لادارة الشان العام ، لان القانون بلا قوة او لنقل مازالت ضعيفة
فمراكز القوى لاتعتمد القانون بل لها اذرع اخرى منها الثقافة السائدة والاعراف ..
يعني القانون ليس سيدا ، يعني السلطة الممنوحة بواسطة القانون ضعيفة ، يعني ان مراكز القوى تمسك بالسلطة وتتعامل بقانونها هي ولمصلحتها هي ..ويعني ايضا ان درجة مدنية المجتمع ضعيفة ، ويعني ان قوى المجتمع المدني ضعيفة هي الاخرى ومنها طبعا صناع وقادة الراي ..لانهم وبكل تاكيد ناتج حاصل لمعادلة مراكز القوى المتنفذة
وهذا كله يعني ان السلطة الفعلية ليست مدنية وبالتالي فان الفساد واقع ضمن هذه السلطة التي لا تخضع للقانون وبالتالي ..فلا البرلمان ولا الاجهزة الرقابية ولا القضاء ولا صناع الراي قادرون على مكافحة الفساد .
لا لست متشائما
بالامكان مكافحة الفساد …ولكن بالتحرك نحو الانتصار للقانون واستعادة سيادته او تحقيق سيادته بمعنى ادق واوضح …
وهذا ممكن وممكن جدا …اذا ما تمكن صناع الراي من نيل استقلالهم .