السلطات الجزائرية مستمرة في تصدير الوهم للشعب وتشهد دول العالم على خيبتها في الممارسة الديمقراطية، وتكرس الخوف من احتمال عودة الإرهاب، وكلما دعا الشعب للتغيير قايضته بالأمن.
تعتقد السلطات الجزائرية، خاصة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أن انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا سيغيّر كثيراً في سياسة فرنسا تجاه الجزائر، مٌسْتندة في ذلك إلى بعدين سياسيين. الأول نظري، تجسّده تصريحاته خلال حملته الانتخابية حول علاقة بلاده المستقبلية مع الجزائر من زاوية الحسم في ميراث الحقبة الاستعمارية، ومن أهم ملفاتها تجريم الاستعمار، حيث إنه المرشح الوحيد للرئاسيات الفرنسية الذي تناول هذا الموضوع، وأخذ موقفا واضحا إلى حد بعيد. والبعد الثاني عملي ظهر في زيارته إلى الجزائر عند ترشحه، تلك الزيارة التي ترى أوساط مطلعة أنها جاءت بتوصية أو بنصيحة من الرئيس فرنسوا هولاند، انطلاقا من أنه لم يكن هناك ما يدفع إلى مثل تلك الزيارة أثناء الحملة الانتخابية.
تركيز جزائري واضح على أهمية تلك الزيارة واعتبارها مدخلا للعلاقة مع فرنسا، صحيح أننا لا نعلم ما هي تفاصيلها، ولا الوعود التي اتّخذها الطرفان في حال فوز إيمانويل ماكرون، لكن تبدو هامة للغاية وخاصة للجزائر، وقد أعيد التذكير بها في برقية التهنئة التي بعثها بها بوتفليقة إلى ماكرون، إذ جاء فيها ” إن الزيارة التي قمتم بها حديثا إلى الجزائر، في سياق انطلاق مسيرتكم الباهرة صوب تحقيق غايتكم الوطنية السامية، أضافت إلى الرصيد المشترك بين بلدينا، موقفكم المبدئي المتميز بالإقدام السياسي والإخلاص الإنساني المنقطع النظير حيال الاستعمار وطبيعته التي لا تغتفر، إن ذلك الموقف الرائد الذي صدر منكم، يضعكم طبيعيّا وشرعيّا في الموقع المرموق، موقع الفاعل المُقْتنِع والمًقْنِع في عملية استكمال مصالحة حقيقية بين بلدينا، في إطار احترام القيم الذاتية للشعوب التي يتحول تقاربها أثناء محن المواجهة إلى صحبة على نهج الأمل لا تضاهيها صحبة”.
النص السابق، غير مقبول لدى من بقي من ثوار الجزائر والكثير من القوى السياسية وعامة الشعب، لكن ليس في مقدور أي منهم رفض ما يقوم به الرئيس، والمهم هنا أن الجزائر- بقيادة بوتفليقة – ترى في فوز ماكرون دفعا للمصالح المشتركة بين الدولتين، سيكون من نتائجه الأولية، استمرار العلاقات الجزائرية الفرنسية في المجالات المختلفة، مع التركيز على التهدئة والتعاون والشراكة، وأنه من خلاله يمكن حسم قضايا تاريخية لم تحل إلى الآن، وتفادي إطلاق أي تصريحات أو اتخاذ مواقف غير مرضية للجزائر، بل والتقارب في القضايا الشائكة في القارة الأفريقية، والتي تمسُّ المصالح الجزائرية بشكل مباشر، وخاصة في دول الجوار، ليبيا ومالي، بل إن الجزائر تعوّل على أن يذهب ماكرون إلى أبعد من ذلك في مجال العلاقات بين البلدين، مما قد يساعد على تحسن علاقة الجزائر مع باقي دول الاتحاد الأوروبي، لكن ألا يُعدُّ هذا ضرباً من الوهم؟
الجزائر، وعلى لسان بوتفليقة، تعوّل كثيرا على الرئيس الجديد لفرنسا، مُسْتندة في ذلك إلى تجربته في تعاطيه مع الملفات المشتركة حين كان وزيرا في حكومة فرنسوا هولاند، ويبدو أن الرئيس بوتفليقة أراد أن يذكره بذلك حين قال له في برقية التهنئة “لما كنتم تضطلعون بتلك الوظائف الوزارية الهامة، كان لكم عطاء ذو بال في بناء شراكة استثنائية بين الجزائر وفرنسا، التي تطلعنا، أنا وسلفكم المبرز، إلى جعلها مشروعا عظيما مشتركا لشعبينا، لم يخف على الجميع كل ما بذلتموه من إخلاص وإبداع في مسعى كنتم تعلمون أنه مسعى يدخل في نطاق التساوق مع التاريخ”، والسؤال هنا عن أي شراكة استثنائية بين البلدين يتحدث بوتفليقة؟
من ناحية أخرى يتمنَّى بوتفليقة للرئيس ماكرون التوفيق في مهامه “الذي سيكون توفيق فرنسا الصديقة في الإشعاع الذي ينتظره منها المجتمع الدولي، بين الأمم التي تتطلَّع إلى سلم وازدهار يَشْمُلاَن أجيال الحاضر والمستقبل عبر العالم”، غير أن هذه التمنيَّات لا يدعو بمثلها للشعب الجزائري، وهو ما يراه الشباب الجزائري، على النحو الذي جاء تصريحا وبلغة رفض شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، رافضة للانتخابات التشريعية، بل ولاستمرارية بوتفليقة بالحكم، وفقد زادها فوز الشاب ماكرون شعورا بالمهانة والذل، خاصة حين قارن الشباب الجزائري حين كان بوتفليقة في وزارة الخارجية، وماكرون لا يزال وليدا في 1977، ووجد أن السنوات التي قضاها بوتفليقة في الحكم، أكثر من عمر ماكرون في الوقت الحالي، فكيف لبوتفليقة أن يتحدث عن مستقبل العلاقة بين الأجيال في الدولتين؟
هناك شبه إجماع من الشباب، على أن السلطات الجزائرية مُسْتَمرَّة في تصدير الوهم للشعب، وأنها تشهد دول العالم على خيبتها في التسيير وفي الممارسة الديمقراطية، وأنها تكرّس الخوف من احتمال عودة الإرهاب وتتغذّى من وجوده على المستوى العالمي، وكلما دعا الشعب للتغيير قايضته بالأمن.
نقلا عن العرب