عندما اعلنت نتائج الانتخابات لم يخامر اغلبية ابناء شعبنا الساحقة ان المرحلة الحالية ستكون امتدادا لما سبقها ، لاتغيير جدي في جوهرها ، ولايمكن ان تتخطى الكتل والتحالفات سياسة المحاصصة المقيته ” شيعة –سنة – اكراد ” . وما التصريحات والضجة الاعلامية سوى زوبعة تنقشع بمجرد قبول ما شاب الانتخابات من تزوير ، ولكنها لا قدمت ولا اخرت ، وبقي المواطنون متفرجين على الصراع بين المتنافسين على المناصب وتحرك المتذمر لاجل حقوقه منهم على نطاق واسع في البصرة غير انهم اتحدوا ضده وفرقوه بوسائل شتى .
الواقع ان العمل على تغيير وعي الناس لم يكن كافيا ولا ملائما في احداث انعطافة قادرة على تحطيم الطائفية وتغلغلها العميق بين الاحزاب وضعف ادوات ووسائل التغيير والحامل الاجتماعي لبرنامجه .
واساسا من توجه الى الانتخابات بكثافة هم منتسبي الاحزاب ومناصريها المقربين وعزوف عموم الجمهور عنها صاحب المصلحة في ان يحكم ويدار بطريقة اخرى افضل والذي غلب عليه اليأس وانعدام الثقة بدعاة التغيير على اختلاف الوانهم ومشاربهم .
شهدنا اختيار وتوافق على رئاسة مجلس النواب وسط صراعات حادة وانعدام الثقة الشعبية به قبل ان يبدأ عمله ، فكنا نمني النفس بحال احسن على الاقل تقلل من حجم التشكيك والطعن في شرعيته اوتخفف من حدتها وتشيع بعض الاطمئنان وتبعث رسالة الى الامة بان الامور ستتحسن لا ان تزيد من المرارة وتقلص مساحة التاييد بعد الاتهامات ببيع وشراء للضمائر.
ليس هناك من تغيير نوعي في انتخاب زيد اوعمر من مجلس نزاهته في موقع الشرشحة ولن تكون مخرجاته بلا شوائب وخالية من سوء.
اظهرت مجريا ت الجلسة ان الامور حسمت في الهزع الاخير من ليلة عقدها لصالح معسكر “البناء” الذي كان اكثر استقرارا و التزاما وانسجاما وكسبا للنواب ،اما معسكر ” الاصلاح والاعمار ” بدى مهلهلا ضعفت اواصر الروابط ما بين اعضائه وكل منها يتشاطر على حليفه ، بل وصل الامر الى النيل من طرف فيه بجلسة برلمانية مفتعلة وتفتقد الى اصول العمل ، واذا سلمنا جدلا ان الامر لابد منه كان التوقيت سيئا وادى ىتصدع يصعب ردمه غداة انعقاد الجلسة واكثر من هذا شهر به مما اخاف حتى من كان محتملا ان ينحاز في ولائه للاصلاح .. .
وبدلا من ان تتخذ خطوات جدية لتعزيز روح الفريق بين مكوناته وملاحظة المنافس كيف يعزز هذا الجانب انفرد طرفا باتخاذ القرارات المصيرية او هكذا عكست الصورة من دون نقاشات مسبقة .
المعركة الاولى سجلت خسارة وكادت ان تكون قاضية لولا مكرمة “البناء” بعدم الترشيح لمنصب نائب الرئيس واعتبروه “عربون محبة ” لانعرف كيف سيرد هذا الدين الذي حفظ ماء الوجه ، اوهمنا ان من تحوم حوله الشكوك لن يمر ولا يساوم عليه ، وتبين ان التصويت لم يكن ملزما لاعضاء الكتل ، واعطت الانطباع ان النواب ليس على نفس القدر من التقيد بتوجيهات كتلهم .
اما بالنسبة للكورد ، الظاهر انهم حسموا امرهم في اتجاه ” البنا” وهم من البداية قالوا انهم ينحازون الى من يعدهم بتامين مصالحهم بغض النظر من يكون ، وهذا ما اشار اليه الرئيس المنتخب ، ولعل ذلك يفسر قلة عدد من شارك في التصويت على مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفوزه في الدورة الثانية والذي يفهم ايضا انه عقاب وردة فعل ،يتوقع تكراره ، لما يعتبره البعض عدم اعطاء الكورد الاهتمام الكافي للقضايا العراقية العامة والمبالغة في مطالبهم . وهذا مؤشر على ان الاصطفاف مع هذه القوى لا يعبد الطريق الى الحقوق وهناك فجوة بين ما يقال والوعود التي تطلق في الغرف بل حتى المواثيق ما لم تكن نابعة من قناعات واستعدادات لتقبل افكار الاصلاح والبناء الجديد .
ورجحت الجلسة كفة على اخرى واعطت مؤشر واحتمال على من هي الكتلة الاكبر او انها ستستغل لتحقيق ذلك ، لاسيما ان الضغوط الايرانية التي نجحت وتوسعت في وسط اجتماعي لايحسب مذهبيا عليها ،لابد من مراجعة واصلاح الاخطاء وتغيير الاساليب وتدقيقها والتخلص من المفاجئات والانتقال الى اشراك الاصلاح والاعمار ككل في التفاوض واتخاذ القرار وتعزيز الوحدة فيما بين تشكيلاتها والتكافؤ بين مكوناتها السياسية .