فوضى إعلامية تُهدد العراق بحرب أهلية والحكومة تتفرج كالمُغيّب على دعوات التخوين والتحريض؟

فوضى إعلامية تُهدد العراق بحرب أهلية والحكومة تتفرج كالمُغيّب على دعوات التخوين والتحريض؟

كتاب “هيئة الاعلام والاتصالات/ العراقية” الصادر بتاريخ 14 حزيران 2025 ومن خلال فقرات مضمونه يوحي اليك بأنه لا توجد منطقة “حياد” في الحرب التي كانت دائرة طوال اثني عشر يومآ بين (إيران / الوعد الصادق /3 ) وإسرائيل / الاسد الصاعد ) والتي ما تزال جمر مشتعل تحت رمادها , فأما أن تكون معنا أو ضدنا لا توجد منطقة “محايدة” أو حتى “رمادية” تستطيع أن تجد موطى قدم لتقف فيه ؟ . إن ما نشهده ، خاصة بعد انتهاء الحرب ، هو تصعيد خطير وغير مسبوق في نبرة التحريض الطائفي طوال أكثر من 22 عامآ من خلال معظم وسائل الإعلام المحلية وبرامجها الحوارية السياسية حتى البرامج (الاجتماعية) تتحول بعد مرور دقائق الى أن تتخذ نبرة طائفية ضد الأخرى ؟ على الرغم من أنه برنامج إجتماعي تثقيفي . ولكن وبدلاً من أن نتوجه نحو تعمير الأوطان، وتنمية الإنسان والاقتصاد، وصناعة مستقبل يليق بأبنائنا، ما زلنا نراوح مكاننا، ننظر إلى الوراء ، ننصب المشانق لأشخاص رحلوا عن عالمنا منذ قرون، ونحيي صراعات طائفية لا علاقة لها بواقعنا الحالي . بل وصل الأمر إلى درجة بإنشاء “محاكم” رمزية لمحاسبة شخصيات تاريخية رحلت عنا منذ قرون ولكن نستحضرها لغرض إعادة محاسبتهم ! أي عقل يقبل هذا؟ وأي منطق يبرر هدر الطاقات في محاكمة رجل مات قبل ألف وأربعمائة عام؟ هل سيحل هذا أزمة الكهرباء؟ هل سيوفر فرص عمل للشباب؟ هل سيعيد الأمن والاستقرار للعراق؟.

في أعقاب انتهاء حرب “12” يومآ ، برزت دروس عميقة الأهمية تؤكد ضرورة تعزيز الروح الوطنية العراقية بشكل عاجل وشامل، يشمل كافة فسيفساء أطياف المجتمع. يتطلب ذلك نبذ التفرقة الطائفية التي طالما شكلت تهديدًا للنسيج الاجتماعي، والتأكيد على أن الأمن القومي لا يُبنى بالشعارات الرنانة أو الهتافات الطائفية التي تُحرّض ضد أبناء الوطن الذين اختاروا الحياد في هذا الصراع. والدرس الأبرز يكمن في الحاجة إلى تضافر الجهود لتقوية الجيش العراقي وتطوير منظومات الردع الوطنية لحماية أجوائنا و سيادتنا. فالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم الذي نعيشه اليوم، والذي يتأرجح بين منطق ترسيخ مفهوم سردية “الدولة” و”اللادولة”، يجعل العراق ساحة مفتوحة للأجندات الخارجية. هذا الوضع يفاقم ضعف الدولة ويعرضها لتدخلات خارجية تُغذيها المغامرات الفردية لقادة الأحزاب الحاكمة، مما يُعيق بناء مؤسسات قوية تخدم المصلحة الوطنية. ومن الضروري حصر السلاح بيد الدولة، فالسلاح المنفلت لا يخدم إلا المصالح الحزبية الضيقة، ويُستخدم كأداة لفرض أجندات خارجية. وجود هذا السلاح يُضعف قرار الدولة الوطني، ويُقوّض قدرتها على حماية مصالحها. في الأزمات، يتحول السلاح المنفلت إلى وسيلة لتشتيت المصير الوطني عبر قرارات حزبية أو ميليشياوية، بعيدًا عن إطار المؤسسات الدستورية. لذا، يجب أن تكون الأولوية لبناء دولة قوية، موحدة، قادرة على حماية سيادتها ومصالح شعبها من خلال مؤسسات وطنية راسخة.

هذه الحرب الإعلامية العبثية تكشف لنا عن فوضى إعلامية خطيرة تُديرها أذرع داخلية وبدعم خارجي لغرض إعادة السردية بنفس طائفي وبعيدا عن الوفاق المشترك والمواطنة ، مُهددةً بجر العراق إلى هاوية حرب أهلية مدمرة . وهذا ما نقلته حرفيآ ونحن نشهد احتفالية طلابية في الجامعة المستنصرية بانتصار الجمهورية الإسلامية على الكيان الصهيوني وعلى الرغم من أن الحرم الجامعي يجب أن لا ينجر الى هذه الهتافات والخطاب الطائفي التحريضي لانه يبقى منبر للعلم والمعرفة ولكن ما رأيناه من هتافات طائفية مجنونة صاخبة خرجت عن نطاق السيطرة وحتى وصل الأمر من أن يخرج احد الاعلاميين يقولها صراحة في حق أحد للمتميزين الرياضيين بان :” ضربة ” قاعدة العديد” قد أزعجت اللاعب يونس محمود وتثير تعاطفه مع قطر هذه الفوضى الإعلامية التي نراها تستعر يومآ بعد يوما ، التي وصلت إلى ذروة الخلط العجيب والانقلاب الحاد في المواقف، تُغذيها دعوات تحريضية خبيثة مستغلة المنابر الاعلامية الحزبية والبرامج الحوارية ، يُشيطنون كل من يرفض توريط العراق في هذا الصراع الخاسر، مُطلقين حملات تخوين واتهامات مُسمومة ضد شخصيات دينية وسياسية عراقية، بهدف القصاص ممن يعارضون أجندة خارجية . الحكومة العراقية، وهيئة الاعلام والاتصالات ، تقف متفرجة كالمُغيّب، عاجزة عن كبح هذه الحرب الإعلامية الطائفية المستعرة، والتي لا تقل خطورة عن اصوات المدافع والقصف الصاروخي ، مُعرضةً العراق لخطر فتنة داخلية تُحرق الأخضر واليابس. هذه القنوات الاخبارية الحزبية والتي غدت ساحة مفتوحة بدون أي حسيب ورقيب لتصفية الحسابات بين خصومهم الاخريين في الحكم ، لتُظهر دعوات صريحة من خلال إعلاميين يحرضون صراحة وعلنا في حواراتهم والمنتمين لفصائل ولائية موالية ، مثل عصائب أهل الحق وحركة النجباء، وحزب الله تُحرّض العراقيين على “الوقوف إلى جانب إيران”، زاعمةً أن طهران “تقصف إسرائيل دفاعًا عن الشيعة”. هذه الدعاية، التي يتم ترويجها والتركيز عليها حاليا ، لا تكتفي بالتحريض العام، بل تستهدف كذلك شخصيات دينية وسياسية عراقية معتدلة تقدم مبدأ الوطنية والمواطنة وعدم الانجرار وراء هذا الخطاب الطائفي والذي وصل حتى في بعض الحوارات على التشكيك بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف صراحة لعدم اصدارها بيان تكون فيها العبارات والجمل واضحة وصريحة ومؤثرة وتختص ايران دون غيرها لانها تدافع عن بيضة الاسلام والتشيع ، وشمل كذلك السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الوطني الشيعي ، باتهامات التخوين لرفضهم الانجرار إلى حرب بالوكالة. هذه الحملات، التي تجد آذانًا صاغية بين بعض المتعاطفين والمتهورين، تُحرّض على أعمال انتقامية ضد رجال دين وسياسيين، مُنذرةً بإشعال فتيل حرب أهلية شيعية-شيعية، تُعيد العراق إلى فوضى 2006-2008. وهذه الحرب إعلامية لا تقل فتكًا: هذه الحرب الإعلامية المستعرة، تُمثل تهديدًا وجوديًا لما تبقى لدينا من مواطنة عراقية والعيش المشترك . وقد روج ومن خلال التسريبات في الاعلام والصحافة وبعض المواقع الالكترونية تكشف أن رجال دين متشددين، تابعين للفصائل الولائية، يُكثّفون حضورهم في الحسينيات، مُروّجين أكاذيب مثل “ظهور الإمام المهدي” و”حماية إيران للشيعة”، لدفع الشباب الفقير نحو عمليات انتحارية ضد المصالح الأمريكية. هذا التحريض، الذي يستغل العاطفة الدينية بأبشع صوره، يُغذي انقسامات طائفية داخل المجتمع العراقي، مُهيئًا لصراع داخلي قد يُدمّر ما تبقى من النسيج الاجتماعي العراقي وبدلاً من ضبط الإيقاع الإعلامي ومراقبة القنوات الفضائية والاذاعية والصفحات والجرائد والصحف ، التي تُشعل نار الفتنة، تكتفي الحكومة بإصدار التعليمات ولكن من دون أن يكون هناك اي دور حكومي فعال ومؤثر للمحاسبة او اتخاذ اجراءات عقابية متشددة لتجاوز الذي تقوم به القنوات الاعلامية الحزبية، مُفسحةً المجال بدورها لتحويل العراق إلى ساحة انتقام وتصفية حسابات. أين الإجراءات ضد هذه القنوات؟ أين توقف البث لمنصات التي تُحرّض على العنف؟ هذا التخاذل غير المبرر ، الذي يُضاف إلى عجز الحكومة عن حماية أجوائها ، يُكرّس العراق كدولة فاشلة، ما تزال حكومته رهينة أجندات حزبية وخارجية تجعلها عاجزة ومشلولة على ضبط الايقاع الخطاب الاعلامي ودون اي تمييز قناة رسمية او حزبية على قناة اخرى مستقلة في أدائها الإعلامي وتتخذ في برامجها وخطابها الإعلامي موقف محايد ؟ ونوجه صرخة إلى العقلاء في الحكومة : متى ستنطقون ضد هذه الدعاية الطائفية التي تُدنّس المذهب؟ أيها رجال الدين المعتدلون، أين صوتكم ضد هؤلاء المتشددين الذين يُحوّلون الحسينيات إلى معسكرات تحريض وتجنيد الشباب الفقير ليكون حطب لحرب ليس لهم فيها أي مستقبل سوى ما ينتظرهم من مستقبل تحت التراب وتشريد عوائلهم من بعدهم ؟ أيتها الحكومة ، كفى تخاذلاً ! إما أن تُعاقبوا وتُوقفوا بث قنواتهم، أو ستكونون شركاء في جريمة إشعال حرب أهلية تُنهي العراق . أيها الشعب العراقي، هل ستصمتون بينما هؤلاء عملاء يُحرّضون على قتل إخوتكم باسم “نصرة الطائفة والمذهب “؟ هذه الحرب الإعلامية ، التي تُغذيها أذرع مشبوهة ، تهديد وجودي يتطلب انتفاضة وطنية لإنقاذ العراق من جحيم الفتنة الطائفية التي اصبحت تدق أبوابها أكثر من اي وقت مضى . تحركوا قبل أن يُصبح العراق ركامًا تحت اقدام الأجندات الخارجية!
[email protected]