18 ديسمبر، 2024 10:17 م

فواجع في رحاب وطن …

فواجع في رحاب وطن …

كاتب وأديب عراقي ينعى”حاسوبه وخزينه الأدبي ووطنه” !!
*لست حزينا على الحاسبة ولا على نصف مليون كاش صدقوني، انا حزين على محتوياتها التي لاتقدر بثمن !
*فقدت مسلسلا كاملا من 30 حلقة عبارة عن كوميديا سوداء تلخص المأساة العراقية برمتها !
*فقدت عشرات القصص القصيرة والمقالات والقصائد التي لم أستعد منها سوى النزر اليسير !

حاوره / أحمد الحاج
قبل أيام نعى الكاتب والأديب العراقي المغترب عماد عبود، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك “حاسوبه الشخصي الذي سرق منه بعملية سطو منزلي حدثت قبل 8 سنين وقد سبق للاديب المعروف، صاحب الصوت الاذاعي الرخيم ،وهو مؤلف رواية “غلمان الكرات الطائشة ” أن حدثني عن ذلكم المصاب الجلل الذي نزل بساحته في لقاء جمعنا على فنجان قهوة تركية في إحدى اصبوحات اسطنبول الباردة عام 2016 ، اللقاء كان سريعا فلم يتسن له الحديث بإسهاب عن تفاصيل ما فقد منه آنذاك، الا أن ما نشره مؤخرا على صفحته ، كان تفصيليا ومحزنا فصعقت لحجم ما تم فقده ، وجاء في النعي من جملة ماجاء فيه :
الذكرى السنوية الثامنة لسرقة منزلي في بغداد قبل 8 سنوات في وضح النهار
، لست حزينا على البلازما ولا على الحاسبة ولا على نصف مليون كاش – 500 الف دينار – صدقوني، انا حزين على محتويات الحاسبة وبينها مسلسل من 30 حلقة ، اضافة الى خلاصة 10 سنين من المقالات والقصص القصيرة والقصائد المنشورة في صحف ومواقع الكترونية ، فضلا عن مسودة كتاب ينتظر اللمسات الأخيرة كتبته بمناسبة تركي للتدخين، الا انني وللاسف الشديد وبعد هذه الحادثة قد عدت للتدخين !!
علما بأنني أعرف اللص وقد واجهته بالحقيقة الدامغة ولا اقول غير ” عليه العوض ومنه العوض..” انتهى نصه
فما كان مني الا ان ارسلت له رسالة رجوته فيها اجراء حوار شفاف معه ليكون محوره تلكم الكنوز الثقافية التي فقدت مع الحاسبة الشخصية ليكون بمثابة سؤال عن ” كل مفقود منها والاجابة عليه بما يحتفظ به في ذاكرته فكان هذا الحوار مع فاقد حاسوب وخزين أدبي و…وطن فما مصابه سوى حكاية وقصة قصيرة وصفحة في سفر كبير بعنوان” فواجع في رحاب وطن ” حيث يتنعم السارقون والفاسدون والمفسدون بكل المغانم والمقدرات والثروات والخيرات على حساب البلاد والعباد ..على حساب الوطن والمواطن والأعجب أن بعض الفاسدين لايتورع عن “ذرف دموع التماسيح “حزنا على ما آل اليه حال العراق والعراقيين مصداقا للمثل الشعبي ” يأكل ويه الذيب ، ويبكي مع الراعي ” .
س1 : ماذا تقرأ بطاقتك الشخصية ؟
عضو عامل في نقابة الصحفيين 1974، مارست الصحافة منذ كنت تلميذاً في الثانوية، درست الهندسة الزراعية وتخرجت من جامعة سراييفو/ يوغسلافيا السابقة 1984.

س2 :من ضمن ما فقدته في حاسوبك الشخصي بعد سرقته ، مسلسل من 30 حلقة كنت قد شارفت على الانتهاء منه كاملا مع السيناريو والحوار، حدثنا قليلا عن المسلسل ، عنوانه ، مضمونه ، رسالته ،رؤيته ،أبرز الموضوعات التي يعالجها لطفا وليس أمرا.

أنا حاصل على جائزة تقديرية في كتابة سيناريو الفيلم التسجيلي من المؤسسة العامة للسينما والمسرح عام 1987 ودخلت دورات خارج العراق متخصصة في فن كتابة السيناريو، رغم أن هذا الإتجاه بعيد عن تخصصي الدراسي.، وشجعني ذلك على كتابة مسلسل “النايبات” ، وأسمه يجمع بين معنى النائبات (عضوات البرلمان)، والنائبات، أي (المصائب،) والعنوان يكشف الجانب الساخر من الموضوع، الا انه يناقش قضية جادة، خلاصتها هل يستطيع عضو مجلس النواب، النزيه والشريف والخبير وكل ما يخطر ببالك من الصفات الايجابية،، أن يفعل شيئا مؤثرا داخل المجلس في ظل وضع فاسد، وقد تمحور الصراع الدرامي في حلقات المسلسل بين نائبة تمثل هذا النموذج وتعتقد أنها قادرة على التغيير، واخرى أمية ساقتها الصدف الى قبة البرلمان، محاطة بنماذج كثيرة على شاكلتها، وبعد 30 حلقة من الصراع تكتشف النائبة النزيهة أنها كانت مخطئة وأن هذا المكان لا يمثلها، وبعد خطبة مدوية في المجلس تكتب استقالتها على ورقة وتطويها على شكل (صاروخ) يشبه تلك التي يصنعها الاطفال من الورق، ثم تطلقه في فضاء القاعة ليستمر بالدوران تحت قبة البرلمان بينما تغادر هي القاعة لتجد زوجها الذي عارض فكرة الترشح منذ البداية وتعترف له بخطأها، يسيران معا في شوارع بغداد فتمر من امامهما جنازة صحفي قتل وهو يغطي احتجاجا شعبيا، ينضمان الى التشييع ليتحول الى تظاهرة تندد بالفساد والافلات من العقاب، وهكذا ينتهي المسلسل، ليعطي رسالة بأن التغيير يأتي من أصحاب المصلحة الحقيقية بالتغيير وهم هؤلاء الناس الذي يسيرون في التشييع وليس من اصحاب المصلحة باستمرار الوضع على ماهو عليه.

س3: هل هناك نية لإعادة كتابة المسلسل مجددا وعرضه على احدى القنوات الفضائية لتتولى انتاجه واخراجه مستقبلا ؟

لا أظن ذلك للأسف، فكم من خط أحمر وأصفر عليك أن تجتاز لتصل الى الأخضر. ثم أن غالبية القنوات مملوكة للمستفيدين من الفساد الذي يفضحه المسلسل. أخطط الآن لرواية جديدة تفضح الفساد برؤية مختلفة، وأظن أنها ستكون شيئا مختلفا.

س4 : ذكرت بأن من المفقودات المهمة ايضا كان كتاب (تاريخ الدخان) وينتظر اللمسات الأخيرة ما قبل الطباعة والنشر قبيل سرقته ، ترى كيف خطرت ببالك فكرة تأليف هذا الكتاب المتفرد في بابه ، وكيف اثبت بين دفتيه بأن استهلاك التبغ عرف أولا في الدولة الفاطمية ومن ثم الايوبية بخلاف المتعارف عليه بين الناس بأنه يرجع الى اكتشاف قارة اميركا او الارض الجديدة كما كانت تسمى قديما ؟

عندما تكون مدخنا فإن هذا الاختراع السيء سيرافقك طوال النهار ولاشك أن كل مدخن قد تساءل عن اصله وعن الشيطان الخبيث الذي وسوس لمخترعه، اما انا فتتبعت موضوع التدخين بكل درجاته، من السيكارة الى النارجيلة الى الحشيشة، ووجدت في العديد من المصادر اشارة لفرقة تسمى “الحشاشين” ظهرت أيام الدولة الفاطمية وهي اتجاه انشق عن الاسماعيليين، واستقرت هذه الجماعة في “جبل الموت” في بلاد فارس، واشتهرت بالاغتيالات السياسية التي ينفذها اشخاص لا يأبهون بالموت، نسميهم اليوم (انتحاريون) ، واستمرت هذه الجماعة على اسلوبها في الغيلة على ايام الدولة الايوبية، وتعرض صلاح الدين الأيوبي نفسه لأكثر من محاولة اغتيال،أما لماذا لا يأبهون بالموت فهذا لا يعود لعمق ايمانهم بقضية او دين او مذهب، بل لأنهم وبحسب بعض المصادر، ومنها روايات “جرجي زيدان ” التاريخية التي تناولت تلك الفترة، كان قادتهم يقدمون لهم نوعا من المخدر “الحشيشة” ومنها جاءت هذه التسمية، وعند تدخينها يعيش في عالم آخر ، ثم يبدأ القائد بتوجيه الحشاش مسلوب الارادة والايحاء له بأن ما يراه من نعيم (وهو تحت تأثير المخدر) هو الجنة، لكن بشرط أن تنفذ عملية الاغتيال اولا، فيذهب لتنفيذ العملية وهو تحت تأثير المخدر. وهذا أقدم مصدر لتدخين الحشيشة عثرت عليه حتى الآن، ولم أجد سببا لتسمية هذه الجماعة بهذا الإسم غير هذا السبب.

س5 : من المفقودات كذلك اضافة الى ما ذكر انفا العشرات من القصائد والقصص القصيرة والمقالات المنشورة وغير المنشورة في العديد من الصحف والمجلات والمواقع ، حبذا لو أوجزت لنا أحب تلكم القصائد والقصص القصيرة والمقالات الى قلبك وماذا كان تعالج؟
قصيدة “صوت جدتي” وقد عثرت عليها حيث أن أحد المواقع نقلها من صحيفة كنت قد نشرتها فيها، تتناول مسألة الهجرة. ومقالة كتبتها وأنا أبكي، عن الطفلة الشهيدة عبير الجنابي، التي اغتصبها جنود الاحتلال الاميركي وأحرقوها في مدينة المحمودية هي وعائلتها، وقصة قصيرة احرى عن أطفال “مدرسة بلاط الشهداء “اثناء الحرب العراقية الايرانية .

س6 : انت مؤلف رواية ” غلمان الكرات الطائشة ” وهي رواية حظيت بالكثير من المتابعة والاعجاب مذ صدورها ، نود من جنابك أن تعطينا ملخصا عن محور الرواية ومضمونها .

عندما كنا نلعب كرة القدم في الزقاق ونحن صغار كان هناك غلام يجلس خلف الهدف مهمته جلب الكرات الطائشة خارج الملعب، وحراسة نعالنا وملابسنا، اذا فزنا نحتفل فيرقص للترفيه عنا، واذا خسرنا اصبح (مكفخة) لنا لأننا خسرنا بسبب طلعته المشؤومة، واذا عشقنا جعلناه مرسالاً لرسائل الغرام، لا يجيد عملا غير ذلك. محور الرواية ، يدور حول رجل خمسيني صحا ذات صباح وقد فقد الذاكرة تماما، فيبدأ باكتشاف نفسه ثم بيته ثم محلته ثم مدينته وهو يتنقل في غاية الحذر، لأن مدينته لا يبدو أنها طبيعية بسبب انتشار جماعات تمارس القتل على الهوية، وتكون له قصة مع زعيم احدى هذه الجماعات، ليكتشف أنه كان غلام الكرات الطائشة في محلته. كان غلام كرات طائشة في الصغر وأصبح زعيم عصابة، وعرف في النهاية أن الغلمان تجمعوا من الأزقة الخلفية ليكونوا فريقا يحتل ساحة اللعب بدل اللاعبين الأصليين. أستطيع أن أدعي أن روايتي هي الأولى التي تناولت دور التظاهرات العراقية التشرينية في اعادة تشكيل الوعي الشعبي.

س7 : لو أردت أن تقدم نصيحة ثمينة الى الادباء والكتاب من جيل الشباب والواعدين فما انت قائل لهم ؟

أقول لهم إقرأوا قبل أن تكتبوا. إقرأوا عن كل شيء ، الكاتب يجب أن يكون محيطا ، أو على الأقل ملماً بكل ما يدور حوله، القراءة هي الشيء الوحيد الذي لن تندموا على فعله، الكاتب مثل رشاش الماء، اذا توقف عن القراءة نضب ماؤه وجف عطاؤه. ضعوا وطنكم في خدقات عيونكم وانتم تكتبون، وأخيرا: لا تنتظروا الثراء أو مجرد العيش من الكتابة، جدوا مصدر رزق آخر!

س8 : وبماذا تنصح من يمر بحالة مماثلة للحالة التي مررت بها والمتمثلة بفقدان الخزين الادبي والثقافي على حين غرة بطريقة أو بأخرى ؟

النصيحة لا تجدي نفعا لمن فقد خزينا لا يعادله المال ، الافضل أن اوجه نصيحتي لمن لم يفقده بعد، وخلاصته ” اخزن نتاجك في أكثر من مكان تنجو! ” .

س9 – أمنيات واحلام لم تتحقق بعد ؟

هي أمنية كل العراقيين، أن ينتهي الكابوس الذي نعيشه ، أن نصحو ذات صباح – كما صحا بطل روايتي – وقد تغير كل شيء.

س10- حكمة تؤمن بها ؟
فقل لمن يدعي بالعلم فلسفة …حفظت شيئا وغابت عنك أشياءُ

س11 : كتاب لا تمل قراءته ؟

روايات فيكتور هيجو ، بشكل عام بسبب المسحة الإنسانية الطاغية فيها، “الرجل الضاحك” مثلاً، تتحدث عن طفل تقوم عصابة بسرقته وتشويه فمه بحيث يبدو شكله وكأنه يضحك حتى عندما يبكي، ويتجولون به في الاسواق لكسب المال كما يفعل “القرداتي” . رواية لم استطع نسيانها.

س12 : لو لم تكن انت ، ماذا كنت تتمنى أن تكون ؟

رغم أني ليست راضياً عنها مئة بالمئة إلا أني لا أعرف غيرها وأحبها كثيرا ولا أريد أن أكون شيئا آخر غيرها، إنها نفسي.

-س13 : كلمة اخيرة لقرائك ومتابعيك.

الأدب عالم خيالي هذا صحيح لكنه لا يمثل قيمة كبيرة اذا لم يستند الى الواقع ، يرصد الجوانب السلبية ويطرح البديل الايجابي . الاديب ليس سياسيا ولا يشترط ان يكون كذلك، انه صاحب رؤيا اوسع وأشمل، فلا تطلبوا منه اكثر من ذلك . اشكر كل المتابعين والقراء الذين أبدوا وجهات نظرهم بكتاباتي سواء المقالات التي تجاوزت بضع مئات ، او الرواية الوحيدة التي اعمل جاهدا على ان لا تبقى وحيدة. وأشكرك على هذه الفرصة التي اتحتها لي للقاء بقرائي الأعزاء.