19 ديسمبر، 2024 6:52 ص

لا يختلف الجميع في أن السياسة هي أداء فكري وإداري يمكن أن يتعلمه الانسان من خلال الدراسة والبحث والمتابعة والتحليل وبعقلية منفتحة قادرة على الاستيعاب، فضلا ًعن عوامل الذكاء والفطنة والحكمة ايضاً، حيث تشكل هذه العوامل مجتمعة شخصية السياسي وقدرته في التعامل في هذا الميدان ، لذا سميت السياسة بأنها فن صناعة الممكن. وفي ظل أجواء الانفتاح السياسي الذي نعيشه منذ عشر سنوات مضت أفرزت الساحة السياسية العراقية نماذج مختلفة في طروحاتها وفلسفتها وحتى رؤيتها للواقع السياسي الذي يمر به العراق وما تعصف به من أزمات متتالية تأتي في مقدمتها أزمة الارهاب. فهناك للأسف عقدة لا تزال تجثم على صدور بعض السياسيين العراقيين، هي عقدة الخوف من الأخر التي لا تزال تهيمن على نفوسهم مما ولدَ عقلية مسيطرة على الوضع العراقي بشكل عام نستطيع أن نطلق عليها بعقلية صناعة الأزمة ، فمنذ عام 2003 ، تجد أن هذه العقدة قد أصابت هذا البعض ، وهذا لا يخفى على أحد ، فمن خلال فهمهم وتعاملهم مع الأزمات التي مررنا بها ستجد ذلك واضحاً، مما سيجعل نتائج نجاحنا في مشروع العراق الجديد متعثرة وذات أمد طويل النجاح. ومن خلال الفحص والتمحيص في فترة العشر سنوات الماضية نستدل ان هذه الفئة من السياسيين قد برهنوا أنهم لم يفهموا هذه الظاهرة جيدا، ويبحثوا في أسبابها ونتائجها.
 مما جعل منها بُعبُعاً يهدد العملية السياسية ويعيق التقدم السياسي القادر على بناء الدولة العصرية الناجحة، وهذا يقع في مقدمة الاسباب التي ساعدت على تعويق تقدم التجربة الجديدة. فالسياسي الذي يتخوف من الآخر، كان عليه ان يقود عملية التغيير بنجاح وهذا لا يتأتى إلا من خلال أعتماد منهج وعقلية صناعة الحلول، وفق آليات مدروسة على نحو دقيق لايقبل الخطأ، ولا يمنح الثغرات التي يمكن للاعداء النفاذ منها، واستغلالها لتعويق عجلة التقدم، وتجعل من سيرها بطيئا ً. فحين يتصاعد الاعتقاد بنظرية المؤامرة بين الاطراف التي تشترك في تشييد البنية السياسية الجديدة للعراق، وحين تنفصم وتتهدم جسور الثقة، بين اطراف العملية السياسية، فإن هذه الاسباب مجتمعة ستصب في مصلحة الارهاب ومن يقف خلفه. إذن لابد من مغادرة حالة الخوف من الآخر، يرافق ذلك عمل دؤوب، لتطبيق وترسيخ المنهج الديمقراطي، حتى لو تطلّب الامر تقديم التنازلات التي قد تبدو كبيرة، نتيجة لأعباء الماضي وتراكماته ، فتجربتنا حديثة المولد كأبن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب أي أنها لا تتحمل ما لا طاقة لها بحمله ، ولم تترسخ بعد في أذهان الكثيرين ، لذا على هذا البعض من السياسيين العمل على مد جسور الثقة والتواصل مع الآخر والتي تمثل مفتاح العمل الحقيقي الناجح لبناء دولة مؤسسات مدنية قوية لا يُخشى عليها من الآخرين ، وأن يكون الجميع مستعدين لحماية الديمقراطية، وتطويرها ودعمها ، وأن لا يظل الخوف مُعششاً في عقولهم وافكارهم وافعالهم ، حتى لا نصل الى اليوم الذي تموت فيه تجربتنا لا سامح الله، بسبب فوبيا الآخر، ومنح الأعداء فرصة الانقضاض على التجربة التي طالما حلمنا بها ودفعنا لأجلها الكثير .

أحدث المقالات

أحدث المقالات